تحتفل الطبقة الشغيلة عبر عدد من دول العالم بعيد الشغل الذي تعتبره مناسبة للمطالبة بمزيد من الحقوق والامتيازات، إلا أن الأمر مخالف تماما لدى عدد من عمال الشركات المغربية التي تنشط في ميادين النسيج والعقار، الذين لا يتعدى سقف أحلامهم مجرد حصولهم على أجرتهم الهزيلة في موعدها المحدد بداية كل شهر. الحسين واحد من هؤلاء العمال الذين أفنوا عمرهم في خدمة مؤسسة بقطاع النسيج، قضى بها أكثر من عشرين سنة، وكان له الفضل في مضاعفة أرباحها سنة بعد أخرى، بفضل حنكته في المجال التجاري، وقدرته على التواصل مع الزبناء الأوروبيين. لم يكن الحسين يفكر يوما في المستقبل وما يخفيه له من أحزان..أصيبت زوجته بسرطان في الرأس، وتدهورت حالتها الصحية بشكل متسارع.. كما أن مستلزمات التطبيب أصبحت تفرغ جيوبه قبل أن يحين موعد الأجرة المقبلة. أثناء زيارة خاطفة قمت بها قبل سنوات إلى المغرب، سألت عن الحسين، فقيل لي إن حاله يدمي القلوب؛ فبعد كل ما قدمه للشركة التي انتقل عدد عمالها من 100 إلى قرابة 2000 عامل بفضل مجهوداته، أصبح لا يجد مالا يصلح به سيارته المعطلة، وزوجته تصارع الموت، وليس لديه ما يشتري به الدواء. سألت عن صاحب الشركة، وابنه المدير العام، فقيل لي إنهما يطوفان حول الكعبة، ونسيا أن يصرفا الأجور، ونحن في اليوم ال13 من الشهر..نسيا أن يعطيا الحقوق لأصحابها، وقصدا البيت الحرام ليقضيا به عمرتهما "الألف". حال الحسين وزملائه في العمل حال عدد كبير من عمال قطاع النسيج والبناء في المغرب؛ فباستثناء عدد قليل من الشركات التي تلتزم بالقوانين والأعراف المنظمة للعمل، فالحال عند أخرى يدعو إلى التساؤل حول الجدوى من تخصيص الفاتح من ماي للاحتفال بالطبقة الشغيلة بالمغرب. عاد المعتمران، وتناثرت أخبار تفيد بأن رجل الأعمال وزع أظرفا مالية على الفقراء، بمحيط مكةالمكرمة، يحتوي كل ظرف منها على ما يعادل 6000 درهم، ولم يغفل أمرا مهما بالنسبة له، ألا وهو الأقدام على التوزيع على مرأى ومسمع المعتمرين المغاربة. لمثل هؤلاء، دبج أحدهم عبارة عرفت تداولا كبيرا على "فيسبوك"، تقول "أيها الطائفون حول الكعبة اهتموا بالفقراء حولكم تجدون الله". ومن المؤكد أن الملائكة على مثل هؤلاء ترد ب"لا لبيك ولا سعديك، حتى ترد ما عليك".. فإعطاء الحقوق لأهلها أوجب من التصدق على الفقراء. العزاء الوحيد لهؤلاء العمال هو أن شقيق مشغلهم لم يدفع أجورهم إلا في ال21 من الشهر بدلا من فاتح الشهر، في مناسبة سابقة، وهم متمسكون بالأمل، ويشعرون بأنهم أقل سوءا من جيرانهم، في الشركة المجاورة، التي اختار صاحبها استثمار أجورهم في قطاع العقار، بدلا من صرفها لهم في موعدها. وفي الأخير، لا يسعنا إلا أن نمني النفس بأن تجد وزارة التشغيل حلا للتظلم الذي يعيشه الألوف من العمال المغاربة، بسبب طغيان رجال أعمال يعيشون على قانون الغاب، نسجوه لأنفسهم تماشيا ما يخدم مصالحهم، دون الاكتراث بأحوال عمالهم، صانعي القيمة المضافة.