مجلس السلم والأمن.. المغرب يؤكد على ضرورة مواكبة البلدان التي تمر بمرحلة انتقال سياسي لتسريع عودتها إلى الاتحاد الإفريقي    إسبانيا تعزز موقعها كشريك تجاري أول للمغرب داخل الاتحاد الأوروبي    شركة صينية تفوز بصفقة لتوسيع الطريق السيار بين الرباط والدار البيضاء    "التسوية الطوعية" تَخفض حاجة البنوك إلى السيولة بداية عام 2025    مسيرة بطنجة تندد بحرب الإبادة    مسؤول بحماس: لم نغلق باب التفاوض    جامعة الكرة تصادق على تعديلات جديدة.. عقوبات لتخريب الفار وارتكاب الشغب    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمغرب    المغرب في مواجهة أزمة مائية متفاقمة: تقرير يسلط الضوء على التحديات والحلول المستقبلية    الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن: مشاورات غير رسمية مع الدول في مرحلة انتقالية سياسية    من اغتال كينيدي ؟ .. ترامب يكشف للعالم الحقيقة    حناجر مغربية ترفض تملص الكيان الإسرائيلي من اتفاق إطلاق النار بغزة    منتخب "الأسود" يواصل الاستعدادات    إعادة الإدماج بنون النسوة: حفل إفطار جماعي لنزيلات السجن المحلي العرائش 2    صندوق النقد الدولي يمنح المغرب 496 مليون دولار    جنيف : فاعلون صحراويون ينددون بالانتهاكات والقمع في مخيمات تندوف    صندوق النقد الدولي يوافق على منح المغرب 496 مليون دولار    فتح باب الترشح لرئاسة مجلس جماعة أصيلة بعد وفاة بن عيسى    العثور على رضيع ملفوف ومرمي بالقرب من مسجد في مدينة مريرت    إفطار جماعي واحتفاء بروح التضامن داخل السجن المحلي العرائش 2    مدن الشمال تتصدر مقاييس التساقطات المطرية خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الأربعاء    الإصابة تبعد كاسادو عن برشلونة لمدة شهرين    المنتخب الوطني يجري ثاني حصة تدريبية استعدادًا لمباراتي النيجر وتنزانيا (فيديو)    تعرف إلى أغلى 8 لاعبين في المنتخب المغربي … وضمنهم حكيمي … ودياز    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تكلف الحكم الدولي إسماعيل الفتح بتطوير التحكيم المغربي    ترويج مواد صيدلانية يجر ثلاثة أشخاص للاعتقال    الشرطة القضائية تفكك شبكة لسرقة سيارات كراء السيارات بمدينة البئر الجديد    يسار يشكر جمهوره بعد ليلة لا تُنسى في الدار البيضاء    برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى بطلة العالم في الملاكمة وداد برطال    "اليونيسف": إسرائيل تقتل أكبر عدد من أطفال غزة في يوم واحد خلال عام    بنك المغرب يطلق برنامجًا جديدًا لدعم تمويل المقاولات الصغيرة جدًا بسعر فائدة تفضيلي    الملك يهنئ البطلة وداد برطال بعد تتويجها ببطولة العالم للملاكمة    "دبلوماسية الطعام"    جائزة "مبدعات" تعود بدورتها الرابعة لدعم إبداعات النساء    حِكم حَلاجِية..    لوديي يستقبل الوزير المنتدب لدى رئاسة جمهورية الكاميرون المكلف بالدفاع    إسرائيل تغتال أبو حمزة ومصير أبو عبيدة لا يزال مجهولا    اليقظة الأمنية المغربية تفشل محاولة العسكر الجزائري في توظيف مرشح سابق للانتخابات الرئاسية .    الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن: عقد مشاورات غير رسمية مع البلدان التي تمر بمرحلة انتقال سياسي    عمرو خالد: جفاف القلوب أسوأ من شح الجيوب.. وهكذا يمتلئ خزان الحب    المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يعقد دورته السابعة غدا الأربعاء    دعما للبوليساريو .. الجزائر تراجع امتيازات منحتها لفرنسا قديما    أَكُلُّ هذا القتل من أجل تجويد شروط التفاوض؟    بورصة الدار البيضاء تعزز أرباحها عند الإغلاق    مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بذكراه الثلاثين ويكشف عن أعضاء لجنتي التحكيم    الذهب يبلغ ذروة جديدة مع تزايد التوتر بسبب غزة والرسوم الجمركية    التمني في زمن التفاهة.. بين الحلم والواقع    أيوب كريطع يتوج بجائزة أفضل أداء تمثيلي في مهرجان مونس السينمائي    اضطرابات النوم في رمضان: البحث عن التوازن بين الصيام والراحة    مختصون يناقشون راهن الشعر الأمازيغي بالريف في طاولة مستديرة بالناظور وهذا موعدها    "إفطار رمضاني" في العاصمة الرباط يُنوه بتوازن النموذج الحضاري المغربي    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    التوتر الأسري في رمضان: بين الضغوط المادية والإجهاد النفسي…أخصائية تقترح عبر "رسالة 24 "حلولا للتخفيف منه    الرياضة في كورنيش مرقالة خلال رمضان: بين النشاط البدني واللقاءات الاجتماعية    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معزوز: "سياسة لا وطنية" تتضخم .. و"رأسمال اجتماعي" يتهالك
نشر في هسبريس يوم 27 - 04 - 2017

يستنتج من مجمل ما هو مكتوب ورقيا، ومما هو منشور في الفضاء الأزرق، ومن تصريحات السياسيين القادة منهم و"الأتباع"، ومن العي (بتشديد الياء) الذي سكن النخبة المفكرة والمثقفة وارتخائها على أرائك المشاهدة من بعيد، ومن الهرج والمرج اللذين رافقا نتائج انتخابات السابع من أكتوبر الماضي، ومن "المتاهات الكافكاوية" التي حكمت مشاورات تشكيل الحكومة/الحكومتين، ومن تعليقات المناصرين والمعارضين لخلع رئيس الحكومة السابق، ومن غضب الذين لم يستوزروا، ومن كيفيات انكفاء الكل بعد هذا الضجيج إلى الهدوء، (يستنتج) أن السياسة في بلادنا ليست مريضة فقط، وليست رديئة فقط، وليست كلبية فقط، وإنما هي أفظع من هذا كله؛ لأنها أصبحت، بالشكل الذي هي عليه، "سياسة لا وطنية" تجهز بمنظوراتها البئيسة وبكائناتها الشيطانية على ما تبقى من هوية الفكرة التاريخية المنتصرة للتغيير والديمقراطية، ولأنها متآمرة تحكمها أجندة مصالح ضيقة "مؤسسية" أو ذاتية بمنظور ربحي، يغيب فيها أي منظور موضوعي لوضع أسس دولة مدنية ديمقراطية ومجتمع متحرر من كثير من أوهامه الثقافية و"السياسية" ونخب مستقلة قادرة على ممارسة النقد والنقد الذاتي ومهووسة بقيادة التغيير الحقيقي.
أصبحت هذه "السياسية اللاوطنية" مجالا واسعا تتقاسمه الأجنحة النافذة في الدولة والنخب السياسية والأكثرية الإعلامية والهيئات المدنية والحقوقية ورجال الإعلام وجحافل من المثقفين. مجال واسع لا يكف عن استقطاب كل من ترسخت لديه تلك القناعة الخاطئة التي استوطنت في الوعي واللاوعي، غير المعبر عنها علنا، بأن "هذا الشعب لا خير فيه"، "لا ذاكرة له"، و"لا يستحق التضحيات". وينتعش هذا المجال أكثر لمّا تتخفى هذه القناعات الخاطئة في الشعار الذي يناقض حقيقتها، أو بحملها لقناع المنافق؛ وذلك بالتحدث الاستهلاكي عن "مصلحة البلاد" و"التشبث بالثوابت" و"الاستقرار" و"الإصلاح" وغيرها من "التعابير الأفيونية".
التعاطي للسياسة وفق هذه القناعات والممارسات المتناقضة، ووفق منطق الحيلة والتحايل، وبأفق الحصول على السلطة لتسمين "الأنا" وإشباع لذة التملك والتموقع، لا يجعل من السياسة كابحًا للتنمية وتعطيلا لسيرورة التاريخ المفترض فقط، وإنما يدفع بالمجتمع إلى تحلل خلوي عميق، ينتهي بالتدمير الذاتي وتشظية توازناته الداخلية الضامنة لاستمراره الطبيعي. وبذلك سنكون أمام مجتمع عائم، فاقد لمناعته المكتسبة وتعوزه الضوابط والأسس. أو بتعبير روبير بوتنام (Robert Putnam) مجتمع بدون رأسمال اجتماعي (social capital).
إن الانحطاط الذي بلغته السياسة في المغرب، وساهمت فيه الدولة والمجتمع والنخب، هو الآن بصدد الإجهاز على رأس مال المجتمع الذي يفترض فيه تحقق المعنى الكلي المرتبط بصون "الشعور العالي" بالانتماء إلى الفكرة ذات الصلة بالهوية الموحدة (بكسر الحاء) وبالانغراس العميق للمعنى المتعدد للوطنية في الوجدان الجمعي والفردي.
إن التدبير السياسي، الموجه اليوم، بجعل الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني وكثيرا من الإعلاميين والمثقفين شكليات لزينة السلطة ومشتلا لترويض الشباب والنخب في أفق مأسسة الانتهازية، لا يعد انحرافا عن بداية المسار الديمقراطي في المغرب أو الاجتهاد في الاحتواء والتدجين السلبيين فقط، وإنما هو إفراغ وتجفيف تاريخي لمضمون الديمقراطية على أساس استبدال معنى الحرية المسؤولة بمعنى جديد للعبودية الناعمة التي تجعل من المجتمع كائنا أعمى يقبل بالسياسة كما هي مصنوعة أو مفروضة، وتُنصّب فيه أو عليه نخب مبتذلة، لا يشترط فيها إلا أن تكون محط ثقة الدولة وأداتها الطيعة، يطلق عليها "التكنوقراط" و"الزعماء" و"الوسطاء" و"رجال الدولة". هاجس التنصيب المتكرر لهذه "النخبة المصنوعة" هو الضبط "السياسوي للسياسة"، دونما أي اعتبار لما يترتب عنه من إفلاس الرأسمال الاجتماعي وإتلافه، ونسف الهوية الصلبة والوعي الاجتماعيين بحتمية الحرية والتغيير الضروري.
إن هدف تبديد "الرأسمال الاجتماعي" هو تخطيط مصنوع لتوطيد مختلف أشكال الحكم المتحيز إلى النرجسية وشرعنة الفرديات في مختلف مواقعها ومستوياتها. وإذا كان عَصب الرأسمال الاجتماعي يلخص في الثقة وتقوية العضوية الاجتماعية و"المشاركة المتضامنة"، فإن تبديد هذا الرأسمال وتدميره يعني، أخيرا، قتل معنى المجتمع والارتهان إلى الارتداد التاريخي عن الثلاثية المكونة للخصوصية المغربية الممثلة في: الفكرة الوطنية والقيم والثقافة، وهي ثلاثية مركزية توافق عليها المغاربة وترسخت في وجدانهم العام لقرون متعاقبة.
في هذه الحالة، تبقى علاقة السياسة بالمجتمع ليست علاقة بناء وتكامل لتوطيد دولة وطنية بمضمون اجتماعي ومجتمع حي ومسؤول بمضمون دولتي، وإنما علاقة مفارقات عجيبة نكون فيها أمام دولة فوقية بدون مجتمع، وأمام مجتمع بدون دولة. ومجمل هذه المفارقات المركبة والمعقدة تلخصها تلك المعادلة المكونة من طرفين متداخلين ومتناقضين، وهما طرف الامتناع السلبي والنكوص التاريخي وتضخم الفرديات والانتهازية الحزبية الممأسسة، وطرف الكراهية والتشكيك والتخريب والتطرف العنيف.
لا شك أن الانحرافات السياسية والانزلاقات التي تراكمت على نحو سريع في العقد الأخير قد سقطت في تسييس السياسة وفي استعمال الطموح الديمقراطي "كمشروع مجتمعي وطني" بلوعة جهنمية لابتلاع المسار التاريخي للمطلب الحقيقي للديمقراطية في المغرب؛ وذلك ابتداء من قصص وأحداث الاحتواء الكثيرة للنخب المعارضة، فضلا عن إضعاف الأحزاب الوطنية إلى درجة مسخها تسفيها للسياسة، في مقابل تصنيع "زعماء" بدون أية أسس، والنفخ في أسماء لا تتوفر على أية مصداقية سياسية أو علمية أو ثقافية أو اجتماعية، كما هو واضح مع بعض "المظليين" الذين سقطوا في حقل السياسة وهم يستعيرون لسانا من خشب وحركات بهلوان مبتدئ .
كشفت المعطيات الأخيرة، خاصة ما بعد انتخابات السابع من شهر أكتوبر، أن هذه القصص التي لم تنته بعد قد أنتجت من داخل جهات في الدولة وفِي الأحزاب وفِي المجتمع "سياسة لا وطنية" تنحو بقوة إلى الإجهاز الكلي على ما تبقى من الرأسمال الاجتماعي، وفِي طليعته رأسمال الثقة بمختلف أوزانه الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.
هل بقي للمجتمع المغربي متسع من المناعة حتى يحافظ على توازنه أمام تضخم "سياسة لا وطنية" هي في طور الإجهاز الكامل على رأسماله الاجتماعي؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.