يبدو أن علاقة سعد الدين العُثماني، رئيس الحكومة، بالمركزيات النقابية لن تكون جيدة، بالرغم من لغة التطمينات التي دشن بها الطرفان الولاية الحكومية الجديدة، حيث بدا واضحا أن عدم استشارة رئيس الحكومة للمسؤولين النقابيين قبل إعلان البرنامج الحكومي أغضبهم كثيرا. وعلمت هسبريس، من مصادر نقابية، بأن هناك حالة من الغليان داخل النقابات المركزية بسبب إعلان رئيس الحكومة ضمن برنامجه الحكومي من جانب واحد نيته تعديل مدونة الشغل والتي جاءت نتيجة للتوافق بين المركزيات وبين الحكومة منذ 12 سنة. ويرتقب أن يعقد رئيس الحكومة، اليوم الاثنين، أول لقاء له مع المركزيات الأكثر تمثيلية، بهدف وضع قواعد للحوار الاجتماعي والاستماع لمطالب النقابات، قبل المصادقة على البرنامج الحكومي من لدن البرلمان. وينص البرنامج الحكومي، الذي جرى عرضه على أنظار المؤسسة البرلمانية، على ضرورة "بلورة ميثاق اجتماعي يحدد التزامات مختلف الأطراف، بهدف تطوير العلاقات المهنية"، متعهدا خلال السنوات الخمس المقبلة بمأسسة الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية. وفِي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة أن مدونة الشغل حققت الحد الأمثل بين الفعالية الاقتصادية للمقاولة والحماية المكفولة لأجرائها، لكون مجمل مقتضياتها التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2004 كانت تدفع في هذا الاتجاه، سجلت أنه صار لزاما مساءلة المدونة على ضوء المستجدات الجديدة، توخيا لضمان فعاليتها وجدواها وراهنيتها وملاءمتها للواقع الوطني والدولي مشيرة إلى أن "تطبيق المدونة تكتنفه الكثير من الثغرات والتأويلات المتناقضة؛ وهو "ما يؤثر سلبا على الفعالية والوضوح الذي يجب أن يميز القواعد القانونية". في مقابل ذلك ترى النقابات أن مدونة الشغل متقدمة جدا، ويعود إليها الفضل في تحسين صورة المغرب في المحافل الدولية، معتبرة أن الحكومة في حال تعديل هذه المدونة بعيدة عن النقابات تسعى إلى وضع إطار جديد يسمح لأرباب العمل بالتنصل من مسؤولياتهم اتجاه الطبقة العاملة، عن طريق هضم حقوقها وتسهيل عمليات الطرد. وأعلن العُثماني، في برنامجه الحكومي، أن حكومته قررت "مراجعة مدونة الشغل عبر مقاربة تشاركية مندمجة لملاءمة مقتضياتها مع معايير العمل الدولية"، مؤكدا على ضرورة "تطوير تشريع الشغل لضمان العمل اللائق لكل الفئات، وتنافسية المقاولة الوطنية وتيسير ولوج الفئات الهشة لعالم الشغل". وشدد العُثماني على ضرورة مواكبة المهاجرين في وضعية قانونية من أجل تيسير إدماجهم المهني، معتبرا أن الحكومة ستتجه نحو إقرار القانون التنظيمي المتعلق بشروط وإجراءات ممارسة حق الإضراب، مع إعداد القانون المتعلق بالنقابات المهنية. من جهة أخرى، يسعى البرنامج الحكومي إلى إعداد إستراتيجية للنهوض بالصحة والسلامة المهنية تنفيذا لأحكام اتفاقية العمل الدولية رقم 282، وتقوية جهاز مفتشية الشغل والرفع من تغطية المراقبة للمؤسسات الخاضعة للتشريع الاجتماعي وتعزيز آليات تلك المراقبة وتوفير الموارد البشرية اللازمة تدريجيا، متعهدة بتطوير الشراكة مع جمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال حماية الفئات الهشة، ولا سيما في مجال محاربة تشغيل الأطفال والنهوض بحقوق المرأة في العمل.