رغم بعد المسافة الفاصلة بين الصين والمغرب، استطاع الرحالة المغربي ابن بطوطة خلال القرن 14 الميلادي أن يكون أول سفير مغربي لبلاد الصين الشعبية، ومكث هناك ثلاث سنوات، وأصبحت تلك الرحلة الشهيرة مقدمة لكل خطاب، يفتتح بها كل دبلوماسي أو مستثمر صيني زار المغرب، أو دبلوماسي مغربي زار الصين، و يبرهن من خلالها على قدم العلاقات الصينية المغربية. وخلال النصف الثاني من منتصف القرن العشرين فتحت السفارة الصينية أبوابها بالرباط سنة 1958 والسفارة المغربية ببكين سنة 1960، ثم بعد ذلك تطورت العلاقات بين البلدين، حيث قام ملك المغرب محمد السادس بزيارة رسمية للصين سنة 2002، وزار الرئيس الصيني هو جيناتو المغرب سنة 2006. ووقعت عدة اتفاقيات ثنائية بين البلدين مما جعل التعاون الاقتصادي بين البلدي يتطور بشكل ايجابي تهم عدة ميادين أهمها القطاع المالي، الصحي، الفلاحي، الصيد البحري والبنيات التحتية. ثم بعد ذالك تطور هذا التعاون ليشمل قطاعات أخرى أهمها : قطاع المواصلات والقطاع السياحي. وفي سنة 2015 وصل حجم المبادلات التجارية بين البلدين إلى 3.4 مليار دولار(1) ، وتحتل الصين المرتبة الثالثة في قائمة الشركاء التجاريين للمغرب بعد كل من فرنسا واسبانيا. في حين يعتبر المغرب الشريك التاسع بالنسبة للصين داخل القارة الإفريقية (2)، ويعتبر المغرب أول مستورد للشاي الصيني في العالم، وتوجد بالمغرب أكثر من 30 مقاولة صينية ساهمت في بناء الطرق السيارة والسدود والقناطر والاتصالات والنقل .كما تم توقيع عدة اتفاقيات توأمة بين المدن المغربية والمدن الصينية أهمها: الدارالبيضاء- شنغهاي، طنجة كينكداو، المحمدية-جيانكيان، فاس-وكسي، شفشاون-كونكمين و اكادير-هانكزو. وخلال سنة 2017 توج التعاون الصيني المغربي بتوقيع أضخم اتفاقية بين البلدين تهم إنشاء مدينة ذكية بطنجة خلال 10 سنوات من طرف مجموعة "هيتي الصينية" وتصل قيمة المشروع إلى 10 مليارات دولار(3)، ويهدف المشروع إلى إحداث قطب اقتصادي يضم إقامات سكنية، وأكثر من 200 مقاولة صينية تنشط في صناعة السيارات، وصناعة الطيران، وقطع غيار الطائرات، والإعلام الإلكتروني، والنسيج، وصناعة الآليات وصناعات أخرى. ومن خلال هذه السلسلة الثالثة والأخيرة من هذا الموضوع المتعلق بالتواجد الصيني بالقارة الإفريقية، سنقوم بالكشف عن ايجابيات وسلبيات الاقتصاد الصيني على الاقتصاد المغربي من جهة، ومن جهة أخرى سنحاول الوقوف على استشراف إمكانيات التعاون الاقتصادي بين البلدين. أولا: تأثير الاقتصاد الصيني على الاقتصاد المغربي تعتبر الصين المغرب واجهة أوروبية وإفريقية مهمة من أجل تحقيق امتدادها الاقتصادي، خصوصا وأنه أصبح يتوفر على بنيات تحتية هامة من أجل تحقيق ذلك، في نفس الوقت يرى المغرب في الاستثمارات الصينية فرصة لا تعوض من أجل إنعاش الاقتصاد الوطني وتشغيل يد محلية هامة ، وفي نفس الوقت يتخوف المغرب من الانتشار السريع للسلع الصينية لما لها من خطر على المواطنين نظرا لغياب الجودة ومعايير السلامة الصحية في بعض الأحيان. لا أحد سيجادل بأن الصين منذ التحاقها بالمنظمة العالمية للتجارة سنة 2001 حققت قفزة مهمة في كافة الميادين، واستطاعت أن تؤثر سواء بشكل ايجابي أو سلبي على اقتصاد الدول السائرة في طريق النمو بما فيها المغرب، إذن ما هي ايجابيات وسلبيات الاقتصاد الصيني على الاقتصاد المغربي؟ الإيجابيات التواجد الصيني بالمغرب له عدة ايجابيات نذكر منها: الاستثمارات الصينية بالمغرب ستسهم لا محالة في خلق فرص شغل إضافية، وبالتالي تقليص معدل البطالة بالمغرب؛ مما سيؤدي إلى ارتفاع القدرة الشرائية لهذه الفئة وانتعاش الدورة الاقتصادية، فمثلا تشييد المدينة الذكية بطنجة سيوفر 100 ألف منصب شغل منها 90 ألف منصب شغل بالنسبة لليد المحلية. انتعاش خزينة الدولة بفضل الضرائب التي ستؤديها المقاولات الصينية. السوق الصينية سوق ضخمة نظرا لكثافتها السكانية، وبالتالي يمكن للمغرب تصدير منتجاته الفلاحية لهذا البلد. التعامل مع الصين سينوع من شركاء المغرب الاقتصاديين مما سيؤدي إلى التنوع في العرض والطلب وبالتالي انخفاض أسعار السلع والخدمات بالنسبة للمستهلكين. السلبيات رغم تعدد ايجابيات التواجد الصيني بالمغرب إلا أن هذا الأخير لا يخلو من سلبيات أهمها: تتميز اليد العاملة الصينية بمهاراتها المرتفعة وتكلفتها المنخفضة ، وبالتالي اقتناع المقاولات الصينية باليد المحلية سيكون أمرا صعبا. الانتشار الواسع للسلع الصينية في المغرب سيؤدي لا محالة إلى انتشار الباعة المتجولين داخل الأزقة والأسواق الشعبية، مما سيعقد من مهمة السلطات المحلية في محاربة هذه الظاهرة. نعلم جيدا بأن قطاع النسيج المغربي يمتص نسبة كبيرة من اليد العاملة ويساهم بشكل لا بأس به في الميزان التجاري للبلاد، والمنتوجات الصينية تمتاز بتنافسيتها السوقية، مما سيؤثر بشكل سلبي على هذا القطاع الإستراتيجي بالنسبة للمغرب. عدم توفر السلامة الصحية والمعايير الدولية غائبة تماما عن المنتجات الصينية، خصوصا بعض الأحذية ولعب الأطفال، بالإضافة إلى بعض الأجهزة المنزلية مثل السخان المائي الذي تسبب في عدة وفيات بالمغرب. ثانيا: استشراف إمكانيات التعاون الثنائي بين الصين والمغرب من أجل تطوير العلاقات الصينية المغربية بشكل يرقى لطموح المغرب يجب تقوية التعاون في المجالات التقليدية مثل الصيد البحري، البنيات التحتية، السياحة والاتصالات من جهة، ومن جهة أخرى البحث عن مجالات جديدة للتعاون بين البلدين تتماشى مع التوجه الذي رسمه المغرب منذ سنوات مثل الطاقات المتجددة وقطاع الفوسفاط من أجل تطويره بشكل أفضل يتلاءم مع متطلبات السوق العالمية. تعزيز التعاون في المجالات التقليدية خلال هذه الفقرة سنتعرف على فرص المغرب مع الصين في مجالات الصيد البحري، الاتصالات والسياحة. الصيد البحري يعتبر قطاع الصيد البحري من أهم القطاعات الإستراتيجية في المملكة، ومن أجل تأهيل هذا القطاع الحيوي وتطويره ، وضع المغرب رؤية استراتيجية في حدود سنة 2020 أطلق عليها Halieutis من أجل الرقي بهذا القطاع وعصرنتة والتحسين من تنافسيته. ويعتبر الموقع الاستراتيجي للمغرب فرصة هامة بالنسبة للمستثمرين الصينيين في هذا المجال كما صرح بذلك أحد المسؤولين الصينيين: " سنشجع المقاولات الصينية للمشاركة في تنمية المغرب في مجالات الفلاحة، الصيد البحري......"(4). بالتعاون مع الصين في هذا المجال سيستفيد المغرب من التكنولوجية الصينية التي ستمكنه من الرفع من تنافسية منتجاته البحرية وتطويرها، عوض الاعتماد على الإتفاقيات الثنائية مع الإتحاد الأوروبي واليابان وكوريا وروسيا، و التي تستنزف خيرات البلاد البحرية ولا تدر الا بعض الملايين القليلة من العملة الصعبة. بالإضافة إلى ذلك يمكن للمغرب الاستفادة من السوق الصينية من أجل تصدير منتجاته البحرية المصنعة، مما سيزيد من ربحه مقارنة مع بيع الثروة البحرية قبل استخراجها. قطاع الإتصالات تتوفر الصين على مؤسسات رائدة في ميدان الاتصالات مثل ZTE و HUAWEIو Oppo Electronics واستطاعت الصين خلال فترة وجيزة أن تكون من الدول المتقدمة في هذا المجال، وتعتبر هذه الشركات شركاء هامين بالنسبة للفاعلين في قطاع الاتصالات بالمغرب. واستطاعت واستطاعت شركة ZTE سنة 2006 الظفر بصفقة من أجل تقوية وتأهيل شبكة الألياف الضوئية بالنسبة للمكتب الوطني للكهرباء ، كما استطاعت الشركات الصينية النشيطة في هذا المجال الحصول على عدة صفقات بالمغرب أهمها كهربة العالم القروي وتثبيت كاميرات المراقبة بعدة مدن مغربية ...الخ. وتتميز الشركات الصينية عن غيرها بتقديم منتجات ذات قيمة مشجعة وامتيازات إضافية، وقد صرح أحد المسؤولين بشركة ZTE السيد Cao Qiang " بأن السوق المغربية جد متطورة وتتيح فرص مهمة لشركتنا وستساهم في تطويره أكثر" (5). القطاع السياحي يعتبر القطاع السياحي من أهم القطاعات التي تجدب المستثمرين الأجانب، وتعتبر الصين من أقل الدول المستثمرة بهذا القطاع ببلادنا رغم التسهيلات و الفرص التي يقدمها للمستثمرين الأجانب، وقد حدد المسؤولون المغاربة استقطاب 20 مليون سائحا في حدود 2020، بالإضافة إلى ذالك وضع المغرب السوق الأسيوية في مخططاته الاستراتيجية خصوصا السوق الصينية واليابانية والكورية. وقد صرح بذلك المدير السابق للمكتب الوطني المغربي للسياحة السيد عبد الحميد ادو: " هذه الأسواق الثلاثة جد هامة بالنسبة للمغرب ، وبالخصوص السوق الصينية "(6). ولا يتجاوز عدد السياح القادمين إلى المغرب 10000 سائح في السنة، في حين وصل عدد السياح الصينيين في العالم إلى 60 مليون سائح سنة 2010 و انفقوا ما يزيد عن 48 مليار دولار خلال نفس السنة و قد يصل هذا العدد إلى 100 مليون سائح سنة 2020 (7). من خلال المعطيات السابقة يتوفر المغرب على مؤهلات هامة من أجل جلب المستثمرين والسياح الصينيين على السواء، فمثلا لو قام المغرب بمضاعفة جهوده التسويقية بالقطاع السياحي من خلال خلق المزيد من الوكالات السياحية بالصين وتعزيز المزيد من الخطوط الجوية بين مدن الصين والمغرب وتمكن فقط من جلب 1 بالمئة من مجموع السياح الصينيين خلال سنة 2020 آنذاك سيتمكن المغرب من جلب 10 ملايين سائح صيني، وفي انتظار تحقيق ذلك، يبقى التفاؤل قائم كما صرح بذلك السفير الصيني بالمغرب خلال تصريح لجريدة le Matin حيث قال :" أنا جد متفائل بالنسبة لمستقبل التعاون السياحي الصيني المغربي" (8). التعاون في القطاعات الجديدة خلال السنوات الأخيرة، أعطى المغرب انطلاقة مجموعة من المشاريع الكبرى في ميدان الطاقة النظيفة، والفلاحة وقطاع الفوسفاط ، وبما أن الصين تتوفر على تجارب هامة في هذه الميادين ، يمكنها تقديم دعم كبير للمغرب خلال السنوات القادمة . الطاقة المتجددة في إطار استراتيجيته الطاقية، يعطي المغرب أهمية قصوى لتطوير الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة، مستغلا أشعة الشمس على طول السنة، و بدون شك يعتبر قطاع الطاقات المتجددة بالمغرب محطة اهتمام المستثمرين الأجانب وعلى رأسهم المستثمرين الصينيين. وتسعى السلطات المغربية من خلال هذا التوجه إلى توفير 2000 ميغا وات بالنسبة للطاقة الشمسية و 200 ميغا وات بالنسبة للطاقة الريحية في أفق سنة 2020، وللوصول إلى هذا المبتغى يجب على المغرب رصد مبالغ ضخمة تصل إلى 9 مليارات دولار بالنسبة للطاقة الشمسية و6 مليارات دولار بالنسبة للطاقة الريحية. ولتحقيق هذه الأهداف، لابد من أشراك القطاع الخاص في هذه الأوراش ، وتتوفر الصين على شركات رائدة في هذا المجال مثل : China National Electric Engineering, Goldwind, Suntech, Sinovel, CHEC، ويمكن للمغرب الاستعانة بخبراتها الواسعة في هذا المجال، وكذالك الاستعانة بالمؤسسات البنكية الصينية من أجل تمويل هذه المشاريع الضخمة على المدى البعيد. القطاع الفلاحي التعاون الصيني المغربي في هذا القطاع له فرص نجاح جد مهمة، خصوصا وأن البلدين تجمعهما نفس الطموح والاهداف من أجل تطوير صادراتهما نحو دول القارة السمراء وتحقيق أمنهم الغذائي الداخلي، وقد اتفق البلدان سابقا فيما بينهم على تطوير التعاون الثنائي في ميادين زراعة الأرز، والري، وتحلية مياه البحر. حسب تقرير صدر للبنك الدولي بتاريخ 04 مارس 2013 فإن القطاع الفلاحي بالقارة الإفريقية سيخلق سوق تصل الى 1000 مليار دولار في حدود 2030 في حين لا يتجاوز حاليا 313 مليار دولار (9). كما صرح البنك الدولي بأن برنامج المغرب الأخضر يعتبر نموذجا يحتذى به بالنسبة لدول القارة الإفريقية. من خلال ما سبق يمكن للمغرب والصين العمل إلى جنبا الى جنب من أجل تطوير صادراتهم الفلاحية نحو القارة السمراء مستغلين تجربتهم داخلة القارة والفرص التي تتيحها السوق الإفريقية للمستثمرين المغاربة والصينيين على حد السواء.كما يمكن للمغرب استغلال علاقته مع الصين من أجل تصدير منتجاته الفلاحية للسوق الصينية الضخمة. الفوسفاط يمتلك المغرب ثلثي الثروة العالمية تقريبا من الفوسفاط (60 بالمائة من الاحتياط العالمي يمكن استغلالها على مدى 300 سنة )، في حين تعتبر الصين المصدر الأول لهذه المادة عالميا، وتتوفر على 500 منجم من هذه المادة (10). ويعتبر الفوسفاط مادة أساسية لا يمكن الإستغناء عنها فلاحيا وغذائيا وصناعيا، وقد صنفها البعض بأنها ستكون مستقبلا أهم من الثروة النفطية نظرا لتنوع مشتقاتها ودورها في تحقيق الأمن الغذائي العالمي. وقد عرف هذا القطاع تطورا كبيرا بالمغرب خلال السنوات الأخيرة بفضل سياسة العصرنة، واستخراج الأسمدة الكيماوية بالإضافة إلى عدة مشتقات أخرى، في حين تتوفر الصين على معدات واليات جد متطورة في هذا الميدان، وبالتالي يمكن للمغرب والصين خلق مقاولات مشتركة فيما بينهم من أجل تطوير هذا القطاع وتصدير الأسمدة المتطورة لبلدان القارة الإفريقية خصوصا وباقي بلدان العالم عموما. وسبق للمغرب أن وقع مع مؤسسة ديامونيوم فوسفات الصينية وهي تابعة لمجموعة groupe Sinochem Corporation، سنة 2011 اتفاقية تمتد لأربع سنوات تصدير 500.000 طن من الأسمدة الكيماوية . وأخيرا: بالأمس القريب كان المغرب سوق تقليدية لفرنسا واسبانيا بدون منازع، واليوم أصبحت الصين تفرض نفسها كبديل اقتصادي هام بالنسبة للمغرب في عدة مجالات، و يعتبر المغرب الصين شريكا مهما يمكن الاستفادة من خبراته ومؤهلاته المالية وكفاءاته البشرية، والتكنولوجية، في حين ترى الصين في المغرب شريكا اقتصاديا لا مثيل له نظرا للدور الهام الذي بدا يلعبه المغرب داخل المنطقة ، بالإضافة الى مؤهلاته الطبيعية والجغرافية الهامة و موقعه الاستراتيجي بين القارتين الإفريقية والأوروبية. وفي انتظار تطور العلاقات الصينية المغربية إلى ما هو أفضل يجب على المغرب خلال توقيعه على اتفاقيات مع الصين فرض بنود تجعله يستفيذ من تحويل الخبرات والتكنولوجيات الصينية الى المغرب في الميادين المعنية بموضوع الاتفاقيات. *باحث في العلوم الاقتصادية والدراسات الإسلامية