تعريف الشعبوية تعرف الشعبوية كإيديولوجية أو فلسفة سياسية أو استراتيجية خطابية تستخدم الديماغوجيا ودغدغة عواطف الجماهير لاستقطابها وتجييشها ضد الخصوم السياسيين، فيعتمد بعض السياسيين الشعبوية لكسب تأييد الناس والمجتمعات لما ينفذونه أو يعلنونه من السياسات، وللحفاظ على نسبة جماهيرية معينة تعطيهم مصداقية وشرعية، وعكس الشعبوية هو تقديم المعلومات والأرقام والبيانات العلمية واستعمال المنطق ومخاطبة عقل الناخب وليس عواطفه. وقد تجد الشعبوية متلقي لها في دول تعتبر من أرقى الدول سواء في أوروبا الغربية وحتى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، يمارسه اليمين المتطرف أو بعض السياسيين الذين قد يجدون في الخطابات القومية والعاطفية والعنصرية وسيلة فعالة لجلب أصوات الناخبين واستمالتهم، لكن بالنظر للاعلمية الخطاب الشعبوي والذي يتسم بدغدغة المشاعر واللعب على أوتار عواطف المتلقي فإن هذه الاستراتيجية السياسية تجد لها مرتعا أكثر ملائمة في البلدان ذات المستوى التعليمي المتدني، حيث يقوم السياسي الشعبوي بتعويض المنطق والتحليل العلميين بالمنطق المموه والسفسطة والتلاعب بالألفاظ والكلمات والنصوص والتفسيرات قصد طمس الحقائق وتوجيه عامة الجماهير الشعبية ذات التكوين الدراسي المنعدم أو البسيط نحو مبتغاه وإقناعه بما يريده. خطورة الشعبوية على المغرب بتصفح آخر المعطيات الرسمية التي ترصد المستوى التعليمي للمغاربة نجد أن حوالي 42% منهم لم يلجوا قط باب المدرسة الابتدائية، و28% منهم يتراوح مستواهم ما بين الأول ابتدائي والسادس منه، و14% منهم يتراوح هذا المستوى لديهم ما بين الأول ثانوي إعدادي والثالث منه، و10% منهم يتراوح مستواهم هذا ما بين الأولى ثانوي تأهيلي والسنة الأخيرة من الباكالوريا، في حين بالكاد تبلغ نسبة من وطأ منهم السنة الأولى من التعليم العالي 6%. هذه المعطيات تخص المغاربة البالغين من العمر 10 سنوات أو يزيد يوم الفاتح من شتنبر لسنة 2014، أما إذا تم الاقتصار على المغاربة الذين يبلغ سنهم 18 سنة أو أكثر، وهم نظريا المواطنين الذين يحق لهم التصويت والمشاركة في اختيار المجالس الجماعية والبرلمان والغرف المنتخبة وبصفة عامة المشاركة في الحياة السياسية، دون الأخذ بعين الاعتبار الأطفال الذين يتراوح عمرهم ما بين 10 و17 سنة والذين هم في مجملهم متمدرسون أو سبق لهم التمدرس، فإن هذه البنية التعليمية للمغاربة ستزداد تواضعا. من خلال هذه المعطيات يتضح جليا أن الواقع السوسيوثقافي العام في المغرب قد يشكل مرتعا خصبا للشعبوية، التي ستعمل لا محالة على تفاقم تخلف الوعي السياسي الجماعي بسبب تأطيرها السيء للمواطنين، مما سيفقد الديمقراطية في البلاد الغاية المتوخاة منها ألا وهي النهوض بالمصلحة العامة، فيكفي هنا أن نسجل وفقا للمعطيات التي تم سردها أن 42% من المغاربة الذين لم يسبق لهم أن ولجوا المدرسة و28% الذين يتراوح مستوى تعليمهم ما بين الأول ابتدائي والسادس منه يشكلون مجتمعين 70% من المغاربة، وهي أغلبية كافية لفرض خياراتها على الجميع كما تقتضيه قواعد الديمقراطية، ومما لا شك فيه أنها تشكل الأغلبية الأكثر عرضة للتجاوب مع الخطاب الشعبوي والانسياق معه وتصديقه، وهذا ما يطرح إشكالية وخطورة الممارسة الديمقراطية في المجتمعات ذات المستوى التعليمي المتدني. يتضح هنا أن المجتمع الديمقراطي لا يمكن أن يستقيم إذا كان هذا المجتمع ضعيف التكوين، وبما أن خيار الديمقراطية لا يمكن التراجع عنه لبناء دولة الحق والقانون وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتنمية البشرية المتقدمة، وبما أن عملية الرفع من المستوى التعليمي للمجتمع قد تتطلب عقودا من الزمن قبل بلوغ النتائج المتوخاة بسبب الطبيعة التربوية لهذه العملية، فريثما يتحقق ذلك لا بد من حماية الحياة السياسية من الشعبوية والخطاب الشعبوي حتى لا تجتمع هذه الأمة على ضلال وحتى لا يولى عليها كيفما كانت، وهي مهمة يجب أن تتولاها جميع القوى السياسية وخصوصا منها الأحزاب التي عليها أن تقدم قيادات ذات مستوى تعليمي وثقافي وخلقي عالي بخطاب سياسي علمي وراقي بعيدا عن الشعبوية للمساهمة الفعالة في تنوير المواطن والرفع من مستوى وعيه السياسي حتى يتسنى له اختيار الأصلح لما فيه الصالح العام. *مهندس إحصائي