رغم الحركة التنموية التي عرفتها مختلف مناطق إقليمورزازات في الفترة الأخيرة، إذ استفادت من بعض المشاريع ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي، التي غطت تجاعيد البؤس والشقاء التي لازمت سكان أكثر من منطقة بالنفوذ الترابي للإقليم منذ عقود، إلا أن الجماعة القروية امي نولاون، التي يصفها أكثر من مصدر بأفقر جماعة بإقليمورزازات، بقيت على حالها، فلازالت معاناة سكانها متواصلة، والذين يبدو أنهم يجدون صعوبة في التأقلم مع ظروف الحياة القاهرة وحياة "البداوة" التي لازمتهم منذ عقود من الزمن، أمام العديد من النقائص الكبيرة والمشاكل الجمة التي تطبع يومياتهم، في ظل غياب مشاريع تنموية، كالطرق، والمشاريع الرياضية والثقافية والصحية، وانتشار البطالة في أوساط الشباب، ما جعلهم يستنجدون بأعلى سلطة بالبلاد، للتدخل وانتشالهم من هذه الوضعية التي وصفوها ب"المزرية". الطريق.. حلم الساكنة الموؤود تتطلع ساكنة امي نولاون إلى معجزة تحدث حركة تنموية في مجالات مختلفة، ويأتي مجال تعبيد الطرق من بين أولوياتها المنتظرة، بهدف القضاء على عزلة الجماعة المذكورة والدواوير المكونة لها، وفتحها على العالم الخارجي، والمساهمة في تيسير حياة المواطنين اجتماعيا واقتصاديا؛ بالنظر إلى الصعوبات التي يعيشونها بسبب غياب طرق معبدة أو مسالك صالحة للاستعمال. وكشفت الساكنة القاطنة بمجموعة من الدواوير، ك"امزري واشباكن وتسكيولت وتغرزين"، أن جميع المسالك الطرقية الموجودة بالجماعة الترابية امي نولاون غير معبدة، وتتحول مع أولى قطرات الأمطار والتساقطات الثلجية إلى أوحال وبرك مائية، يصعب استعمالها، أو المرور فوقها مشيا على الأقدام، مذكرين بأن الطريق التي تم تعبيدها منذ سنتين، والرابطة بين دواري امزري واشباكن، والتي خصص لها غلاف مالي قدره حوالي مليار و800 مليون سنتيم، تآكلت جوانبها، وجرفتها السيول في مقاطع مختلفة، مشددين على ضرورة إيفاد لجنة وزارية للوقوف على مدى جودة الأشغال المنجزة والأسباب التي أدت إلى إتلاف الطريق التي لم تمر على إنجازها إلا سنتان. وأشارت "ن.ع"، الفاعلة بالجمعية النسائية للتنمية والبيئة، النشيطة بدوار اشباكن، إلى أن الجماعة تعاني العديد من إكراهات في مختلف المجالات، وذكرت أن الصحة والطرق والتعليم؛ فضلا عن شبكة الهاتف، من بين الضروريات الملحة التي تطالب جميع الدواوير الواقعة بالجماعة القروية امي نولاون بتوفيرها، لتسهيل عملية الولوج إلى الخدمات الأساسية والتواصل مع العالم الخارجي. في السياق ذاته تعرف الطرق الداخلية للدواوير حالة شيخوخة متقدمة تستدعي برنامجا استعجاليا لإعادة تهيئتها؛ فمعظمها المسالك شبه ترابية تنمو الحفر عليها كالفطر.. هذه الصورة أصبحت ملازمة ليوميات مواطني عدد من الدواوير، وزادت حدتها مع ضعف شبكة الهاتف، إذ تفتقر الجماعة إلى الشبكة الهاتفية لتسهيل عملية التواصل مع العالم الخارجي.. هؤلاء السكان الذين لم يجدوا من يأخذ بيدهم يعانون مرارة التهميش والإقصاء لضعف الهياكل والمرافق الشبابية؛ ناهيك عن غياب الأنشطة الثقافية. الصحة تحتاج إلى إنعاش تعرف الجماعة القروية امي نولاون جملة من الصعوبات وسوء المعيشة بفعل غياب مشاريع تنموية، وتهميشها عمليا في أكثر من مرة، رغم أنها تتميز بطابعها السياحي لتواجدها بين جبال الأطلس الصغير، وتعتبر من الجماعات التي لها مستقبل واعد في مجال السياحة، خصوصا الجبلية منها، في حالة استغلال الإمكانيات المتوفرة؛ فضلا عن تمسكها بالعادات والتقاليد وحفاظها على أصالتها. هسبريس، وفي جولة استطلاعية، سلطت الضوء على عدد من الدواوير المكونة لهذه الجماعة، وبعبارة أصح على المشاكل التي تتخبط فيها جماعة امي نولاون.. والزائر إلى هذه المنطقة لن يصدق أنه يتواجد بجماعة تابعة إداريا لمغرب 2017، حيث بقيت الطرقات بدون تعبيد، مع غياب مراكز صحية وسيارات إسعاف، وشبكة الهاتف، بالإضافة إلى مشاكل أخرى ذات بعد اجتماعي وفلاحي. زيارة خاطفة إلى "امي نولاون" تعري لا محالة وبدون أدنى صعوبة واقعا مريرا لساكنة تعيش في القرن الواحد والعشرين "عيشة" القرن الثامن عشر.. سكان يفتقدون أبسط الشروط الضرورية للاستمرار في الحياة، وأبسط مركز صحي وسيارة يتيمة للإسعاف، لتقدم لهم خدمات طبية وعلاجا أوليا. في هذا الإطار، قال فاعل جمعوي رفض كشف هويته، وينشط في جمعية امرسالن بدوار تمزريت نايت الحسن، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن "الوضع الصحي بالجماعة القروية امي نولاون يسير من السوء إلى الأسوأ"، بفعل غياب ما وصفه ب"إدارة حقيقية من قبل المسؤولين الإقليميين لوزارة الصحة بورزازات لإنصاف المنطقة المهشمة"، مشيرا إلى أن الساكنة "راسلت المندوبية الإقليميةبورزازات أكثر من مرة لحثها على ضرورة بناء مركز صحي وتوفير المعدات الأساسية والموارد البشرية، إلا أن رسائلهم الكثيرة دائما تلقى في سلة المهملات أو الأرشيف"، حسب تعبيره. كما اتهم المتحدث ذاته القائمين على قطاع الصحة بالإقليم بتقديم وعود وصفها ب"الكاذبة"، والممثلة في توفير أطباء وممرضين وبناء مركز صحي لتسهيل عملية التطبيب لفائدة المعوزين، محملا كامل المسؤولية للوزارة الوصية على القطاع في تهاونها وعدم تفاعلها مع مطالب الساكنة التي تهدد بالخروج في مسيرة إلى الرباط، "لإبلاغ أعلى سلطة بالبلاد بالمشاكل التي تحاول بعض الجهات التغاضي عنها"، وفق تعبيره. التعليم..ضبابية الوضع تزيد الأمر سوءا يعتبر قطاع التعليم ركيزة أساسية في بناء المجتمع، وتحقيق التنمية الشاملة، إلا أنه في جماعة امي نولاون لا يقل سوءا عن بقية القطاعات الأخرى، التي تئن وترزح تحت نير التهميش والإهمال، إذ إن جل المدارس الابتدائية المنتشرة عبر مختلف دواوير امي نولاون تعرف الاكتظاظ وانقطاعا متكررا عن الدراسة بسبب التساقطات الثلجية والأمطار التي تعرفها المنطقة كل فصل شتاء، فضلا عن الأقسام المهترئة التي تهدد حياة الأساتذة والتلاميذ على السواء، ما يزيد الأمر تعقيدا. جمعية الآباء للتنمية الشاملة بدوار امزري أشارت إلى أنها راسلت المسؤولين عن قطاع التعليم لإعادة تأهيل الأقسام وبناء أخرى للقضاء على الهدر المدرسي والاكتظاظ، مذكرة بأن التعليم بمنطقة امي نولاون بدون استثناء يحتضر بسبب ما سمته "الإهمال وإقصاء المنطقة من برامج تنموية وإستراتيجية واضحة لانتشالها من الوضع الحالي الذي يسير في اتجاه الأسوأ"، وفق تعبيرها. ودعت الجهة ذاتها المديرية الإقليمية للتربية والتعليم بورزازات إلى زيارة المنطقة، لإيجاد حلول جذرية للاكتظاظ الذي تعاني منه جل المدارس الابتدائية الموجودة بالجماعة؛ فضلا عن ضرورة توفير سيارات النقل المدرسي وتسجيل التلاميذ القادمين من البعيد في مؤسسات دار الطالب والطالبة، لحمايتهم من الهدر المدرسي. واستنادا إلى تصريحات بعض الشباب ممن تحدثوا إلى جريدة هسبريس الإلكترونية، فإن كل ركن من أركان الجماعة يئن في صمت، بعيدا عن أعين المسؤولين، خاصة أن المنطقة تفتقر إلى العديد من المرافق العمومية؛ ناهيك عن البطالة التي نخرت أجساد الشباب الذين يجهلون مصائرهم، ليبقوا في قوقعة وبيئة منعزلة، لغياب الوعي وارتفاع نسب الهدر المدرسي بها. الجماعة..نحن نشتغل وفق ما هو متاح ومن جهته، لم يخف محمد باعدي، رئيس جماعة "إمي نولاون"، أن "ما يمكن أن يقوم به المجلس في ظل ضعف ميزانية الجماعة هو المرافعة من أجل فك العزلة"، مؤكدا أنه "لا يمكن للجماعة أن تقوم بتعبيد طريق تكلف 3 ملايير وميزانيتها هزيلة"، ومشيرا إلى أن المجلس الجماعي الذي يترأسه منذ سنة 2015 يشتغل بشكل مستمر على بلورة تصورات وأفكار مشاريع لفك العزلة عن الدواوير الواقعة بنفوذه، مذكرا بأن الجماعة قامت ببرمجة اقتناء جرافة "jcb" في إطار اتفاقية شراكة مع الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان. وأضاف رئيس الجماعة ذاته: "قمنا بعدة مرافعات.. وقريبا سيتم الدخول في شراكات من أجل تمويل مشاريع تعبيد الطرق. وسنطلق قريبا دراسة تقنية لمختلف الطرق القروية"، وزاد أن الطريق التي تعرف انقطاعا متكررا هي الرابطة بين "امي نغوردا" و"امزري"، وأن المجلس الجماعي تلقى إشارات إيجابية، "إذ تمت برمجتها في إطار برنامج الطرق القروية بجهة درعة تافيلالت"، وفق تعبيره. وبخصوص قطاع الصحة، أكد باعدي في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية أن الجماعة تعرف نقصا حادا في الأطر الطبية، قائلا: "لا يعقل أن الجماعة لا تتوفر حاليا على طبيب منذ أكثر من 5 سنوات وتقدر ساكنتها ب22 ألفا". المتحدث ذاته أضاف أن الجماعة راسلت مندوب الصحة بورزازات في هذا الأمر، غير أنه يتحجج في جوابه بأن هناك نقصا حادا في الموارد البشرية بالإقليم ككل، وأن "البوسط ديال الطبيبة كاين ولكن حتى واحد مكيبغيش يعمروا في الحركة"، على حد تعبير رئيس الجماعة، الذي أضاف أن الأطر الطبية لا ترغب في العمل بمستوصف الجماعة بسبب العزلة والبعد. وأشار رئيس المجلس الجماعي ل"إمي نولاون" إلى أن الجماعة تتوفر على سيارتي إسعاف، وأن هناك اتفاقية شراكة مع مندوبية الصحة لتزويد المركز الصحي المتواجد ب"بورمان" بسيارة إسعاف أخرى، وأن الجماعة ستتكلف بالسائق وتعويضاته. وحول قطاع التعليم، أبرز محمد باعدي أن الجماعة تتوفر فقط على ملحقة لإعدادية ب"بورمان" تابعة للإعدادية المتواجدة بجماعة "توندوت"، وتبذل مجهوداتها من أجل تأهيل هذه الملحقة حتى تصبح إعدادية مستقلة، مضيفا أن المجلس يدعم النقل المدرسي بمنحة 180 ألف درهم، ويدعم مؤسسة دار الطالب والطالبة ب 300 ألف درهم، وزاد: "تمت برمجة توسيعها بإضافة 80 سريرا ب 176 مليون سنتيم.. والأشغال ستنطلق هذا العام".