يشكل حلول فصل الشتاء، مصدر قلق العديد من ساكنة دواوير الجماعة القروية "إمي نولاون"، التابعة لإقليمورزازات، حيث تكون عشرات الأسر هناك معرّضة في أية لحظة للعزلة التي تفرضها عليها التساقطات المطرية والثلجية، ليبدأ مسلسل من المعاناة ألفته الساكنة، وأصبح لزاما عليها أن تتأقلم معه في ظل غياب برنامج تنموي يمكن أن ينتشل تلك المناطق من تلك العزلة. كثيرا ما يتكرر القول بخصوص جماعة "إمي نولاون" في كل فصل شتاء على أنها منطقة منكوبة نظرا للأوضاع المعيشية المزرية التي يتخبط فيها أزيد من 22 ألف نسمة من قاطني هذه الجماعة النائية الواقعة على مرتفعات الأطلس الكبير الفاصلة بين دمنات وورزازات، حيث يعاني المواطنون هناك من نقائص بالجملة على كل الأصعدة أرهقت كاهل السكان، وزرعت في نفوسهم إحساسا بالحُكرة والتهميش، بالإضافة إلى الفقر المدقع الجاثم على قاطني هذه المنطقة التي تضم أزيد من 27 دوارا، ناهيك عن قسوة الظروف الطبيعية لأن تضاريس الجماعة يغلب عليها الطابع الجبلي. أغلب من تواصلت معهم جريدة "العمق" من ساكنة المنطقة، أجمعوا على أن سقف مطالبهم لا يتعدى مجموعة من الحاجيات التي تعد من ضروريات العيش الكريم، طرق معبدة تربطهم بمداشرهم وتخفف عنهم العزلة في فصل الشتاء، ومستوصف وطبيب يداوي أمراضهم وممرضة تساعد نساءهم على تتبع ووضع حملهن، وكل ذلك سيُقيهم عناء التنقل لمسافات طويلة إلى ورزازات أو مراكش، كما يعتبرون توفير مؤسسات تعليمية تنتشل أبناءهم من الأمية مطلبا ضروريا وبديهيا في سنة 2017. "تيزي نولاون" والثلوج تعمق من العزلة البنية الطرقية الهشة تظل محور معاناة سكان دواوير جماعة "إمي نولاون" والتي تتكرّر مع كل موسم تساقطات، إذ يجدون صعوبات في التنقل، ويظلون حبيسي قراهم المعزولة، إلى حين فتح طريق "تيزي نولاون" التي تغلقها الثلوج، والتي قد يطول فتحها، حيث يعتبر عبورها وقت الثلوج ضربا من المغامرة، وهو ما يعمق من معاناة الساكنة، التي تطالب بضرورة تقوية البنية الطرقية للجماعة وتعبيد مجموعة من الطرق الثانوية التي تربط الدواوير بمركز الجماعة. وفي هذا الصدد، قال الفاعل الجمعوي، عبد السلام وخلفن، في تصريح لجريدة "العمق" إن منطقة "إمي نولاون" في عزلة شبه تامة عن عالمها الخارجي بسبب وعورة تضاريسها الجبلية وغياب مسالك طرقية تسهل تنقل السكان، خاصة المرضى والنساء الحوامل اللواتي يتجرعن معاناة أكثر بسبب غياب مراكز صحية قريبة من دواويرهن. وتتضاعف هذه المعاناة، حسب "وخلفن"، خلال فصل الشتاء حين تتهاطل الأمطار والثلوج، حيث تتحول هذه المسالك المتربة إلى أوحال يصعب على الساكنة المرور فوقها مشيا على الأقدام فما بالك بالسيارات في حين تفرض فيضانات الأودية إقامات جبرية على قاطني بعض الدواوير في منازلهم لعدة أيام نتيجة غياب القناطر التي من شأنها أن تخفف عن الساكنة معاناتها مع البنية الطرقية الهشة كالطريق المؤدية إلى دوار "تغزرين" فكلما سقطت قطرات المطر إلا وتحول هذا المسلك إلى برك مائية ووحل، وهذا الوضع يدفع العديد من قاطني هذه المنطقة إلى الهجرة نحو المدن الكبيرة، على حد تعبير المتحدث. وأضاف الفاعل الجمعوي، أن "دوار أيت زولي، الواقع بالضفة الأخرى للوادي الذي أصبح يهدد أرواحنا وحياة أطفالنا وممتلكاتنا ويفرض علينا إقامات جبرية في منازلنا لأيام وأسابيع في كل شتاء ماطر ويحرم أبناءنا من الدراسة..بفعل وجود مؤسساتهم التعليمية في الضفة الأخرى للوداي". ومن جهته، أكد محمد الهموري، وهو فاعل جمعوي بدوار "اشباكن" أن دواوير "أمزري"، "إشباكن"، "تاسكايولت" و"تساوت" و"تاكزيرت" والتي توجد على الحدود بين إقليميأزيلالوورزازات، تعاني عزلة تامة، عند تساقط الثلوج، حيث أشار قائلا: "طريق تيزي نولان بمجرد يطيح شوية د الثلج كتقطع وهاد الدواوير أصعب الدواوير لي كتعيش العذاب حيث هما أبعد نقطة في الجماعة". وأضاف الهموري، أن تلك الدواوير قريبة من أزيلال حيث تبعد عن جماعة "تامليل" التابعة لنفوذ إقليمأزيلال ب 6 كيلومترات فقط، داعيا المسؤولين إلى تعبيد طريق "أيت علي ويطو" التي تربطهم بأزيلال والتي ستُساهم في فك العزلة على 8 آلاف نسمة وهو عدد سكان الدواوير الخمسة. وأوضح المتحدث ذاته، أنه غادر دوار "إشباكن" منذ نهاية الأسبوع المنصرم في اتجاه مدينة ورزازات من أجل شحن بطاقات عدادات الكهرباء لعشرات الأسر تفاديا لانقطاع الكهرباء عنهم، وبسبب كثافة الثلوج اضطر لقطع المسالك مشيا على الأقدام لأزيد من ثمان ساعات للوصول إلى مركز سكورة. بنية صحية ووضع صحي هش جماعة "إمي نولان" التي تضم أزيد من 27 دوار تعداد ساكنتها يبلغ 22 ألف نسمة لا تتوفر إلا على مستوصف صغير، لا يقدم إلا خدمات التلقيح بالنسبة للرضع، حسب ما استقته الجريدة من ساكنة المنطقة، فيما تضطر ساكنة بعض الدواوير البعيدة إلى التنقل لمسافة 27 كلم في طريق غير معبدة للوصول إلى المستوصف الذي لا يتوفر لا على طبيب ولا دواء، وفي الغالب يتم توجيههم إلى مركز "توندوت" ومن هناك إلى مستشفى "سيدي احساين" بورزازات. وأكد أحد ساكنة المنطقة، والذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن "مستوصف بورمان لا ينفع لشيء" حيث إنه لا يقدم أي خدمات لساكنة المنطقة، مضيفا أنه يتم تحويل المرضى إلى مستوصف "توندوت" وإن كانت الحالة خطيرة فيتم حملها على سيارة إسعاف الجماعة لمسافة طويلة ووسط تضاريس وعرة قد تؤثر سلبا على المريض وقد تتسبب في وفاته أو تأزيم حالته. واستغرب الفاعل الجمعوي، محمد الهموري في تصريح مماثل، من عدم استفادت جماعة "إمي نولان" من القوافل الطبية التي يتم تنظيمها خلال فصل الشتاء، خصوصا المستشفيات الميدانية التي تستفيد منها ساكنة "أنفكو" أو "املشيل" في حين أن معاناة دواوير الجماعة أكبر بكثير من تلك المناطق، مشيرا في ذات التصريح، أنهم لم يسبق أن استفادوا من أية مساعدات تضامنية. وأشار الهموري، إلى أن الأسبوع الماضي تدخل فريق طبي من ورزازات لنقل سيدة حامل بواسطة مروحية للقوات المسلحة الملكية بعد وضعها لتوأمين، حيث تم نقلها إلى مستشفى سيدي احساين بورزازات، مضيفا أنه لو تم نقل السيدة الحامل بواسطة سيارة الإسعاف لتوفيت في الطريق بسبب محاصرة الثلوج للمنطقة وانقطاع الطريق على مستوى "تيزي نولاون". وقال مواطن آخر ينتمي لدوار "أمزري" إن المنطقة لا تتوفر إلا على سيارتين للإسعاف تابعتين للجماعة، مشيرا إلى أن شساعة الجماعة التي تضم أزيد من 27 دوارا يتطلب توفير سيارات إسعاف أخرى. أطفال إمي نولاون .. هدر مدرسي يجهض مستقبلهم قطاع التعليم لا يقل سوءا عن بقية القطاعات الأخرى، فإضافة إلى ما تعانيه جل المدارس الابتدائية بالمنطقة من اكتظاظ وانقطاعات متكررة عن الدراسة بسبب الثلوج أو الأمطار، يزداد الأمر تعقيدا بسبب الأقسام المهترئة التي تهدد حياة الأساتذة والتلاميذ على السواء. أغلب تلاميذ المنطقة، ممن ينهون دراستهم الابتدائية، ينقطعون عن الدراسة بسبب بعد الإعدادية عن دواويرهم بأكثر من 35 كلم والتي لا يصلون إليها إلا عبر مسالك وعرة وغير معبدة تفصلهم عن الملحقة الإعدادية المتواجدة بمنطقة "بورمان"، وكذا بسبب انعدام سيارات للنقل المدرسي. "التلاميذ لي كيوصلو السابعة كيمشيو إما إلى "تاركا" ولا "بورمان" ولا "توندوت"، لي ميسر عليه الله راه كيصيفط ولادو يقراو واخا بعيد الحال، لي معندوش راه كيصيفطهوم اسرحو الغنم" يقول أحد ساكنة المنطقة الذي أضاف أن الإناث يمنع عليهن متابعة دراستهن بعد الابتدائي بسبب خوف أسرهن عليهن من أن يتعرضن للاغتصاب أو الإعتداء وذلك راجع بالدرجة الأولى للطابع المحافظ للأسر واعتبارهم أيضا الفتاة مشروع زوجة في أقرب فرصة لذلك مما يفسر انتشار زواج القاصرات بالمنطقة وذلك موضوع آخر. ومن جهته، أوضح أحد ساكنة منطقة "أمزري" أن الفرعيات المدرسية بخمس دواوير فقط يدرس بها أزيد من 950 تلميذ وتلميذة، مشددا على ضرورة بناء إعدادية مستقلة عن إعدادية "توندوت" وأن تكون قريبة من دواويهم حتى يتمكن أبنائهم من مواصلة دراستهم. وأشار المتحد ذاته، أن الملحقة الاعدادية ب "بورمان" تتوفر على دار للطالب والطالبة تضم 80 سريرا فقط ولا يلتحق بها إلا أبناء الأسر الميسورة، في حين أن أبناء الفقراء يضطرون للانقطاع عن الدراسة وامتهان الفلاحة ورعي الأغنام، أو السفر خارج البلدة للعمل في حفر الآبار أو في حرفة الجبس. انعدام "الريزو" يعمق العزلة هنا بدواوير "إمي نولان" مازالت الحياة بطيئة، وكل وسائل الحياة والاتصال بالعالم الخارجي شبه منعدمة، حتى شبكة الاتصالات التي عادة ما تكون رابطا بين الأماكن والأشخاص هنا شبه منعدمة وتحتاج لجهد كبير كي تتمكن من رصدها، وهي أمنية لا تتحقق لك دائما. منذ أسبوع والجريدة تحاول الاتصال بالفاعل الجمعوي محمد الهموري، الذي ينحدر من دوار "إشباكن" وهو أبعد دوار بالجماعة، ولم يتيسر لنا الاتصال بالهموري، حتى قصد هذا الشاب ذو الثلاثين سنة الجبل المحاذي لدوارهم مشيا على الأقدام لمسافة كيلومتر، من أجل أن نتصل به ويحكي لنا مشاكل المنطقة وما تعانيه الساكنة. وأوضح الهموري، أن ساكنة دوار "اشباكن" لا تتوفر على شبكة الاتصال "الريزو" وأنه وجه بصفته رئيسا لجمعية بالدوار، عدة شكايات لعمالة إقليمورزازات وللمدير الإقليمي والجهوي لاتصالات المغرب دون أن يتلقى أي رد منهم، ليظل تسلق الجبل من أجل إجراء مكالمة هاتفية هو الخيار الوحيد للتواصل مع أقاربهم خارج البلدة. رئيس الجماعة يوضح ومن جهته، أكد محمد باعدي، رئيس جماعة "إمي نولاون"، في تصريح لجريدة "العمق"، أن المجلس دائم التفكير في فك العزلة عن دواوير الجماعة، حيث قام مؤخرا بإصلاح جرافة يتم الاستعانة بها فتح الطرق وكذا تمت برمجة اقتناء جرافة JCB في إطار اتفاقية شراكة مع وكالة الأونروا. وأكد باعدي، أن ما يمكن أن يقوم به المجلس في ظل ضعف ميزانية الجماعة، هو المرافعة من أجل فك العزلة، مؤكدا أنه لا يمكن للجماعة أن تقوم بتعبيد طريق تكلف 3 ملايير وميزانيتها هزيلة. وأضاف رئيس الجماعة قائلا:"قمنا بعدة مرافعات وقريبا سيتم الدخول في شراكات من أجل تمويل مشاريع تعبيد الطرق" وأن الجماعة ستطلق قريبا دراسة تقنية لمختلف الطرق القروية، مضيفا أن الطريق التي تعرف انقطاعا متكررا هي الطريق الرابط بين "امي نغوردا" و"امزري" وأن المجلس الجماعي تلقى إشارات إيجابية حيث تمت برمجتها في إطار برنامج الطرق القروية بجهة درعة تافيلالت. وبخصوص قطاع الصحة، أكد باعدي في تصريح للجريدة، أن الجماعة تعرف نقصا حادا في الأطر الطبية، حيث أشار قائلا "لا يعقل أن الجماعة لا تتوفر حاليا على طبيب منذ أكثر من 5 سنوات وتقدر ساكنتها ب 22 ألف". المتحدث ذاته، أضاف أن الجماعة راسلت مندوب الصحة بورزازات في هذا الأمر، غير أنه يتحجج في جوابه على أن هناك نقصا حادا في الموارد البشرية بالإقليم ككل، وأن "البوسط ديال الطبيبة كاين ولكن حتى واحد مكيبغيش يعمروا في الحركة"، على حد تعبير رئيس الجماعة، الذي أضاف أن الأطر الطبية لا ترغب في العمل بمستوصف الجماعة بسبب العزلة والبعد. وأشار رئيس المجلس الجماعي ل"إمي نولاون" أن الجماعة تتوفر على سيارتي إسعاف، وأن هناك اتفاقية شراكة مع مندوبية الصحة لتزويد المركز الصحي المتواجد ب"بورمان" بسيارة إسعاف أخرى وأن الجماعة ستتكلف بالسائق وتعويضاته. وحول قطاع التعليم، أبرز محمد باعدي، أن الجماعة تتوفر فقط على ملحقة لإعدادية ب"بورمان تابعة للإعدادية المتواجدة بجماعة "توندوت" وأن الجماعة تبدل مجهوداتها من أجل تأهيل هذه الملحقة حتى تصبح إعدادية مستقلة، مضيفا أن المجلس يدعم النقل المدرسي بمنحة 180 ألف درهم ويدعم مؤسسة دار الطالب والطالبة ب 300 ألف درهم وتمت برمجة توسيعها بإضافة 80 سريرا ب 176 مليون سنتيم والأشغال ستنطلق هذا العام، حسب تعبير رئيس الجماعة.