ينتابني شعور غريب وأنا أشاهد الأحداث التي توالت على المغرب في الأسابيع القليلة الماضية، وأحس بأن العجلة التي يقال لنا بأنها مازالت منفوخة قد انتهت نهاية مأساوية وتمزقت أشلاؤها، ما يعني أن مسيرة البلاد قد توقفت، أهالي صفرو لم يطيقوا ما حل بهم من أوضاع مزرية فخرجوا إلى الشارع معلنين أنهم غير مستعدين لترديد الكلام المعسل والقول أمام الكاميرات المنافقة للقنوات العمومية أن العام زين وكل شيء على ما يرام، إن صفروا قالت لكل المغاربة بأن الصورة التي يروجها الإعلام الرسمي وأبواقه البارعة في الكذب والديماغوجية، ليست هي الصورة الموجودة على أرض الواقع، وشتان بين كلام كله عسل وحلاوة، وحقيقة مرة وكريهة، تفرض نفسها رغم كل المحاولات لفعل عكس ذلك، إن تحرك سكان صفرو هو بمثابة إنذار أخير لكل المسؤولين الذين ألفوا استغفالنا، والتحرك يقول بأننا فهمنا اللعبة، ولن تنطلي علينا الحيلة مرة أخرى ، لكن الحيلة انطلت علينا من جديد، فقد جاء عباس الفاسي الرجل العليل ليرأس الحكومة، ويداه ملطختان بمعاناة ضحايا النجاة، والذين انتحر أربعة منهم، فكم هي الصورة غريبة أن يكون رجل يطالبه ضحاياه إلى المحكمة على رأس حكومة ستقود البلاد طيلة خمس سنوات، إنها المهزلة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وكأن لسان حال عباس يقول لشعب المغربي بأنني انتهيت من تسويد مستقبل 34 ألف نسمة ورميت الكثير منهم لقمة سائغة لأسماك القرش الجائعة في البحر المتوسط، وقد حصلت على الترقية لكي أقوم بعملية صلة للرحم بين العائلات وأبنائها ولذلك قررت أن أتحكم في رقاب جميع المغاربة، وأرسم لهم مستقبلا كله شوك وشك وريبة فيما سيأتي من الزمن، فعلا إن عباس وفريقه الحكومي سيعملون جاهدين على إرضائنا بلكمات وهراوات البوليس، وتكميم أفواه كل من سيقول اللهم إن هذا منكر، غبي من ينتظر من عباس أن يصقل سيفه ويهب للدفاع عن كرامة المواطن في هذا الوطن، وكأني به ذلك الرجل الذي ورد في القصة وهو يجيد فقط صقل سيفه دون أن يستعمله حتى ولو بلغ به الأمر على أن ينتهك شرفه أو تمس مقدساته. "" حقيقة إن البلاد في مهب المعركة، فالمغرب في هذه الأيام يعيش أسوأ حالة سياسية في تاريخه، فلم تعد هناك أحزاب حقيقة تمارس دورها كمؤسسات تتدعي أنها مع القواعد ومع هموم الشعب، فالانتخابات الماضية بينت بالواضح الجلي أن الأحزاب السياسة أو لنقل غالبيتها العظمى هي مجرد دكاكين لبيع التزكيات ونفخ أرصدة السادة الزعماء الذين يغتنمون الفرصة للزيادة في ثرواتهم، والشعب ليذهب إلى الجحيم، كما أصبح جليا للجميع بأن هذه الأحزاب لا تضع مصلحة البلاد في أي اعتبار، بل تجعل مصلحتها الذاتية أقدس شيء تدافع عنه، لذلك لا تستغرب أن نجد وزيرا في حكومة ما يشغل حقيبة معينة، لتأتي حكومة أخرى ويشغل فيها نفس الشخص منصبا يخالف تماما المنصب الأول، فالرجل لديه وزن سياسي ولا يهم الوزارة التي يشرف عليها، هذه الأشياء وغيرها تجعلنا نكرس التخلف الذي نعيشه، ونرى وزاراتنا تحتضر وتموت ببطئ لتنتهي بإسم جديد وأشخاص جدد لا يهم إن كانوا يفهمون في تسييرها وأساسيتها شيئا. إن الطريقة التي تشكلت بها حكومة عباس توضح للمغاربة أن القرار ليس بيدهم سواء ذهبوا إلى صناديق الاقتراع بكثافة أو بقلة، فالحكومة تشكلت من أحزاب سياسية قليلة جدا، وثلثها تقريبا من وزراء لا يربطهم بالأحزاب إلا الخير والإحسان، أما طريقة توزيع المناصب والحقائب فيها فهي تنم عن نفس إرضائي وتطميني لأطراف معينة، وهو ما قد ينتج عنه عزوف سياسي أكبر في المستقبل، وغضب أكبر من طرف فئات المجتمع المحرومة التي تتوق إلى تحسن وضعيتها، وإخراجها من حالة اليأس والضياع التي تعيشها منذ عقود عديدة، لكن يبدو أن الأفق قاتم والوضع يزداد تأزما خاصة مع المعطيات الاقتصادية الدولية التي تساهم هي أيضا بشكل أو بأخر في تأزيم الوضع وتشديد الخناق على رقاب الطبقات الفقيرة، وهو ليس خطأ الوضع الدولي أو الحالة الاقتصادية الراهنة، ولكن الخطأ الأكبر هو الذي ارتكبه المسؤولون على اقتصاد هذه البلاد، فهم لم يعملوا على تمتين الاقتصاد الوطني أمام المتغيرات التي قد تقع بين فينة وأخرى، أناس أجادوا فقط لغة واحدة هي بيع المزيد من شركات الوطنية للخواص، واقتراض مبالغ مالية خيالية لا يمكن إرجاعها في المدى المتوسط ولا البعيد، هذه الديون التي ستجثم على قلوب المغاربة زمنا طويلا، وستزيد من همومهم ومشاكلهم النفسية الكثيرة أصلا، وحتى إذا حاولوا أن يتكلموا يوما عن حقوقهم ويفكرون بصوت عال ومسموع سيأتي إليهم من يقسم ظهورهم ويكمم أفواههم، ويتهمم بمحاولة زرع الفتنة والمس بالأمن العام، وما إلى ذلك من التهم التي تكون معدة لمثل هؤلاء الذين لا يريدون ترديد مقولة العام زين والسير في موكب المطبلين والمصفقين والشطاحة إنني أرى كل هذه المعارك التي يقال لنا أن المغرب يخوضها بعزم وتفان وإيمان بان الغد سيكون أفضل من اليوم، هي مجرد خطابات لا يتحقق فيها شيء على أرض الواقع، إذا بقيت آليات العمل هي نفسها وبقيت طرق الاشتغال هي عينها. إن مشكلة المغرب الحقيقية،ومعركته الكبرى هي في محو أميته المستفحلة، والقضاء على فقر أبنائه المدقع، وإصلاح قلبه النابض وجوهر نهضة الأمة "التعليم"، فما دام الاهتمام يبقى منصبا على الأمور المظهرية والبهرجة الإعلامية فستبقى الأحوال كما هي، ولن نغادر المربع الأول حتى نعود إليه من جديد، وتبقى الأساسيات معلقة حتى تتدخل قوة من السماء أومن البحر أو حتى ربما من الجبال، لترجع الناس إلى رشدهم وتقول لهم ما قاله الأمازيغي قديما "أترزأ ولا تكنا" أن تنكسر ولا تنحني . مولاي محمد إسماعيلي