أكد "إيريك آلت" نائب رئيس جمعية "أنتيكور" الفرنسية لمحاربة الرشوة، في حوار خاص بجريدة هسبريس، على وجود تناقض بين ممتلكات المرشح للانتخابات الرئاسية بفرنسا إيمانويل ماكرون المُصرّح بها، وبين موارده المالية الحقيقية، مطالبا من الهيئة العليا للشفافية التدقيق أكثر في ممتلكات "ماكرون". ويشرح "إيريك آلت"، وهو من مواليد مدينة ستراسبورغ سنة 1962، قاض نائب رئيس سابق لنقابة القضاة الفرنسيين و"جمعية القضاة الأوروبيين من أجل الديمقراطية والحريات"، دواعي هذا التحرك وأبعاده، وكذا نظرته إلى تعاطي الصحافة والقضاء مع ملفات الفساد خلال الانتخابات الرئاسية الجارية بفرنسا. كيف تتابعون في "أنتيكور" الانتخابات الرئاسية الحالية؟ دورنا هو تعزيز نظافة الانتخابات عن طريق وضع ميثاق أخلاقي للرئاسيات.. نطمح إلى إقناع كافة المرشحين بتبني عشر نقاط تعتبر في نظرنا المستوى الأدنى من الديمقراطية. إلى حدود الآن وحده "جان ليك ميلونشون" أعلن رسمياً تبنيه الميثاق. لكن هناك مرشحين آخرين، ك"بونوا هامون"، يُلحّون على نقطة هامة جدّاً بالنسبة لنا، هي الحماية من سيطرة "اللّوبيات")جماعات الضغط) على الحياة العامة. إنها أحد العناصر التي يجب أن نُعمق فيها التفكير والعمل. في المقابل هناك جانب مقلق، يتجلّى في وجود مُرشحَين اثنين على الأقل يجسدان الرشوة، وأقصد هنا كلا من "فرانسوا فيون" و"مارين لوبين"..نحن نرفض أي انحراف للديمقراطية. قُمتم مؤخراً بمراسلةً "الهيئة العليا لشفافية الحياة العامة" بخصوص ممتلكات "ماكرون"، ما هي العناصر التي اعتمدتم عليها؟ هناك حوالي خمسة عشر ألف شخص مُجبرين على التصريح بممتلكاتهم لدى الهيئة العليا. من أجل تفادي اغتنائهم من خلال ممارستهم مهامهم السياسية على حِساب المال العام، يٌجبر هؤلاء على التصريح بممتلكاتهم عند بدء مهامهم، ثم يتم فحصها عند انتهائها. من أجل فعالية هذا المبدأ، من الطبيعي أن يكون التصريح بالممتلكات "دقيقاً وكاملاً وصادقاً"، كما ينص على ذلك القانون. وعلى اعتبار أن هذه التصريحات عمومية بالنسبة للوزراء، تساءلنا عن مدى صِدق "ماكرون" بخصوص ما صرّح به سنتي 2014 و2016، أي تاريخ توليه حقيبة وزارة الاقتصاد وتاريخ استقالته. وما مصدر شكوكم في ممتلكاته المصرح بها؟ لاحظنا وجود تناقض بين موارد "ماكرون"، خاصة تلك التي تقاضاها في فترة اشتغاله في بنك "روتشيلد"، والقيمة المصرح بها التي هي حوالي 100 ألف أورو. نحن نعتبر أنه مبلغ متواضع، وربما لهذا عدة تفسيرات. نحن لا نتهم السيد "ماكرون" بأي شيء، كل ما في الأمر هو أن القانون يتيح لنا، كجمعية مُعتمدة، مراسلة الهيئة العليا حول أي شبهات من هذا النوع، وهو ما قمنا به. طبعاً هناك مراقبة تقوم بها الهيئة العليا بخصوص ممتلكات الوزراء، لكننا نطلب منها، بالنسبة لحالة "ماكرون"، أن تدقق بشكل أكبر في تصريحاته بخصوص ممتلكاته. وأين وصل الملف اليوم؟ نحن ننتظر رد الهيئة..القانون لا يفرض عليها آجالا للرد، لكن بالنظر إلى المناخ الذي تشتغل فيه، نعتقد أن التحقيقات لن تتطلب وقتاً طويلاً. نظُن أن الرد سيأتي قبل انتهاء شهر مارس أو، على كل حال، في ظرف معقول ووجيز نسبياً. ما هي منهجية اشتغالكم على الانتخابات؟ ما نقوم به هو إرسال مقترحاتنا لكل المرشحين. في سنة 2012 تجاوب معها بشكل إيجابي جُلّ المرشحين، إذ وعدوا بتبني المقترحات. وأمام حصيلة "فرانسوا هولاند" المتباينة، لا نريد أن نُعيد الآلية نفسها بالنسبة للانتخابات الحالية؛ لهذا دفعنا بميثاقنا الأخلاقي إلى النقاش العام خلال الانتخابات الرئاسية، تاركين للمرشحين حرية تبنيها من عدمه، وللناخبين حق الحكم على من يطلبون ثقتهم. وكيف تقَيِّمون تعاطي الإعلام مع قضايا الفساد خلال الانتخابات الحالية؟ يتجلى دور الصحافة في "وضع الريشة على الجُرح"، على حد تعبير "ألبير لوندر". نحن نرى أن الصّحافة تقوم بواجبها كما هو الحال في أي نظام ديمقراطي.. إنها تحقق باستمرار في برامج المرشحين وفي نظافة أياديهم. لقد شاهدنا على سبيل المثال كيف كشفت "لوكانارأونشيني" وجرائد أخرى، ك"ميديا بارت" و"لوموند"، معلومات هامّة بخصوص المرشّحَين "فيون" و"لوبين". هناك عمل استقصائي ممتاز يُنجز، لذا نحن نعتبر أن التغطية الإعلامية عموماً مُرضية. ماذا عن القضاء؟ بالنسبة للقضاء، نحن أمام وضع جديد تُعالج فيه ملفات السياسيين كما لو كانت قضايا حق عام. لقد تابعنا كيف قام المُدعي العام بفتح تحقيق مع "فيون" بمجرد ما قرأ ملف "لوكانارأونشيني"؛ وهو ما مكّن من جمع بعض الأدلة التي أمدّ بها قاضي التحقيق لتشكيل الملف. هذا شيء جديد ونحن نثمنه كثيراً. إنه أمرٌ فاجأ بعض من اعتادوا قيام المُدّعين العامين بطلب الإذن قبل المرور إلى التحقيق، وهناك منهم من لازال يساند فكرة عدم متابعة المرشحين خلال الحملات الانتخابية. لكن تبني هذه القاعدة معناه في نظري وقف التحقيقات خلال مدةٍ تُعادل نصف سنة، على اعتبار أننا غالباً ما نكون في فترة انتخابات. إنه أمرٌ سخيف! هناك من يعيب عليكم، في قضية "ماكرون"، عدم اللجوء مباشرة إلى القضاء؛ ما المانع من ذلك؟ لم نلجأ إلى القضاء، بكل بساطة، لأننا لا نملك أدلة كافية تُدين "ماكرون". نحن أمام استنتاج ولّد تساؤلات، وهذه التساؤلات بحاجة إلى الإجابة؛ لهذا راسلنا الهيئة التي، بالمناسبة، نثق في عملها وفي استقلالية أعضائها وقدرتهم الأكيدة على مقاومة أي شكلٍ من أشكال محاولات التضليل.