ثلاث خلاصات يمكن الخروج بها بعد تحليل دوافع الناخبين الذين شاركوا في الدور الثاني من الاقتراع الرئاسي الفرنسي الذي نظم الأحد الماضي، متوجين ماكرون برئاسة البلاد، ومعلقين طموحات مارين لو بالوصول إلى الإليزي حتى إشعار لاحق. أول خلاصة تتعلق بنسبة المقاطعة المرتفعة التي تعود أساسا لعزوف عدد مهم من الناخبين عن الذهاب لمكاتب الاقتراع بعدما أخفق مرشحوهم في المرور للدور الثاني. الخلاصة الثانية تتمثل في أن 57 في المائة ممن صوتوا على إيمانويل ماكرون لم يفعلوا ذلك حبا في برنامجه الانتخابي أو اقتناعا بوعوده وإنما فقط لتجنب رؤية مارين لوبين تسوس البلاد والعباد، من ثم صوّتوا عليه ليكون سدا منيعا في وجهها. أما ثالث الخلاصات التي ترشح من هذا الاقتراع فهي انقسام البلاد اجتماعيا وجغرافيا وثقافيا، بين ساكنة قرى وناخبين ذوي مستويات تعليمية متدنية وطبقات فقيرة صوتت لصالح لوبين، وساكنة التجمعات المدينية وأرباب المقاولات وأصحاب مهن حرة صوتوا على إيمانويل ماكرون. وهو انقسام يذكر بذلك الذي ظهر في أمريكا، بين نخب مثقفة وطلاب الجامعات والطبقات الميسورة التي صوتت لصالح هيلاري كلنتون، وعمال الأرياف وأصحاب المستويات التعليمية المتدنية الذي حملوا دونالد ترامب للبيت الأبيض. أسباب المقاطعة أول ملمح بارز يخرج من هذا الاستطلاع إذن هو المقاطعة. "نسبة المقاطعة في الدور الثاني كانت مرتفعة عن تلك المسجلة في الدول الأول، وبلغت مستوى قياسيا لم تعرفه فرنسا منذ 1969. فلم نلحظ تعبئة قوية مدفوعة بخوف الناخبين من وصول مارين لوبين لسدة الرئاسة"، يقول فرانسوا كروس، مدير الدراسات السياسية والمستجدات بمركز "إيفوب" الذي أنجز استطلاع رأي حول نتائج الانتخابات لفائدة "باري ماتش" ووسيلتين إعلاميتين أخريين. فحسب تحليل مركز "إيفوب" سجلت النسبة الأكبر من المقاطعة في صفوف ناخبي جون لوك ميلونشون، وبونوا هامون، وفرانسوا فيون. "نشهد منذ عقود هذه الظاهرة. أي عزوف الناخبين الذين لا يصل مرشحوهم للدور الثاني عن المشاركة في هذا الدور. في المحطات الانتخابية السابقة كان الأمر يتعلق بالخصوص بأنصار لوبين والشيوعيين"، يوضح فرانسوا كروس. وإلا فقد حصل المرشحون الثلاثة المقصيون من الدور الأول (23 أبريل) عن مجموع انتخابي يبلغ 46 في المائة من الأصوات. وقد كان ناخبو جون لوك ميلونشون الأقل مشاركة في انتخابات الدور الثاني. ليس حبا في ماكرون.. ثاني ملمح هام يخرج من تحليل المركز لسلوك الناخبين يتمثل في أن أغلبية الناخبين الذي صوتوا لصالح ماكرون فعلوا ذلك في المقام الأول للحيلولة دون وصول مارين لوبين للرئاسة. "سبق أن صرح الناخبون في الانتخابات الرئاسية الماضية أنهم صوتوا لصالح فرانسوا هولاند لقطع الطريق على نيكولا ساركوزي، حوالي 48 من ناخبي هولاند اختاروه لهذا السبب. الأمر أفدح بالنسبة لماكرون: حوالي ستة من كل عشرة ناخبين صوتوا عليه، فعلوا ذلك لقطع الطريق على لوبين. إنه مؤشر سيء بالنسبة للرئيس الجديد". وقد صرح 43 في المائة من ناخبي ماكرون بأنهم صوتوا عليه أولا وقبل كل لشيء لرؤية مرشحهم يفوز بمنصب الرئاسة، مقابل 57 في المائة صرحوا بأنهم صوتوا عليه أولا وقبل كل شيء حتى لا تفوز لوبين بالرئاسة. تأثير المناظرة التلفيزونية يظهر من نتائج استطلاع "إيفوب" أن نسبة مهمة من الناخبين (24 في المائة هذا العام مقابل 15 في المائة في 2012) اتخذوا قرارهم خلال الحملة الانتخابية بين الدورين الأول والثاني. في هذا الصدد، يبدو أن المناظرة الرئاسية ل3 ماي أقنعت الناخبين بتغيير اتجاه أصواتهم. فحسب استطلاع "إيفوب-فيدوسيال"، 27 في المائة من المستجوبين أكدوا انهم غيروا رأيهم بعد المناظرة. 10 في المائة من مجموع المستجوبين غيروا وجهة أصواتهم في اتجاه ماكرون، مقابل 6 في المائة باتجاه مارين لوبين. بالمقابل، أكد 11 في المائة أنهم قرروا اللجوء لمقاطعة الانتخابات أو وضع ورقة بيضاء. وقد ظهر هذا السلوك الانتخابي بشكل قوي لدى ناخبي فرانسوا فيون، الذين صرح 39 في المائة منهم أنهم قرروا لمن سيصوتون بعد المناظرة الرئاسية. شرخ فرنسي بالنسبة لفرانسوا كروس، تدعم نتائج هذا الاستطلاع للآراء فكرة انقسام فرنسا إلى شطرين. "مثلا، حسب مستوى الدخل الفردي، يختلف اتجاه التصويت بشكل قوي: 83 في المائة من الأشخاص الذين يتمتعون بمداخيل مرتفعة جدا صوتوا لصالح ماكرون، 45 في المائة ممن لديهم أقل المداخيل صوتوا للوبين". مارين لوبين احتلت الصدارة في اختيارات العمّال بنسبة 60 في المائة من الأصوات وحققت نتيجة مرتفعة لدى الأفراد أصحاب مستويات تعليمية أقل من الباكالوريا (46 في المائة). "من الواضح أن هناك شرخا اجتماعيا وثقافيا وجغرافيا" يرى فرانسوا كروس. وبذلك، تُحقق مارين لوبين نتائج متقدمة في الجماعات القروية (42 في المائة)، بينما تقف بعيدة خلف ماكرون في التجمع الباريسي حيث صوّت 79 في المائة من المستجوبين لصالح إيمانويل ماكرون. نتائج الاستطلاع أظهرت أيضا ان مارين لوبين لا زالت تجد صعوبة في إقناع الناخبين البالغين من العمر أزيد من 65 سنة. فلم تحصل إلا على 24 في المائة من أصوات هذه الشريحة العمرية فيما وصل رصيدها إلى 42 في المائة من أصوات الشريحة العمرية 32-64 عاما. "أظن ان خطابها عن أوربا والاقتصاد لا يجد أي صدى لدى الأشخاص الذين لا يرغبون في أي مراجعة جذرية للنظام الاقتصادي"، يقول فرانسوا كروس. بالمقابل، استطاع إيمانويل ماكرون أن يفرض نفسه لدى أرباب المقاولات (66 في المائة) والعمال المستقلين (67 في المائة). فئتان كثيرا ما كانت تقتنع بخطابات مشابهة لخطابات مارين لو بين.