يبدو أن الضجة الكبرى التي أثيرت مؤخرا حول ملف مدينتي ( سبتة و مليلية ) و تسببت في توتر في العلاقات الإسبانية المغربية لم تكد تهدأ حتى تحول المشهد السياسي للداخل المغربي بعد ما قيل عن صدور مذكرة إعتقال دولية من الشرطة الدولية ( الإنتربول ) ضد مسؤولين أمنيين مغاربة كبار على رأسهم و في طليعتهم جنرال المغرب القوي و قائد الدرك الملكي الذي هو أحد أهم أجهزة الدولة السيادية و الأمنية الجنرال المخضرم حسني بن سليمان الذي يعتبر من الجيل الأول من بناة الجهاز ألأمني و العسكري المغربي ، و الذي ساهم بأدوار تاريخية بارزة في كل المشاهد و المنعطفات الأمنية الكبرى و الساخنة في الحياة السياسية المغربية ، كما أنه أحد القلائل الباقين على قيد الحياة من رجال ( زمن الرصاص المغربي ) وهو المصطلح الذي أطلقته الأدبيات السياسية المغربية على المرحلة الواقعة منذ أوائل الستينيات وحتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي و التي شهدت صراعات بنيوية و دموية حادة بين السلطة و معارضيها و بعضهم من كبار رجال السلطة ذاتها كما كان حال جنرالات الإنقلابات العسكرية لعامي 1971/و 1972 و أهمهم الجنرال القوي السابق محمد أوفقير والجنرال أحمد الدليمي و غيرهم العشرات من الذين تحفل بأسماؤهم و نجومهم الذاكرة التاريخية المغربية . "" و برغم الملفات الأمنية العديدة بكل تداعياتها إلا أن قضية خطف و تغييب المعارض المغربي الأشهر في التاريخ المعاصر وهو المهدي بنبركة و التي حدثت في 29 أكتوبر 1965 و في عز مرحلة الحرب الدولية الباردة ظلت هي الأشهر وهي السبب في أوامر الإعتقال و التحقيق الجديدة الصادرة عن قاضي فرنسي في ملف عمره أكثر من أربعة عقود تغير خلالها شكل العالم بأسره و طويت ملفات و غيب الموت أسماء و شخصيات كبيرة من ضمنهم العديد من المتورطين فعلا في ذلك الملف بدءا من الجنرال أوفقير وزير الداخلية وقتها و العميد محمد العشعاشي الذي توفي منذ عقد فيما ينتظر أخوه عبد الحق العشعاشي الإعتقال رغم أنه مختل عقليا بفعل كبر السن منذ زمن حسب معلوماتي ، ليبقى السيد القادري مدير المخابرات العسكرية الأسبق و الجنرال بن سليمان أشهر و أهم المطلوبين و الذي تعترض ملف تسليمه ألف عقبة و عقبة !! ، فهو بغض النظر عن شخصه رمز من رموز السيادة المغربية بإعتباره القائد الأقدم لأهم مؤسسة أمنية تحمي النظام العام في قرى المغرب و بواديه و لها هيبتها و حضورها الدائم في الحياة المغربية ، فضلا عن كبر سنه فهو أقدم جنرال مغربي ما زال على قيد الحياة من جيل الرواد وقد تجاوز السبعين عاما منذ سنوات دون أن يحال على التقاعد كما تقضي القوانين الوظيفية المعروفة ، و هو فوق هذا و ذاك ذاكرة تاريخية و معلوماتية و أمنية حساسة في جهاز الدولة المغربية و لا يمكن أبدا تصور إمكانية تسليمه لأي طرف خارجي رغم أن رفاق الراحل المهدي بنبركة في الإتحاد الإشتراكي هم اليوم على رأس الجهاز الحكومي المغربي و منهم السيد وزير العدل نفسه عبد الواحد الراضي!! فالملف معقد للغاية و يتضمن جوانب حساسة جدا و الإصرار على تنفيذ الإعتقال و التسلم و التسليم قد يخلق أوضاعا محرجة لجميع الأطراف ، خصوصا و أن الملفات مزدحمة بالكامل في فوضى تاريخية شاملة فجهاز الدرك الملكي مسؤول مسؤولية مباشرة عن كل معتقلات التعذيب و السجون السرية الرهيبة من أمثال ( تازمامرت ) و الذي أغلقت السلطات ملفاته و عوضت ضحاياه في مصالحة تاريخية لم تكتمل فصولها النهائية بعد ، و نبش الماضي المزعج قد يؤدي في النهاية لإثارة ملفات و قضايا نستها الذاكرة و تجاوزها الزمن و لكنها تشكل إحراجا كبيرا للدولة و النظام في المغرب ، فليس سرا معرفة حقيقة أن بقايا العديد من رجال مرحلة العنف و الرصاص لا زالوا في السلطة أو حواشيها فتلك من طبائع الأمور..! و لكن إثارة ملف إعتقال الجنرال حسني بن سليمان بكل تداعياته في هذه المرحلة بالذات يهدف لتصفية حساب مع من هو أكبر من بن سليمان..! ، فالقضية بأسرها ذات جوانب داخلية صعبة وهي مرشحة لمزيد من التصعيد و الإثارة أيضا.. خصوصا و أن ملفات التاريخ تتصارع بشدة في المغرب هذه الأيام... فهل يتخلى المغرب عن جنراله الوفي.. ذلك هو السؤال الصعب في زمن فتح الملفات الصعبة.