(1) نحتاج، دائما مع الأسف، أن نذكّر ببعض البديهيات المتعلقة بالعمل السياسي السليم، لأن ممارسات النظام المخزني قد شوّهت هذه البديهيات وحرّفتها حتى أحالتها إلى أدواتٍ تسوّغ الكذبَ والتزوير والتدليس. السياسيّ الحقيقيُّ، لا المزوَّرُ، في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، لا المزَوَّرةِ، يتقدمُ للناس، في الانتخابات، ببرنامج موضوعي، له حدٌّ أدنى من المصداقية من حيث تصوراتُه ومقترحاتُه وأهدافه وأرقامُه، ويطلبُ أصواتَهم للفوز والتمكّن من السلطات الفعلية، التي يضعها الدستور والقانون بيد الفائز، ليباشرَ تطبيق برنامجه والوفاءَ بما وعد به الناخبين، إما من طريق أغلبيةٍ يغلب عليها لون واحد، أو من طريق تحالف من عدة أحزاب، لكن على أساس تقاربٍ في المرجعية والرؤى والبرامج والأهداف. القوانين في الأنظمة الديمقراطية، وعلى رأسها الدستور، تضمن للفائز من الأحزاب السياسية المتنافسة على السلطة، الحقَّ في امتلاك سلطات الحكم الحقيقية، ومنها سلطةُ الإشراف على دواليب الإدارة العمومية، وسلطةُ وضع السياسات، في مختلف المجالات، وتنفيذِها من غير اعتراض أو عرقلة أو تعويق من أي جهة، إلا جهة مخوَّلَةً بالدستور والقانون طبعا، وسلطةُ التحكم في المالية العامة والميزانية سياسةً وتحصيلا وإنفاقا، وغيرها من السلط الحيوية لإدارة دفة الحكم. فلا يكون للمحاسبة في السياسة معنى إلا حينما يكون المحاسَبُ مسؤولا يملك بالفعل سلطةً الاختيار والتقرير والتنفيذ؛ أما المسؤول الذي ليس بيده سلطة حقيقية، فإن المحاسبة في حقه ثانويةٌ مقارنةً بالمحاسبة الرئيسية التي يجب أن تتوجه إلى من بيده سلطةُ الأمر والقرار، لا إلى المأمورين المنفذين التابعين. أما السياسيُّ "الممثّلُ"، فهو نقيض الأول، وعمله أقربُ إلى الشعوذة والتهريج والإلهاء منه إلى العمل الجاد والممارسة المسؤولة. لقد قلت وسأظل أكرّر حقيقةً كالشمس الحارقة لا تحتاج إلى دليل، وهي أن الاستبدادَ، بأيّ زيٍّ تزَيّى، هو قتلٌ للسياسة، وتفريخٌ للممثّلين من كل الأصناف والدرجات. ومع الاستبداد، وفي حواشيه، تنتعش ثقافة التزوير والتدليس، وتنمو صناعة الوهم والأساطير، وتنتشر أخلاق النفاق والغش والمداهنة، ويسود التعتيم والغموض، وتنْفُق سوقُ الإشاعات والأباطيل. الممثّلُ يكون وراءه كاتبُ النصّ والمخرجُ والديكورُ والماكياج والمؤثرات الصوتية والبصرية. وقد ينجح بعض النجاح في أداء دوره، إن كان ممثلا موهوبا، مع وجود نص رديء وإخراج ضعيف؛ لكن المصيبة تتضاعف حينما نكون أمام ضعفٍ وهزال وقبح ورداءة تشمل الجميع، نصا وإخراجا وتمثيلا وإكْسِسْوَارات. (2) مظاهرُ التمثيل في حياتنا السياسية نراها اليوم جليّة في الأجواء والخطابات والتصريحات التي تواكب "المشاورات" التي دشنها السيد سعد الدين العثماني، رئيسُ الحكومة المكلف بعد إعفاء السيد بنكيران، مع الأحزاب السياسية. فإذا كان الدستورُ الممنوح يضع الملكَ على رأس الدولة بسلطات وصلاحيات شبه مطلقة، ويجعلُه متحكما في كل المؤسسات الحيوية في الدولة، إما مباشرة وإما بواسطة، ويُعفيه من أي شكل من أشكال المتابعة والمحاسبة-فلا يوجد في الدستور، ولا في غيره من قوانين الدولة جملةٌ واحدة أو شبهُ جملة يُفهم منها أن الملك، مثله مثل سائر المسؤولين، الذين يمارسون سلطةً من السلطات، يمكنه أن يخضع للمحاسبة والمراجعة- قلت إذا كان الدستورُ الممنوح يجعل الملكَ على رأس الدولة بسلطات شبه مطلقة، ويجعل الحكومةَ تابعةً له، وسياساتها من سياسته، وقراراتها من قراراته، ويجعلُ رئيسَها في خدمته وتحت مراقبته وسلطانه، فأنّى لرئيس الحكومة المعين لتشكيل الحكومة الجديدة أنْ يكون حرا في تصرفاته، وإن كان النصّ الدستوري يسمّيه رئيسا للحكومة، ويجعلُه مسؤولا عن تشكيلها وسياساتها ومواقفها وقراراتها. فالنص الدستوري الذي يجعلُ رئيسَ الحكومة يتمتع بحرية الحركة والتصرف، ينقضُه النصُّ الذي يجعل يدَ الملك فوق الحكومة، في صغيرِ أمرها وكبيره؛ فيكفي أن يكون الملكُ هو رئيس مجلس الوزراء، لتصبح جميعُ تصرفات الحكومة تحت إمرته، يوجهها حيثما شاء، ويقبلُ من أعمالها ما يشاء، ويرفض ما يشاء. هذا على المستوى النص الدستوري. أما على مستوى الواقع، فإن من الحقائق التي باتت معروفةً ومشهورة أن الأحزابَ التي أفشلت السيد بنكيران، سلفَ السيد العثماني، في مهمة تشكيل الحكومة، هي أحزابٌ مخزنية بامتياز، سواء التي نشأت في أحضان المخزن وبإذن منه، كالحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، أو التي التحقت مؤخرا بدار المخزن، كالاتحاد الاشتراكي. فكيف نستسيغُ أن السيد بنكيران كان يتعامل مع هذه الأحزاب، وهو يجهل أنها أحزابٌ تأتمر بأوامر المخزن، لا تملك من أمر استقلالها إلا القشور؛ فهي أحزاب، عند السمع والطاعة، إذا طلبها المخزنُ، وليُّ أمرها، للخدمة والمشاركة في تنفيذ مخططاته؟! كيف يُرادُ لنا أن نستسيغَ أن السيد عزيز أخنوش، الذي باتَ فأصبح رئيسا للتجمع الوطني للأحرار، والذي ليس له أي تاريخ سياسي، ولا أي تجربة حزبية واضحة ومعتبرة، كان يفاوض السيد بنكيران، واليوم السيد العثماني، بإرادة حزبية مستقلة عن النظام المخزني، التي يراقب الشاذة والفاذة في الساحة الحزبية، ويحسب الصغيرة والكبيرة مما يدور داخل الأحزاب، لا يفوته منها مثقال ذرة؟! وقُلِ الشيءَ نفسَه عن الأحزاب الأخرى التي شاركت في إفشال مهمة السيد بنكيران، وهي اليوم تُظهر "الضحكة الصفراء" للسيد العثماني، الذي يردّ عليها بضحكة مثلها تسكن محيّاه لا تكاد تفارقه. لقد أثبتتْ لنا تجربةُ السيد بنكيران مع هذه الأحزاب التي تجاوزت خمسة أشهر أن الأمرَ لم يكن في حقيقته "مفاوضاتٍ سياسيةً" بين أحزاب طبيعية، وإنما كان "تمثيلا"، اجتمعت فيها كلُّ الشروط، مِن نص وإخراج وديكور وغيرها من لوازم التمثيل. كانوا يمثّلون، ليوهموا أنفسَهم أولا، ونحن ثانيا، بأنهم سياسيّون يتفاوضون، كما يتفاوض السياسيون المحترفون الأصحّاء، وبأنهم مستقلون، فيما يختارون وفيما يقرّرون، وأنهم لا يخضعون لأيّ جهةٍ من الجهات، ولا لأي سلطةٍ من السلطات، وأنهم لا يتبعون إلا ما ترجّحُه عندهم قناعاتُهم ومبادئهم واختياراتُهم ومواقفُهم الحزبية!! ومنْ سيصدّقهم، وكلُّ الدلائل والمعطيات والمؤشرات تدل، بل تُثبت وتؤكد أن "تمثيلهم" تجاوزَ حدّ الرداءة إلى الحضيض، وأنهم باتوا مفضوحين في العراء لا يسترهم شيء؟ وقد تتبعنا القصة أكثر من خمسة أشهر، فلا داعي للإثقال على القارئ بإعادة حكاية فصولها هنا مرة أخرى. بل ها نحن اليوم، السبت 25 مارس، وقد مرت ثمانية أيام منذ تكليف السيد العثماني بتشكيل الحكومة، نسمع الحكومة الجديدة توشك أن ترى النور، وأن ما عُرف بالبلوكاج سيزول قريبا. وهذه السرعة الفائقة في نجاح السيد العثماني فيما فشل فيه سلفُه السيد بنكيران دليلٌ قويٌّ وفاضحٌ وحارقٌ على هذه التمثيل الرديء الذي يشوه حياتنا السياسية، والذي يترجم عن سيناريو وإخراج في غاية الضحالة السياسية. (3) التمثيلُ الذي أنا بصدد تصويره ونقدِه لا ينفك عن التزوير، وليس أيَّ تزوير، بل هو تزويرٌ كبيرٌ وخطير، لأنه يهمّ مصيرَ أمّة، لأن آثاره تمتد لتشمل حياتنا السياسية من كل النواحي، فتجعلها حياةً تعاني الاختناقَ والميوعة والهشاشة والاضطراب بوتيرة لا تعرف الانقطاع، وتهدد بالانفجار-لا قدّر الله-في أي لحظة. المفتَرَضُ أن رئيسَ الحكومة المعينَ يعرف قبلَ غيره، بالاستناد إلى الدستور والقانون والعرف، أن سلطاته ضعيفة جدا جدا، بل إنها سلطاتٌ مقيدة ومراقبة وتابعة لا تمكّنه من الحكم قِطْميرا، بل لا تمكّنه حتى مِن التحكم في الإدارة العمومية، التي هو رئيسُها المفترض على الأوراق. وهذا الرئيس المعين، يعرف أيضا، وقبلَ غيره دائما، أن البرنامجَ الوحيد الذي يُطبق في الدولة هو برنامج الملك، وأن البرامجَ التي يتنافس بها المتنافسون في الانتخابات هي لذرّ الرماد في العيون، كما يُقال، لأنها من متطلبات الدور المَنوط بالأحزاب تمثيلُه على مسرح حياتنا السياسية، وَفْقَ ما رسمه المخرجُ وكاتبُ السيناريو. فمن التمثيل الفِجّ أن يأتيَ رئيسُ الحكومة، بعد تشكيل حكومته، أمام البرلمان ليعرضَ ما يسميه "برنامج" حكومته! أولا، أين ذهبت البرامجُ التي سمعنا عنها في الانتخابات، والتي، على أساسها، نالت الأحزابُ من الأصوات ما نالت؟ ثانيا، أين هي الوعودُ التي تميزت بها الأحزابُ في حملاتها الانتخابية، والتي وعدت بأن تجدَ لها طريقا إلى التنفيذ إنْ هي فازت ووصلت إلى الحكومة؟ ثالثا، ماذا يعني هذا البرنامجُ الذي تتقدم بها الحكومةُ أمام البرلمان لينال الثقة مقارنةً ببرنامج الملك، الذي هو الأصل، والذي سيجده الوزراءُ على مكتبهم في أول يوم يلتحقون فيه بعملهم؟ رابعا، مَنْ سيتحملُ المسؤوليةَ السياسيةَ والتّبعات المالية المتعلقة بالعشراتِ من الاتفاقيّات التي وقّعها وزراءُ "حكومة تصريف الأعمال" في أثناء جولات الملك الأخيرة في أفريقيا؟ خامسا، وفي جملة: أين ذهبت إرادةُ الناس الذين صوتوا لهذه الأحزاب؟ وأين هي مصداقيةُ شعاراتهم ووعودهم؟ وأين هي مصداقية كلمتهم؟ لو كنا نعيش حياة ديمقراطية حقيقية صافية من الشعوذة والتزوير والتمثيل، لكان لمَا أطرحُه من ملاحظات وتعليقات وأسئلة معنى. لكننا، مع الأسف، وهذا ما تريدُ أن توضحه هذه المقالة، نعيش حياة سياسية حوّلتها المشاهدُ التمثيلية إلى حياة يخنقها التزوير والتمويه والتوهيم. فالحزبُ الذي يشارك في "لعبة" الانتخابات، ويزعم أنه يسعى للفوز، ليحكمَ، وليطبقَ برنامجَه، هو حزبٌ ممثِّل ومزوِّر؛ ووجهُ التزوير هنا هو أنه يعرف أن الأحزابَ، عندنا، لا تحكم، مهما كانت قوتُها، ومهما كانت المرتبةُ التي تفوز بها في الانتخابات، لأن الحاكم الحقيقيَّ والوحيد، بنص الدستورين الممنوح والعرفي، هو الملك. والذي يزعم غيرَ هذا هو مزوِّر، وقائلٌ بغير الحقيقة المنصوص عليها في فصول الدستور، وكذلك الحقيقة المعيشة في الممارسات الفعلية في الواقع. فمن مشاهدِ التمثيل الثقيلِ والمرذول، في حياتنا السياسية، أن نرى رئيسَ الحكومة، الذي يعرف، قبل غيره، أنه لا يملك أيَّ سلطةٍ فعلية على أدوات الحكم الأساسية، كالإدارات والمؤسسات العمومية، والداخلية، والخارجية، والأمن، والدفاع، والمالية والاقتصاد، يأتي إلى البرلمان، كما كان يفعل السيد بنكيران، ويدعي أنه المسؤولُ الأول عن الإدارة العمومية، وأن الوزراء يعملون تحت إمرته، وأنهم لا يتصرفون إلا بموافقته، وأنه، وأنه، وأنه، مما يوهم السامع بأن الرجل، بالفعل، يملك سلطةَ الفعل والقرار؛ وهذا من التزوير، الذي يشوه الحياة السياسية، ويزيدها اختناقا وفسادا وعبثا. كيف يدعي رئيسُ الحكومة شيئا، وهو يعلم، بالممارسة اليومية في دواليب الدولة المخزنية، أنَّ ما يدّعيه لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، وأنه لا يعدو كونَه ممثِّلا حين يعرض على الأسماع خطاباتِ الوهم، التي يُفترضُ في أيِّ مخزنيٍّ سامٍ أن يكونَ متقنا لها، بارعا في تسويقها إلى أبعد مدى؟ لقد أمدّتنا الممارسةُ الواقعية، خلال خمس السنوات الماضيات، بشواهد لا تُعدُّ ولا تُحصى، على أن السيد بنكيران كان، بالفعل يتكلم كثيرا، ويَظهر كثيرا، ويُضحِك كثيرا، ويُغضِب كثيرا، لكنه لم يكن يتعدى الدائرةَ التي رسمها له مَن يضعون السياسات الاستراتيجيةَ، ويتخذون القرارات الحاسمةَ، ويمسكون بكل الخيوط الحساسة المتحكمة في شرايين الدولة. (4) في مفاوضات تشكيل الحكومة، بعد انتخابات السابع من أكتوبر، التي دامت أكثر من خمسة أشهر مع السيد بنكيران، وتستمر اليوم مع السيد العثماني، لم نسمع، فيما صدر عن المتفاوضين مِن تصريحات، شيئا عن اختلاف بينهم في التصورات، ولا في المرجعيات، ولا في البرامج، ولا في الأولويات، ولا في الاقتصاد، ولا في أي شيء له علاقة، مباشرة أو غير مباشرة، بمصالح الناس، وإنما الذي سمعناه لم يكن يتعدى موضوع المشاركة في الحكومة؛ فبنكيران من جهة، يشترط كذا وكذا، والآخرون، من جهة أخرى، بقيادة أخنوش، يربطون مشاركتهم بكذا وكذا، من غير أي اعتبار للمرجعيات، ولا للأفكار، ولا للبرامج، ولا للتباين في الأدبيات الحزبية، ولا لأي شيء ممّا هو الأهمُّ والمعتبَرُ والمُقدَّم عند السياسيّين المحترفين الحقيقيين، لا الممثِّلين المزوِّرين المشعوِذين المهرِّجين. واليوم، نسمع عن قرب زوالِ ما عُرف بالبلوكاج، وميلادِ الحكومة الجديدة. كيف؟ وماذا تغير بين الأمس واليوم، حتى يتمَّ ميلاد الحكومة بهذه السرعة؟ هل يملك السيد العثماني قوةً خارقة، وإمكانياتٍ عجيبةً ساحرة؟ هل يتميز السيد العثماني عن سلفه السيد بنكيران بفرادة باهرة قاطعة حاسمة؟ لا شيء من كلِّ هذا؛ فالسيد العثماني، مثلُ أخيه وحبيبه ورفيق دربه السيد بنكيران، مخزنيٌّ مُروَّض مِن الدرجة العالية، ومعدنه المخزنيُّ مِن النوع النادر النفيس، ومِن ثمَّ فهو، إنْ رضيَ عنه النظامُ لقيادة الحكومة في السنوات الخمس المقبلات، سيكون الاختيارَ الأول، لأن خدمته ستكون، بلا أدنى شك، ممّا "يحمّر" الوجهَ، ويغيظ الأعداء الحاسدين. هذه الحكومةُ الجديدة، إن كُتب لها أن تتشكل قريبا، لن تكون إلا حكومةً هجينة ضعيفة خاضعة متحكَّما فيها، عن قربٍ وعن بعدٍ، أكثر من سابقاتها. إن تشكيل الحكومة، اليوم أو غدا، لن يكون بفضل كياسة رئيس الحكومة المُعيّنِ ومهاراته الخارقة ورِفْقِه الديبلوماسي العجيب، ولا بفضل مرونة جبهةِ السيد أخنوش ومن معه، وتيسيرهم وتعاونهم، ولا بفضل أيِّ شيء له علاقة بالسياسة الحقيقية والبرامج والمصلحة والتعاون. لا؛ تشكيلُ الحكومة، اليوم أو غدا، سيكون، كما كان دائما، بضوء أخضر قويّ ناصعٍ من النظام المخزنيّ، لأنه هو المُخرِج وكاتبُ السيناريو الأصلي، والآخرون، في رأيي، إنما همْ ممثّلون لهم أدوار محددة، تتطلب بعضَ المهارات الذاتية، وشيئا من اللطافة والرشاقة في الحركة والقفز واللف والدوران فوق خشبة التمثيل. خلاصةُ هذه المقالة أن داءنا العضالَ إنما هو في الفلسفة والأسس التي تتحكم في حياتنا السياسية؛ فلا دواء لهذا الداء، في اعتقادي، إلا بمراجعة هذه الفلسفة، وتغيير تلك الأسس، ووضع دستور ديمقراطي حقيقي قمينٍ بنقلنا مِن دولة الجبر والتعليمات والتحكم في كل شيء، إلى دولة الحقوق والحريات والمؤسسات الحرة والمسؤولة. فالاستبدادُ، كيفما كان اسمُه ونوعُه وفصلُه، لن يُوَلّد لنا، في حواشيه وعلى أعتابه، إلا ممثّلين في صورة سياسيّين، يؤدون أدوارا محفوظة في مقابل رَيْعٍ وامتيازاتٍ وكراسيَّ ومناصبَ ساميةٍ كاذبةٍ خادعةٍ، وللشعب الخطاباتُ الرنانةُ والشعاراتُ المبهْرَجة والوعود المُخْلَفة. دورُ الممثِّلِ في المشاهِدِ كلِّها**أنْ يجْعلَ الوهمَ الصريحَ مصَدَّقا وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.