بسم الله الرحمن الرحيم رمضان شهر التحرر من قيود الغريزة خلق الله الملائكة عقولا من غير شهوة، فهم يسبحون بحمده بالليل والنهار لا يفترون، وخلق البهائم بغرائز من دون عقول تتناسل ويأكل فيها القوي الضعيف تحت مسمى قانون الغاب، وخلق خلقا آخر منزلة بين المنزلتين، هذا الإنسان بعقل وشهوة، وهداه النجدين إما شاكرا وإما كفورا، فتبارك الله أحسن الخالقين. ابتلى الله هذا الإنسان بالتكليف فأرسل إليه الرسل وأنزل إليه الكتب، ومن أجله قامت سوق الجنة والنار، ومعظم الشرائع التي جاء بها الأنبياء فيها فريضة الصيام، وهي إمساك عن مقتضيات الشهوة في وقت محدد، عندنا نحن المسلمين الصيام إمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الشمس إلى غروبها، وإمساك عن السب والشتم والغيبة والكذب وشهادة الزور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث و لا يفسق، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم..."، وقال أيضا : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "، وقال : " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش "... فدعاة الإفطار العلني في نهار رمضان بدعوى الحريات الفردية عليهم أن يدركوا أن الصيام هو أرقى أنواع الحرية، إذ هو تحكم عقلاني في نوازع الغريزة وتدريب إرادي للسيطرة على سلطان الشهوة، وتحرر واعي من البهيمية بقوة قاصدة، تجعل من هذا الإنسان شبيها بالملائكة ولو في أوقات محددة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " الأسير من أسره هواه"، فالصيام تحرير للقوة الواعية عند هذا الإنسان من مكبلات الغريزة ومثبطات الهوى، وتهيئ له ليرتقي معارج العرفان فيسمع كلام الله السماع الثالث، وهو سماع آخر غير سماع المنافقين الذي قال عنه القرآن : ( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، إن شر الدواب عند الله الصمّ البكم الذين لا يعقلون، ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون)،وغير سماع العامّة الذين لا همّ لهم إلا عدد الختمات للقرآن دون تدبر. على دعاة الإفطار العلني في نهار رمضان أن يدركوا أن من تمام الحرية احترام حرية الآخرين واختياراتهم إذا كانوا أغلبية ، لأن دعاة الحريات الفردية لا يجرؤون على المطالبة بممارسة الجنس علانية في نهار رمضان أوفي غيره أمام أعين الناس، رغم أن هذا من مقتضيات رؤيتهم الفلسفية للكون، فإذا قالوا هذا فيه استفزاز للآخرين، قلنا كذلك انتهاك حرمة الصيام علانية فيه استفزاز للصائمين، وإن قالوا ممارسة الجنس علانية مستقبح عالميا وتعاقب عليه القوانين الدولية، قلنا كذلك انتهاك حرمة رمضان في بلد مسلم مستقبح شرعا وتعاقب عليه القوانين الوطنية...وهكذا. على دعاة الإفطار العلني في نهار رمضان أن يدركوا أن معصية الله سراً دون معصيته جهرا في المرتبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرون"، والتوبة من معصية السرّ أيسر من التوبة من معصية الجهر لأن المجاهرة بالمعصية فيها تجريء لذوي العزائم الضعيفة على انتهاك حرمات الله، فكم من مبتلى بإدمان الخمر متسخ الثياب مرمي بالأزقة والدروب تراه في رمضان إنسانا آخر قد نفض عنه تلك الأوساخ وشارك الناس في حياتهم العادية. على دعاة الإفطار العلني في نهار رمضان أن يدركوا أنهم في دولة ينص دستورها على أن " المغرب دولة إسلامية "،وهو البند الذي لم يستطع وكلاؤهم تغييره ولن يستطيعوا إلا على جثثنا !! وأن القضية غير مرتبطة بتغيير قانون كما يناضل من أجله هؤلاء، لأن آلية " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ستشتغل بوجود هذا القانون أو بعدمه، قال تعالى ( والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، وقال سبحانه ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون)، جاء في الأثر أن بني إسرائيل لما جهروا بالمعاصي نهتهم علماؤهم، فلما لم ينتهوا خالطوهم فآكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داوود وعيسى بن مريم. فعلى الدولة أن تقوم بواجبها في الضرب على يد هؤلاء السفهاء ولا تخضع للإملاءات الخارجية بهذا الصدد، وإلا فإن المجتمع المدني سيقوم بدوره في الدفاع عن هويته وحراسة حرماته، وقد تقع تجاوزات لأن تغيير المنكر باليد من اختصاصات السلطة فإن هي تركته للعامة يوشك أن تكون فتنة.