اعتقد عبد الإله ابن كيران أنه كلما قدم حزمة جديدة من التنازلات ستيسر مهمته في تشكيل الأغلبية الحكومية، فقبل في البداية أن ينتظر حزب التجمع الوطني للأحرار لينتخب أمينه العام الجديد ثم أمعن في التنازل وقبل، أيضا، على مضض أن يتخلى عن الوعود التي قدمها للراحل امحمد بوستة كي يكون إلى جانب الاستقلال في حكومة واحدة.. انتظر ابن كيران أن يكافأ على تنازلاته، لكن ما حدث أنه عوض أن يتحالف مع حزب واحد وجد نفسه في مواجهة أربعة أحزاب دفعة واحدة. ناور قليلا وقرر مرة أخرى أن يقبل باسم المصلحة العليا فوافق على انتخاب الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب رغم أن الأعراف الديمقراطية والممارسة السياسية السليمة تقول إن التفاوض حول منصب رئاسة مجلس النواب يجب ان يخضع للتداول بين أحزاب الأغلبية الحكومية.. بالموازاة مع هذا التنازل تقوى موقف الأحزاب السياسية الأخرى المتمثل في الرباعي التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي والحركة وصارت تطالب بحزمة جديدة من التنازلات والحال .. ابن كيران رجل سياسة صنعته الحركة الإسلامية وعركته المعارضة وصقلته الحكومة واقترب من الدائرة الضيقة لصنع القرار ولا شك انه تعلم متى يقول لا ومتى يقول نعم وهما حدي السياسة..ولاشك كذلك انه فهم طبيعة الدولة وكيف تفكر وماذا تريد لكن يبدو أن الحدس السياسي خذله هذه المرة ولم يدرك ذبذبات التغيرات التي حدثت بعد الربيع الديمقراطي حيث اجهضت تجارب الإسلام السياسي في بعض البلدان مثلما وقع في مصر وفي دول اخرى تراجع إلى الوراء وتحولت الاحزاب الإسلامية إلى احزاب مدنية تماما كما حدث في تونس وبالتالي فإن ميزان القوى لم يعد في صالح الإسلاميين حتى وأن تبوؤوا المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الماضية. منذ البداية يعرف الإسلاميون ان الدولة ليست على وئام معهم ويعرفون أيضا أنه لولا موجة الربيع الديمقراطي لكان المشهد السياسي مختلفا ويقينا أن جزء واسعا من قيادات الصف الأول من حزب العدالة والتنمية يتمثلون هاته القناعة ووقد مشوا في الولاية السابقة فوق الغام كثيرة تحمل ابن كيران فيها ضربات كثيرة .. من لا يستحضر هذه المعطيات كمن يريد ان يحرث في البحر، وهنا بالتحديد أخطا ابن كيران. اخطأ لانه دخل في مواجهة مباشرة مع الجميع ولم يستثن احدا بل إن الضغوط الذي مورس عليه وإن كانت الكثير منها غير طبيعية دفعت به إلى الوقوع في فخ التصريحات والتصريحات المضادة وبدا في الفترة الأخيرة متشنجا وقد فهم القصر أن تصريحاته ليست موجهة ضد أحد بقدر ما تعنيه بشكل مباشر.. لا نريد بأي معنى من المعاني أن نقول إن المسار التفاوضي لابن كيران كان فاشلا مفلسا، بل نريد أن نقول إن ابن كيران لم يكن عليه أن يدبر التحالف فقط بل عليه أن يدبر توازنات أخرى تتعلق بعلاقته هو شخصيا وخزبه بالدولة، فالرغم من أنه أمضى أكثر من خمس سنوات يتودد إلى القصر وسعى بشتى الوسائل إلى التأكيد بأن الإسلاميين صاروا يمارسون السياسة لا الدعوة وأنهم يؤمنون بقواعد اللعبة ومنخرطون فيها، فإن الدولة بقيت تنظر إليهم بعين التوجس دائما.. الآن أمام الإسلاميين فرصة ثانية لتثبيت موقعهم في المشهد السياسي في المغرب لأن التجربة المغربية رغم أنها جاءت متساوقة مع الربيع الديمقراطي، فإنها تحظى ببعض الخصوصيات منها أن التوافق بين الإسلاميين والدولة تأسس بشكل سلمي ولم يكن يوما ينهض على الصراع على الحكم أو السلطة..لنتابع..