"عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءاً يا وطني. - محمود درويش؟" ثامن مارس مرة أخرى، هل هو مجرد ذكرى واحتفال بيوم عالمي للنساء؟ هل يجب علينا أن نؤكد هنا أن ثامن مارس ليس فقط يوما احتفاليا، انه يوم للنضال والوقوف لطرح الأسئلة والاهم للتأمل بشكل نقدي وواضح وصريح في وضعية النساء في العالم التي تتقهقر يوما بعد يوم، ولكن وبشكل ملح في المغرب كجزء من منطقة شهدت ولا تزال تشهد العديد من التراجعات والانتكاسات. عندما تكون العديد من النساء في مناطق عدة من المغرب مضطرات للموت أثناء المخاض، او نسيان أنهن إناث عليهن الحفاظ على جمالهن، ويقطعن مسافات على الأرجل في بيئة قاحلة جلفة وعنيفة من اجل قطرات ماء أو بعض الحطب للتدفئة في مناخ قاس ينضاف لمعاناة السكان اليومية مع لقمة العيش والحرمان من أبسط الاحتياجات، بعيدا عن أي حلم بالقليل من الكماليات. عندما تحرم الفتيات من التعليم، نظرا لانعدام البنية التحتية اللازمة والقريبة من سكنهن، او لضيق ذات الحيلة واضطرارهن للعمل لإعالة الأسرة. هذا الحرمان الذي يؤهلهن ليصبحن ضحايا زواج القاصرات مع سبق الإصرار والترصد من طرف الآباء، إما للتخلص من عبئهن أو ليبعن لأزواج / وحوش يترصدون مثل هذه الهفوات لينقضوا على أجسادهن الغضة. عندما تصبح كل نساء المغرب ضحايا العنف بشكل يومي وبكل أشكاله، لا فرق بين طالبة، أو معلمة، بين موظفة أو عاملة، بين عازبة أو متزوجة، بين أرملة أو مطلقة، بين عجوز أو شابة، بل لا يسلم من العنف حتى الأطفال الأبرياء ذكورا وإناثا، أمام هذا الزحف الأعمى للعنف يصبح مشروعا التساؤل : ماذا تحقق خلال السنة المنصرمة من خطوات لحماية ضحايا العنف؟ ما دور القوانين، وكيف يتم تفعيلها؟ وهل تكفي من اجل الحصول على الحماية الفعلية ضد كل أشكال العنف الممارس يوميا على النساء في الفضائين العام والخاص؟ عندما تعاني النساء يوميا من مختلف أشكال التمييز، والأقسى، عندما تقبل العديد من النساء بالهوان والخضوع لسلطة ما ولعنف ما بل وتتفنن بعضهن في تبرير العنف او التمييز ضدهن مرة لاعتبارات دينية ومرة لاعتبارات ثقافية تتجلى في التقاليد المكرسة للسلطة الأبوية ولدونية المرأة. عندما يحدث كل هذا في بلد صفق وزمر طويلا لانجازات العهد الجديد، كيف يمكن مواجهة أسئلة الأجيال المقبلة، كيف يمكن الثقة بتشريعات تكرس التمييز والدونية، أو في أسوء الأحوال عندما تظل هذه التشريعات على علاتها غير مفعلة؟ مناسبة هذا الكلام، ما آلت إليه وضعية المرأة المغربية من تراجع خاصة في المجال العام وفي مجال الحقوق الإنسانية. إن حاجة المرأة للتحرر من الاضطهاد التاريخي اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. قد يكون مقالي هذا نقدا عنيفا ولكن هل يمكن ان نساهم في تطوير واقع معين، دون اتخاذ النقد أداة، ألم يجعل كانط من النقد أداة بناء، مما ساهم في تحديث وتطوير الفكر الأوروبي. ربما أننا تعودنا حصول نقد من الذين يعادون قضية المرأة، إلا أنني أؤكد هنا أن القضية النسائية في أمس الحاجة لنقد ذاتي موضوعي، وخصوصا من طرف نساء امن بضرورة تغيير الشرط النسائي كمقدمة لتغيير واقعها، ألا يمكن الحديث عن التغيير دون التأكيد على أهمية النقد من الداخل أي النقد الذاتي بعيدا عن اية مغالطة او الهوس بجلد الذات. إن واقع المرأة المغربية يستدعي الكثير من الأسئلة ويتخذ أكثر من بعد، فهل يمكن الحديث عن العنف الممارس ضد النساء، دون التطرق للواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمرأة في المنظومة السياسية المغربية؟ وهل يمكن طرح قضية المساواة في الحقوق بين النساء والرجال ، بل وحتى بين مختلف طبقات النساء أنفسهن، وإغفال مقاربة الأساس الفكري والبنيوي لثقافة التمييز التي يتأسس عليها المجتمع المغربي؟ هل يمكن تجزيء واقع التردي وربما في أحيان كثيرة واقع تراجع القضية النسائية عن الواقع السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي المغربي؟ وأخيرا ألا يمكن القول بأن القضية النسائية الأزلية والأبدية ستظل قضية آنية بل ومتجددة، خاصة وان الأسئلة والإشكالات المرتبطة بالمرأة تعاد في كل مرة، وكان المكتسبات في القضية النسائية لا تتخذ طابعا نهائيا، ذلك أنها مكاسب هشة تفرض إعادة الطرح وإعادة النضال، كما أكدت سيمون دي بوفوار، لأنها بكل بساطة مهددة وقابلة للزوال بجرة قلم تسن قوانين مضادة تنتمي لأيديولوجية ظلامية، رجعية وتمييزية تقف في وجه المساواة والحداثة. لماذا في كل مناسبة ثامن مارس ترتفع الأصوات منددة بتراجع حكومة الإسلاميين عن مكاسب متعلقة بالقضية النسائية؟ أليس حزب العدالة والتنمية كان من بين التيارات الاسلمية والسلفية التي كانت وراء تعبئة من وقفوا في مسيرة الدارالبيضاء سنة 2000 ضد الخطة الوطنية لإدماج المرأة؟ أليس القصر هو من شرع لحل هادن به القوى الإسلامية وذلك بإقبار الخطة وتشكيل لجنة تغيير مدونة الأحوال الشخصية؟ أنسيت القوى الحقوقية والنسائية أن سنة 2004 كانت سنة الموافقة على التراجعات من خلال ترك المكان شاغرا لنسائية إسلامية مدعومة بنسائية الدولة ممثلة في التحكيم الملكي؟ ألا يمكن القول بان الحركة النسائية المغربية والجمعيات الحقوقية وكأنها تعيش الوهم عندما تتأمل أن تكون لحكومة العدالة والتنمية نية صادقة لقيادة إصلاحات في مجال الحقوق الإنسانية للمرأة؟ أما الفصل التاسع عشر من دستور 2011، المأزق الذي سقطت فيه القوى الديمقراطية والحقوقية والنسائية بالمغرب. فالفصل التاسع عشر، يؤكد على أنه "يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها" لماذا تنادي بعض المسيرات بتفعيل الفصل 19 من الدستور؟ ألا يمكن القول بأن هذا الفصل لم يأتي بجديد خاصة وانه يضع الحقوق الإنسانية للنساء مشروطة بمأزق الثوابت والتقاليد، ما يفرغه من أهميته، إنه أشبه بكل القوانين المغربية التي تمس الحقوق الإنسانية، حيث يأخذ المشرع بيده اليسرى ما يمنحه باليد اليمنى. لماذا لم يفتح بعد ورش إصلاح أو تغيير مدونة الأسرة خصوصا وأنها لم تعد تساير ما جاء به الدستور فبالأحرى أن تساهم في تحقيق المواطنة الكاملة للنساء في مغرب حداثي. هل أن وصول 35 برلمانية لقبة البرلمان عقب انتخابات 2002، يدل على مستوى متقدم على طريق المشاركة النسائية السياسية؟ أم انه صادف حينها المزيد من در الرماد في العيون، وتثبيت الواقع الذي آلت إليه الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي أقبرت لتفسح المجال لتشكيل لجنة ملكية لتغيير مدونة الأحوال الشخصية. بتعبير أدق، لقد هيئت في حينها كل الظروف لمهادنة التيارات الإسلامية، خاصة وان إمارة المسلمين كانت أيضا في غنى عن اهتزاز صورتها وسلطتها الدينية. هكذا أنقذ التحكيم الملكي مكانة الأحزاب الإسلامية، ومستقبل الإمارة الإسلامية حتى ولو تطلب الأمر التضحية بالحقوق الإنسانية للمرأة ومساواتها ومواطنتها الكاملة. وفي هذا الإطار لا يجب أن ننسى بان مدونة الأسرة بدورها تضمنت مآزق عديدة لعل أهمها سن الزواج، تقييد التعدد، السكوت عن الإرث.... لماذا تهادن الأحزاب السياسية والحركات النقابية والحقوقية والنسائية مع بعض التجاوزات الخطيرة في قطاعات عديدة، الصحة والتعليم، أليست المرأة في نهاية المطاف هي الضحية الأولى لما يحدث في المستشفيات وفي المدارس عمومية وخصوصية، لماذا يتم إهمال فئات العاملات في القطاعات غير المهيكلة خاصة في مكاتب الأطباء والمدارس الخاصة والمتاجر وغيرها عديدة، والأخطر في مكاتب المحامين، هؤلاء الذين في اغلبهم يحسنون تقمص دور المدافع عن الضحية والجلاد في نفس الآن؟ أخيرا، يمكن القول أننا نعيش مرحلة إعادة الأسئلة التي تتطلب المزيد من الجهد وربما ثورة حقيقية على مستوى العقليات، وأيضا إرادة سياسية وشجاعة لدى كل الفاعلين لإيجاد إجابات مقنعة والأهم حلولا تليق بمجتمع حداثي، ديمقراطي حقيقي نتمناه للأجيال المقبلة نساءه ورجاله. [email protected]