عرفت القضية النسائية ببلادنا طفرة هامة منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس لعرش أسلافه. وعلى الرغم من أن الاهتمام بتحسين أوضاع النساء وتعزيز حقوقهن كان انشغالا حاضرا أيضا لدى جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، في جهودهما من أجل بناء الدولة المغربية الحديثة لما بعد الاستقلال، إلا أن جلالة الملك محمد السادس بصم خلال العقدين الأخيرين على إنجازات غير مسبوقة دعمت بشكل كبير مطالب النساء المغربيات التواقة إلى رفع التمييز والحكرة عن أوضاعهن وتعزيز الاعتراف بمساهمتهن الإيجابية في بناء مغرب العدالة والديمقراطية. وهكذا شرع جلالة الملك محمد السادس، منذ اعتلائه سدة الحكم، سنة 1999، في مواصلة الإصلاحات التي كان قد باشرها والده المغفور له الحسن الثاني في إطار مرحلة الانفراج السياسي والتناوب الديمقراطي، حيث أولى الملك الراحل جانبا من اهتمامه في هذا الصدد إلى التجاوب مع التطور الحاصل في العالم بشأن تكريس الحقوق الإنسانية للنساء، وهو التجاوب الذي برز منذ موافقة المغرب على توصيات المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة (بيجين 1995). ويذكر الجميع مبادرة الملك الراحل، المتمثلة، لأول مرة، في تعيين سيدتين وزيرتين ضمن تشكيلة حكومة التناوب التوافقي، وكذا استقباله لوفد من الفعاليات النسائية في السنوات الأخيرة من فترة حكمه حيث كانت تلك إشارة قوية من جلالته للاعتراف بدور النساء في المجتمع وكذا دعم مطالبهن المدافعة عن إصلاحات قانونية خاصة على مستوى مدونة الأحوال الشخصية التي كانت تثير جدلا مجتمعيا قويا في تلك الآونة، تطور مع تبني حكومة التناوب لخطة كاتب الدولة آنذاك محمد سعيد السعدي بشأن إدماج المرأة في التنمية. خطة شكلت أول مشروع جريء لتغيير أوضاع المرأة المغربية، لكنها شكلت موضع خلاف كبير مهد لتدخل سياسي على أعلى مستوى من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية. وكانت تلك أول مهمة ألقيت على عاتق جلالة الملك محمد السادس الذي دشن عهده في سنة 1999 بالإعلان عن تشكيل لجنة ملكية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، وهي اللجنة التي توجت أشغالها بإعلان جلالته في سنة 2003 عن إصدار قانون جديد هو مدونة الأسرة. إنجاز ثوري اعتبر القانون الجديد في حينه بمثابة “إنجاز ثوري” و”خطوة جريئة” لجلالة الملك محمد السادس في اتجاه إقرار حقوق النساء وتعزيز مكانتهن في الأسرة والمجتمع. وجاءت المدونة بعدة مقتضيات مستجيبة لمطالب الحركة النسائية على رأسها المساواة في الرعاية المشتركة للزوجين لبيت الزوجية، وتقييد التعدد بشروط، ورفع سن الزواج ومنح المرأة حق تطليق نفسها وحق اللجوء الاختياري للولي عند عقد الزواج، والحق في التدبير المشترك للممتلكات المكتسبة بعد الزواج.. وغيرها من المقتضيات الرامية إلى إرساء علاقة زوجية وأسرية متوازنة تكرس المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين وتجعل من الأسرة نواة لبناء مجتمع أقوى. وجاءت بشرى الإعلان عن مدونة الأسرة في 10 أكتوبر من سنة 2003 مقترنة أيضا بإعلان جلالته من قبة البرلمان عن اتخاذ هذا اليوم يوما وطنيا للاحتفاء بالمرأة المغربية وبمكانتها في المجتمع، في خطوة اعتبرت أيضا رسالة من جلالته تؤشر على تكريمه للمرأة المغربية واعتنائه بأوضاعها. وتوالت بعد ذلك العديد من المنجزات في الجانب التشريعي من خلال إصلاح عدد من النصوص القانونية كتعديل القانون الجنائي بهدف الحد من الإفلات من العقاب في جريمة الاغتصاب التي تكون الفتيات القاصرات ضحية لها، وإصلاح قانون الجنسية بتخويل المرأة المغربية المتزوجة من أجنبي حق منح جنسيتها لأبنائها. ثورة ملكية “ناعمة” توجت منجزات هذه الثورة الملكية “الناعمة” كما يصفها عدد من المحللين، بالإصلاحات الجوهرية التي تضمنها دستور 2011، والذي أقر لأول مرة بموجب فصله التاسع عشر (الفصل 19)، المساواة بين المواطنين والمواطنات في جميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ونص على اتخاذ تدابير لمكافحة التمييز ضد النساء، وعلى إحداث مؤسسات وهيئات وطنية لغرض مكافحة ضمان المساواة والمناصفة. ولاحقا أقر المغرب أيضا أول قانون لمحاربة العنف ضد النساء (2018)، والذي جاء للحد من معاناة المغربيات من مختلف مظاهر التحرش والاغتصاب والعنف الجسدي والنفسي، ومن خلال مجموعة من التدابير التي نص عليها القانون من أجل تعزيز الوقاية والحماية. وتعززت الترسانة القانونية باتجاه دعم وحماية حقوق النساء الأخرى في ميدان الشغل من خلال عدد من النصوص إصلاح مدونة الشغل (الحقوق الاجتماعية وحقوق الأمومة للمرأة العاملة) وقانون العمال المنزليين، وغيرها. هذا فضلا عن تعزيز الحقوق الاجتماعية ضمن عدد من الإصلاحات التي همت مجال التغطية الاجتماعية (صندوق التكافل، صندوق الأرامل)، وأيضا إقرار حق المرأة في الولوج إلى الملكية بالمساواة مع أخيها الرجل خاصة حيث ظلت النساء يعانين من حيف كبير في هذا المجال خاصة على مستوى ما يعرف بالأراضي السلالية. ولم تقتصر الجهود الملكية في هذا المجال على الجانب التشريعي، بل امتدت إلى تعزيز التمكين السياسي للمرأة من خلال فسح مجال أكبر لها لولوج مواقع القرار السياسي، سواء على مستوى التمثيلية في المؤسسة التشريعية أو على مستوى منصب القرار الحكومي. وشهدت التمثيلية السياسية للنساء على مستوى البرلمان وكذا في الجماعات المحلية، تقدما كبيرا على عهد جلالة الملك، بفضل مبادرته إلى إقرار تدابير للتمييز الإيجابي وتعديل القوانين الانتخابية بما يمكن المرأة من ولوج أيسر لمواقع المسؤولية السياسية، ومما عزز صورة المغرب خارجيا كدولة رائدة في هذا المجال على المستوى الإقليمي. بل إن جلالته أعطى مكانة غير مسبوقة للمرأة في المحيط الملكي نفسه من خلال منح أدوار هامة للأميرات في الحياة العامة، وكذا خطوة اتخاذ الراحلة زليخة نصري مستشارة لجلالته، والتي كانت تلقب ب”المرأة الحديدية”. كما ما فتئ جلالته يعزز الحضور النسائي في المشهد السياسي من خلال تعيين المزيد من النساء في المؤسسات العمومية داخل المغرب والتمثيليات الدبلوماسية خارجه. وقدم جلالته إشارة قوية أيضا لدعمه للمساواة عبر إدماج النساء في مسار الإصلاحات التي باشرها جلالته في الحقل الديني بتخويلهن فرصة الولوج إلى مهام التوجيه الديني وعضوية المجالس والهيئات العلمية. وكان آخر مقررات جلالته في هذا الصدد السماح للنساء أيضا بولوج مهنة العدول التي ظلت إلى حد الساعة حكرا على الرجال ببلادنا. وكان للنساء نصيب مهم كذلك في البرامج التنموية التي أقرها جلالته خلال العقدين الأخيرين، وعلى رأسها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي جعلت من بين أهدافها تعزيز التمكين الاقتصادي للنساء في المجالين الحضري والقروي، ومحاربة الهشاشة والفقر في صفوفهن، وتقوية مساهمتهن في التنمية المستدامة. وعرفت دينامية انخراط المغرب في الالتزامات الدولية الداعمة للحقوق الإنسانية للنساء خلال العقدين الأخيرين حركية كبيرة أيضا، حيث صادقت بلادنا على العديد من الاتفاقيات وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لرفع جميع أشكال التمييز عن المرأة، وتم رفع التحفظات على العديد من البروتوكولات الاختيارية ذات الصلة بحقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة خاصة. وبفضل التوجيهات الملكية الواضحة، عملت الحكومات المتعاقبة على عهد جلالته أيضا على إقرار سياسات عمومية وبرامج تنموية ترمي إلى الاستجابة لمقاربة النوع ولمطالب النساء واحتياجاتهن، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، الخطة الوطنية للمساواة، وخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وميثاق تحسين صورة المرأة في الإعلام، وإقرار الميزانيات العمومية المستجيبة لمقاربة النوع الاجتماعي، وإصلاح مناهج التربية والتكوين. *** تصريحات خديجة الرباح: إصلاحات كبيرة وطموحات أكبر باتجاه تسريع وتيرة الإنجاز اعتبرت خديجة الرباح أن فترة تولي جلالة الملك محد السادس للحكم ببلادنا يمكن أن يتم استعراض إنجازاتها- فيما يتعلق بتعزيز الحقوق الإنسانية للنساء- تحت عنوانين لمرحلتين، مرحلة ما قبل دستور 2011، ومرحلة ما بعد الدستور. المرحلة الأولى، كما تقول المناضلة النسائية وخبيرة مقاربة النوع، لبيان اليوم، تميزت بمجموعة من الإصلاحات الرائدة التي مست جوانب متعددة، على رأسها إصدار مدونة الأسرة، وتعديل القانون الجنائي، وتطوير مجمل الترسانة القانونية بما يعزز الارتقاء بوضعية المرأة المغربية إلى الأفضل. كما تميزت هذه الفترة بالتغييرات التي تم إدخالها على قانون الأحزاب السياسية والقوانين الانتخابية من أجل ضمان تمثيلية وازنة عن طريق تدبير التمييز الإيجابي والذي مكن من تغيير واضح لواقع الحضور الباهت الذي كان يسم حضور النساء في الهيئات التمثيلية السياسية إذ لم يكن يتجاوز 2 إلى أربع نساء إلى حدود سنة 2002 حيث ارتفعت هذه النسبة لأول مرة إلى 10.8 بالمائة، لتمنح بذلك الريادة للمغرب الذي أصبح يضرب به المثل امام برلمانات دول مجاورة في مجال التمييز الإيجابي وتعزيز الحقوق السياسية للنساء. وتطورت هذه النسبة لاحقا بفضل مجموعة من التدابير الديمقراطية وتفعيل المنهجية التشاركية وسارت باتجاه تعزيز تكافؤ الفرص وتكريس مبدأ المساواة. وتضيف قائلة: “كما ثمنا آنذاك كجمعيات نسائية، وضمنها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، إقرار مجموعة من الإصلاحات في الجانب الاجتماعي والاقتصادي والرامية إلى تقوية التمكين للنساء في جميع المجالات وكذا تقوية قدرات حمايتهن من العنف والتمييز”. هذه الإصلاحات تم تتويجها، تقول الرباح، بالتجاوب الكبير الذي كرسه دستور 2011 مع مطالب ونضالات الحركة النسائية، حيث شكل الدستور الجديد علامة فارقة في مجال إقرار الحقوق الإنسانية للنساء بالمغرب، من خلال تنصيصه على المناصفة والمساواة في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. وتضيف الرباح إنه “كان يفترض، وكما أملنا كجمعيات نسائية وحقوقية في حينه، أن تشكل خطوة إقرار الدستور الجديد إشارة قوية أخرى على دخول مرحلة جديدة وأكبر من الإصلاحات القوية في هذا المجال. لكن خيبتنا كانت كبيرة عندما لاحظنا أنه عوض تطوير الإصلاحات التي تميزت بها العشرية الأولى أخذت صيرورة ومآل الإصلاح اتجاها آخر حيث لمسنا كثيرا من التباطؤ والجمود الذي جعلنا نقف في مكاننا حتى لا نقول تراجعنا أو تأخرنا.. بل إن الريادة التي كانت تميزنا على دول مجاورة ومماثلة في سلم التنمية قد فقدناها لفائدة عدد من تلك الدول كالعراق وتونس والجزائر التي تقدمت علينا في مجموعة من المؤشرات المرتبطة بتكريس المساواة والمناصفة”. وتساءلت الرباح في هذا الصدد عن أسباب هذا التباطؤ والجمود اللذين حصلا خلا العشرية الثانية عوض تسريع الإصلاحات وتوسيعها، تفعيلا لدستور 2011، حيث لوحظ تقاعس من قبل الفاعلين الحكوميين في تفعيل مقتضيات القوانين التنظيمية المرتبطة بإعمال مقاربة النوع في إصلاح السياسات العمومية تفعيلا للدستور، وكذا التأخر الذي يلاحظ أيضا في إحداث الهيئات الدستورية الممأسسة للمقتضيات المتعلقة بالمساواة والمناصفة، فضلا عن التردد في إعمال آليات حقيقية لحماية النساء من العنف والتكفل بالضحايا، على الرغم من إقرار قانون بهذا الشأن لم يرق إلى انتظارات الحركة النسائية، كما تقول المتحدثة التي أشارت أيضا إلى أن السياسات العمومية مازالت في مجملها لا تستجيب لحاجيات النساء ولا تضمن استفادتهن من الحقوق الاجتماعية (التغطية الاجتماعية والصحية نموذجا) على قدم المساواة بين المواطنين والمواطنات كما ينص على ذلك الدستور. واعتبرت الرباح أن إحياء المغرب والمغاربة للذكرى 20 لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس يشكل مناسبة مهمة أيضا للوقوف على ملف الحقوق الإنسانية للنساء، من أجل تثمين المكتسبات التي تمت مراكمتها في هذه الفترة، وكذلك تصحيح وتصويب الاختلالات التي عرفها مسار تعزيز تلك الحقوق، وأن تكون هذه الوقفة بمثابة حافز قوي في اتجاه تفعيل سياسات عمومية حقيقية ضامنة لحق النساء في الحياة الكريمة وفي الوقاية والحماية من كافة أشكال العنف والتمييز. *** شرفات أفيلال: تعزيز حقوق النساء بما يؤشر لمرحلة أقوى في مسار الانتقال الديمقراطي قالت شرفات أفيلال، عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ووزيرة سابقة، إن العشرين سنة الماضية من حكم جلالة الملك محمد السادس شكلت فترة حاسمة من التاريخ السياسي والمجتمعي المغربي بفضل الإنجازات التي تمت مراكمتها على المستوى التنموي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي كذلك، وهي الإنجازات التي مكنت من تصنيف المغرب ضمن عدد من الدراسات كأحد الاقتصادات الواعدة التي تعرف نهضة تنموية واقتصادية مهمة. سياسيا، اعتبرت أفيلال أن جلالة الملك بصم على مرحلة أساسية أيضا في هذا المجال بإرساء أسس ديمقراطية ناشئة توجت بدستور جد متقدم سنة 2011، دستور وصف بكونه “رائدا” على المستوى الإقليمي ومثل نموذجا يحتذى بفضل مقتضياته المؤسسة لإصلاحات مهمة في جوانب مختلفة على رأسها الجانب المؤسساتي والحقوقي. وفي هذا الصدد، تضيف أفيلال، في اتصال أجرته معها بيان اليوم، يمكن الحديث عن البروز غير المسبوق للقضية النسائية إلى واجهة الاحداث على عهد جلالة الملك محمد السادس، من خلال الخطوات الرائدة كذلك التي اتخذها جلالته باتجاه تمكين أفضل للمرأة وتحسين أكبر لأوضاعها في شتى المجالات، ومن ثم “شكلت الإرادة الملكية عاملا محفزا أساسيا في المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية خلال العقدين الأخيرين بعد مسيرة عقود طويلة من النضالات النسائية والحقوقية في هذا الإطار”. من جهة ثانية، عبرت أفيلال بدورها عن أملها في أن تعيد الأيام المقبلة لهذه الحركية في مجال التمكين للنساء ديناميتها التي فقدتها إلى حد ما خلال الآونة الأخيرة، حيث “نسجل بمرارة”، كما تقول القيادية في حزب التقدم والاشتراكية، أن قضايا النساء لم تعد تشكل أولوية بالنسبة إلى مدبري الشأن العام على المستوى الوطني، وأضحت موضوع اهتمام ظرفي فقط خلال المناسبات الوطنية والدولية المرتبطة بالمرأة، حيث يتم الاكتفاء بتوزيع الورود وكؤوس الشاي على النساء عوض الانكباب الحقيقي على قضاياهن بما يؤشر لمواصلة التجاوب مع الإرادة الملكية الواضحة في هذا المجال. وأشارت أفيلال أن هذا الجو العام المحبط انعكس أيضا على دينامية الحركة النسائية التي لاحظت المتحدثة أنها أصابها نوع من الإرهاق وضيق النفس (Essouflement) جراء مرارة ما يتم تسجيله من انتهاكات لحقوق النساء ومن تراجع في الاهتمام بقضاياهن.. وهذا ما يشكل، تضيف أفيلال، خطرا على القضية النسائية، ومن خلالها على المسار التنموي لبلادنا، الشيء الذي يجب أن تعيه الحركة النسائية من أجل مواصلة نضالاتها بعزم وقوة رغم الإحباطات والمعيقات. وعبرت أفيلال عن أملها في أن تكون هذه اللحظة لحظة انطلاقة جديدة في مسار الانتقال الديمقراطي ببلادنا “الذي بالفعل يجب أن يأخذ وقته من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، ولكنه يجب أن يتعزز من خلال تقوية المكاسب التي تم تحقيقها في مختلف الميادين، والتي ما تزال مع ذلك تتسم بالهشاشة في عدة مجالات ولدى عدة فئات اجتماعية وعلى رأسها فئة النساء”. *** زهور الحر: الإرادة الملكية مكنت النساء من مراكمة العديد من المكتسبات قالت زهور الحر، القاضية والفاعلة الوطنية والاجتماعية، إنه لابد من الاعتراف بما استطاعت المرأة المغربية تحقيقه في عهد جلالة الملك محمد السادس، حيث تمكنت من مراكمة العديد من المكتسبات بفضل جعل جلالته مسألة النهوض بأوضاع النساء في صلب اهتماماته، وعرفت القضية النسائية محطات مهمة خلال العقدين الأخيرين في مسار إدماج النساء في عجلة التنمية الشاملة، وإشراكهن في تدبير الشأن العام، والارتقاء بحقوقهن في كل المجالات، وخاصة المجال التشريعي والحقوقي. والأستاذة زهور الحر يمكن اعتبارها من الأيقونات النسائية خلال المرحلة، حيث تميزت بتفاعلها وفعاليتها خلال العقدين الأخيرين مع مختلف الخطوات الرامية إلى تغيير أوضاع النساء ببلادنا. فهي عرفت بكونها أول رئيسة لقسم قضاء الأسرة في المغرب، وكانت عضوة فاعلة ضمن تشكيلة اللجنة الوطنية لمراجعة مدونة الاسرة، كما تم تعيينها لاحقا رئيسة للجنة العلمية المكلفة بإحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، هذا فضلا عن إسهاماتها الفكرية وكذا نشاطها الاجتماعي والحقوقي الكبير لفائدة المرأة والطفل، فهي أيضا عضو مركز الدراسات والأبحاث في قضايا الأسرة، ورئيسة المنتدى المغربي للأسرة والطفل، ورئيسة الجمعية المغربية لمساندة الأسرة. وذكرت زهور الحر، في تصريح لبيان اليوم بمناسبة مرور 20 سنة على اعتلاء جلالة الملك محمد السادس لسدة الحكم، بمختلف التعديلات التي تم إدخالها على القوانين بهدف إقرار مبدأ المساواة والانصاف، وكذا تبني مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تحث على إدماج المرأة في كل جوانب الحياة وعلى حماية كرامتها واعتبارها إنسانا له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات. وعلى رأس القوانين المذكورة أشارت الحر إلى إصلاح قانون الأسرة سنة 2004 الذي اعتبر أعمق إصلاح في المجتمع المغربي بفضل التوجيهات الحكيمة لجلالة الملك وآرائه السديدة، كما تقول. كما استطاع المغرب، تضيف المتحدثة، أن يحقق ثورة اجتماعية هادئة غيرت الكثير من المفاهيم وأقرت مجموعة من المبادئ والقواعد القائمة على العدل والإنصاف لحماية حقوق النساء في علاقاتهن الأسرية والزوجية التي كانت تعرف حيفا وتعسفا كبيرين، وتم الاعتراف كذلك بأدوارهن في مسار التنمية والبناء الديمقراطي. ومن أقوى المحطات في هذا المسار الإصلاحي، تقول الحر، لحظة إقرار دستور 2011 الذي جاء بمقتضيات صريحة تؤسس لمفهوم المساواة والمشاركة الفعالة في بناء المجتمع وحماية الحقوق في بعدها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وذكرت أيضا بالمصادقة على قانون محاربة العنف ضد النساء الذي صدر مؤخرا، وقانون تنظيم تشغيل عاملات المنازل، والاعتراف للنساء السلاليات بحقوقهن في امتلاك الأرض مثلهن مثل إخوانهن الرجال. “إنها ترسانة من القوانين والتشريعات كانت وراءها إرادة ملكية قوية تدفع بالأمور إلى الأمام لبناء مجتمع يتمتع فيه الرجال والنساء بالحقوق على حد سواء” تضيف الحر التي عبرت بمناسبة الذكرى العشرين لتربع جلالة الملك على عرش أسلافه عن أملها بأن “ينعم جلالته دوما بموفور الصحة والعافية وأن يحفظه الله ويرعاه ذخرا لهذا للوطن وقائدا لشعبه المجند وراءه من أجل بناء مغرب قوي برجاله ونساءه وقادر على مواجهة كل التحديات”. *** لطيفة بوشوى: مرحلة انفتاح كبير مكنت من خلخلة العقليات الرافضة لتعزيز حقوق النساء أكدت لطيفة بوشوى، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، أن العقدين الأخيرين تميزا ببروز إرادة سياسية على أعلى مستوى من أجل النهوض بأوضاع النساء، تجلت في مضامين العديد من الخطب الملكية والإجراءات التي جعلت من هذين العقدين مرحلة انفتاح كبير وإشارات قوية مكنت أيضا من خلخلة العقليات التي كانت إلى عهد قريب ترفض أي تحرك رام إلى تحسين وضعية المرأة ببلادنا. وأوضحت بوشوى، في اتصال أجرته معها بيان اليوم، أن هذا الانفتاح الذي تميزت به سياسة جلالة الملك فيما يتعلق بإقرار الحقوق الإنسانية للنساء، مكن أيضا من الالتفات بصفة أفضل إلى الأدوار التي تقوم بها النساء في الأسرة والمجتمع وإلى تعزيز تلك الأدوار بما يضمن لهن مكانتهن الحقيقية والمستحقة على جميع المستويات. فبتشخيص موضوعي للأوضاع والتحولات التي عرفها مجتمعنا خلال العقود الأخيرة، أصبح المغاربة يعلمون ويعون بأن النساء يعلن 17 بالمائة من الأسر المغربية. كما تبرز الإحصائيات الرسمية تفوقهن في مختلف المجالات حيث يحصلن على أعلى المعدلات الدراسية ويتفوقن بكفاءة في مجموعة من المهام والمواقع التي أنيطت بهن لتسييرها وتدبيرها. وبالتالي فإن النساء أظهرن أيضا كفاءات متقدمة تؤهلهن لأن يكن في مستوى الثقة وفي المستوى المكاسب التي حققنها وما يزلن. وأضافت بوشوى أن الرؤية الملكية المنفتحة على حقوق النساء تجلت من خلال العديد من الإنجازات بدءا من إقرار مدونة الأسرة، وتعزيز ولوج النساء إلى المواقع السياسية والعلمية، وتغيير القوانين بما يعزز مكانتهن داخل الأسر، من قبيل إقرار الرعاية المشتركة وتعديل مساطر الزواج والطلاق، وإقرار قانون الجنسية، وتعديلات القانون الجنائي والمسطرة الجنائية فيما يتعلق بالعنف ضد النساء (إعادة النظر في مقتضيات تزويج المرأة بمغتصبها)، وكذا إقرار قانون مكافحة العنف ضد النساء. ومن جانب آخر، سلطت بوشوى الضوء أيضا على المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال تعزيز التمثيلية السياسية للنساء ووصولهن إلى مراكز القرار، بفضل التعديلات التي تم إدخالها على قوانين الانتخابات والتي مكنت من تحقيق تقدم كبير في التمثيلية السياسية للنساء على المستويات المحلية والجهوية والوطنية. هذه المكتسبات التي كرسها دستور 2011 بإقراره لمبدأ المناصفة والمساواة، كما كرستها الخطوة الملكية بفسح المجال للنساء من أجل ولوج مهنة العدول التي كانت تقفل أبوابها في وجههن رغم حضورهن القوي والكفؤ في جميع المهن الأخرى في قطاع العدل. ولم تنس بوشوى أن تذكر كذلك بالتغيير والتنقيح المستمرين اللذين تعرفهما المناهج الدراسية من أجل تغيير الصورة النمطية التي كانت تكتنف المناهج والمقررات الدراسية حول المرأة وأدوارها الأسرية والاجتماعية، وهو ما يسهم بدوره، كما تقول المتحدثة، في تكريس ثقافة التربية على المساواة وتغيير العقليات ومواجهة المقاومة الثقافية للحقوق الإنسانية للنساء. إلى ذلك عبرت المناضلة النسائية عن طموح النساء المغربيات إلى أن تستمر هذه الإرادة السياسية في التعبير عن نفسها بقوة “من أجل مواجهة أي تذبذب نلاحظه اليوم في السياسات العمومية وفي استجابتها لمبدأ المساواة والمناصفة، بحيث لم يعد هناك مجال لأي تردد للمسؤولين في السلطتين التشريعية والتنفيذية في وضع إطار قانوني ومعياري لإقرار هذا المبدإ في جميع الإطارات السياسية والهيئات والمؤسسات الوطنية، ومن خلال مأسسة آلية فعلية للمناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز ضد النساء، وتفعيل حقيقي للمكتسبات التي تمت مراكمتها بفضل سياسة جلالة الملك التي تجاوبت مع النضالات الطويلة للحركة النسائية، وكذا من خلال إسراع الحكومة إلى تطبيق فعلي وناجع لمقتضيات الدستور وللنصوص القانونية المترتبة عنها، وللقوانين التي أثمرتها الدينامية الرامية إلى تعزيز حقوق النساء في جميع المجالات، وحمايتهن من العنف، ومحاربة الهشاشة في أوساطهن وضمان العيش الكريم لهن”، كما تقول بوشوى. ***