إن الحقيقة التي تقرر نفسها على نحو منطقي هي أن القول بأن المغاربة مسلمون يفرض فرضا أن يكون موقع أئمة المساجد كوجه لدين الأمة هو الإمام لا الخلف وهو الموقع الذي حددته نصوص الوحي لصحة إمامة الصلاة. إنها محاولة لتثبيت المسجد بالنسبة للمجتمع في موضوع المحرك من السفينة، غاية لا ينبغي أن تغيب في تخطيط من يطمح لعودة الأمة لرشدها. نستبصر من صدر القرون المفضلة المشهود لها بالخيرية لنجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر عامر بن عبد الله الخز اعي أن يلازم الأولاد في المكتب للتعليم وجعل رزقه من بيت المال. خطوة كهذه ستختصر الطريق وتوفر الوقت وتغني عن عشرات الحلول الترقيعية إذ أن كل قيم ديني كان سيستغني عن الجوع والمرض والجهل والحقارة والتسول والهزيمة بتطبيق سنة عمر، وهل يسعنا غير ذلك ؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يرشدنا فيما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث العرباض بن سارية (رضي الله عنه) " ....فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ... " ولولا إسراف هناك وتقتير هنا ما كانت وزارة الاحباس لتعجز عن استثمارات توفر 400 مليار سنتيم حسب الرقم الذي اقترحه السيد الوزير لتأمين الحد الأدنى لأجور القيمين الدينيين، تعليل من وزارة مكلفة بأملاك محبسة تقدر بآلاف الملايير يصب في اتجاه " أنطعم من لو يشاء الله أطعمه " . إنه ونحن نقرأ مثل هذه التعليلات ليجل في أعيننا -المستر هنري كيارد- الذي عمل مديرا للأحباس 1912 قبل الاستقلال طبعا، وددنا لو نحظى بإداري تقنوقراطي على هرم وزارتنا بحجمه، تهمنا أكثر شفافيته لا مذهبه ليطلعنا بتقاريره التي لا تعتمد الغموض الاستراتيجي. لقد جاء في إحدى تقارير المستر هنري : أنه بعد إدخال هذه الإصلاحات تضاعفت هذه المداخيل التي كانت تقدر سنويا بسبعين مليون بسيطة حسنية عدة أضعاف، وأن تنظيم 1915 أسفر عن تخصيص ميزانيات لخمس مائة مسجد وزارية وتوظيف خمسة آلاف مكلف وخمسة عشر قاضيا و 250 من الفقهاء والتكليف بمؤنة 800 من الطلبة وإطعام دائم لخمسة عشر ألف مسكين وأعمى (كتاب اليوطي ومؤسسة الحماية ريفي). تنظيم كهذا سيجد فيه العاجزون عن أداء المهام في المساجد بفعل الشيخوخة ما يحفظ لهم ماء الوجه، وعن قرب نعرف الكثير من القيمين الذين عملوا لما يزيد عن أربعين سنة يحرصون أن يبقوا في مهامهم في تحد للشيخوخة والعجز ودوا لو يجدون مكانا بالجدول الصغير الذي ترسمه وزارة الأوقاف – بعد قرن تقريبا هنري- للاعانات الضئيلة التي تصرفها للعاجزين عن أداء المهام والذين لا يتجاوز عددهم الإجمالي الآن 49 فردا . وفي استعراض لمنجزاتها لسنة 2007 تذكر الوزارة أنها عينت بشكل غير مسبوق 502 قيم ديني خلفا للآخرين ، ونحن نؤشر تحت كلمة " للآخرين" بسطرين أو أكثر فنسأل : أين مصير الآخرين هؤلاء ؟ لنبحث عنهم في كل مكان وبطبيعة الحال خارج نظام التغطية والرعاية الاجتماعية . " هناك تكافل يجب أن يستمر " كلام عاطفي يعلل به السيد الوزير تشجيع استمرار الصدقات المشبوهة وهي كلمات لأغنية قديمة للشيخ المدغري بألحان جديدة . تدع جانبا عوامل النظرة الدونية الخارجية ونعود باللوم على أنفسنا فأخلاقنا طرف في المشكلة . يرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنحظى بتقدير الناس وحبهم فيما رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة من حديث سعد بن سهل الساعدي رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال " ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " . وما كانت صورتنا لتصل الدرك الأسفل من الانحطاط لولا هذا الانبطاح منا والقبول بالدونية والهوان، ونحن من أغنانا الله بالقرآن العظيم، وما كان لأحد أن يكن أي تقدير لقيم ديني يراه أجهل وابعد خلق الله عن الدين . إن الجهر بالمعصية بحجم حلق اللحية والعبث بتلاوة القرآن بأصوات منفرة صاخبة تخرج عن المألوف من كلام الإنسان والقبول بحصة من محصول القنب الهندي كأجرة للإمام في مناطقه والانغماس في الفضائح الأخلاقية التي تلازم بالضرورة تعاطي الدجل والشعوذة أمور كانت ستجمد مهام متعاطيها لو كان لنا مجلس تأديب أو إلغاء عضويته لو توفرنا على رابطة أو اتحاد. وما سمعنا أن أحدا من هذه النماذج المخلة بأخلاقيات الإمامة ترفع وزارة الأوقاف في وجهه بطاقة --- بالسرعة التي تعامل بها كل الذين أوقفتهم لأنهم وجدوا في دولة الحق والقانون فضاء التعبير الحر عن آرائهم خارج المسجد. قال الإمام الشافعي رحمه الله : ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر ؟ فقيل كيف تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر ؟ قال يعمل بمعصية الله فيلقي الله كراهيته في قلوب المؤمنين . وقال ابن عباس رضي الله عنه : إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلب الخلق. استبشر أحدهم خيرا عندما انتهى به المجلس في وليمة لركن قاعة بها " الطلباء " رآها فرصة ليجاور أهل الله وليسأل أهل الذكر في ما لا يعلم، وبينما هو يتحين فرصة استدارتهم حول الخوان ليطرح ما استشكل عليه من أمور دينه لاحظ بعضا منهم يخرجون أكياسا سوداء بعدما قدم لهم الطعام يملؤونها لحما وفاكهة، احتفظ بسؤاله تحت ضغط الغيظ- إذ لا يأبى الكرامة إلا لئيم – ففكر كيف يلقن هؤلاء أدب الطعام، واهتدى أخيرا لأسلوب يفيد الكبار خاصة ممن يحفظ أطفالنا " سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " ولما فرغ من حاجتهم وفق هدي المصطفى " بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه " وجريا على عادة مدينة نظام الاتيكيت الدولي في المأدبات الرسمية حيث الأطعمة المتنوعة والمشروبات المختلفة وفواكه الصيف والشتاء المحلية والمستوردة على طريقة كرم المغاربة، نادى نادلا ممن يجمع الأواني فقال له على مسمع أصحابنا. عندما تجمع فضلات الموائد ضعها في أكياس لسادتنا " الطلباء " فلعلهم تركوا قططهم بلا طعام ولا فواكه. واخوتاه أن أحدا من الناس مهما بدا بسيطا لن يأمننا على دينه ما لم نترفع عن هذه الأمور المشينة الوضيعة وما لم نفوت الفرصة على من يطمئن لجعل وظيفتنا قراءة للنصوص الدينية للتبرك، ومن يعتبر إمامة الصلاة خلعة يخلعها القيم الديني على نفسه في الصلوات ثم يطرحها بعد ذلك، وما لم نترفع عن دريهمات المقابر. صورة مقززة احتفظ بها وزيرنا السابق فوجد فرصة للإشارة إلى حقارة أربابها فقال : " الشريعة عند هؤلاء (يقصد العلمانيين من بني جلدتنا) هي تلك المعلومات الدينية البسيطة التي تملأ أدمغة أولاءك " الفقهاء " المساكن الذين يقرأون كلما جاء هؤلاء القوم " السوبرمان " إلى المقبرة بعظيم من عظمائهم. (224 الحكومة الملتحية). وننتبه لسياج سيادة إمام المسجد ذاك الزي التقليدي الجميل المميز إذ لا ينبغي الاستخفاف به. فالإمام مدعو للتزيين باللباس المغربي الأصيل مما مضى عليه فقهاء المغرب قرونا. إننا نهدف من خلال سرد بعض أسباب النظرة الدونية لرجال المساجد إلى تجاوز كل ما من شأنه أن يسيء لسمعتهم لا لنجاري الحكايات والقصاصات الشعبية التي نسجت للتهكم برجال المنابر وهو استخفاف بجوهر الدين إن كانوا يعلمون، ونذكر ذلك لا لنوفر لأصحاب الإنتاج السمعي البصري قصصا ينسجون منها أدبهم الرخيص في غفلة من المركز السينمائي المغربي. ونود أن يكون أئمة المساجد في أهبة مقاضاة سماسرة الإنتاج الخبيث الذين يتخذون من الفقيه محور الشر لترويج أفلام مسمومة غير بريئة " الطالب موسى وغيرها " نموذجا . من طرف جمعية القيمين الدينيين:بتصرف من كتاب المساجد بالمغرب رؤية من الداخل