لا بد لأيّ متجول في الشوارع الصينية مؤخرا أن تلفت انتباهَه دراجات هوائية ملأت جنبات الشوارع العامة في كثير من المدن، تختلف ألوانها من أصفر إلى برتقالي وأخرى زرقاء وخضراء، أُطلق عليها اسم "الدَّراجات التشاركية". تتميز هذه الدَّراجات المتاحة للجميع ببساطة الاستخدام وسهولة العثور عليها على أرصفة الشوارع، حيث يمكن للمستخدم الذي أنزل التطبيق مُسبقًا على هاتفه أن يحصل على رمز فتح القفل، وبعد الاستخدام يدفع أجرة الرحلة من خلال الهاتف، ثم يضع الدراجة حيث حط به الرحال في أي موقف للدراجات على حافة الطريق وينصرف حيث شاء. وحسب مؤسسي هذه الشركات، فإن الهدف من هذه الدراجات التشاركية هو حل مشاكل الطريق ومحاولة تقليص الازدحام وتلوث الهواء عن طريق إرجاع البلاد إلى العهد التي كانت تُعرف به من قبل "مملكة الدراجات". يقول "لي جانغ"، الرئيس التنفيذي لإحدى هذه الشركات والبالغ من العمر 28 عاما، أنه يعتقد أن "تقاسم الدراجة" الهوائية يجلب "الفرح الذهني" للملايين من المواطنين الصينيين وكذلك تعزز النشاط البدني. كما أضاف أن مهمته هي تمكين الجميع من التمتع بالسعادة عبر استعمال الدراجة التشاركية. وحسب آخر الأرقام، فقد فاق عدد شركات الدرّاجات التشاركية 20 شركة، بأسطول يضم ملايين الدراجات العادية، وقارب عدد المستخدمين المشتركين 20 مليون مستخدم. كما أعلنت إحدى هذه الشركات المعروفة باسم "أوفو"، في فاتح مارس الجاري، عن عملية التمويل الرابع ب450 مليون دولار؛ وهو ما يمثل رقما قياسيا لشركات الدراجات التشاركية. في الوقت ذاته باتت "أوفو" الشركة ذات العمر القصير واحدة من الشركات الأعلى قيمة في مجالها بأكثر من 1 مليار دولار. يأتي هذا في وقت كانت عدة مجالس مدن صينية قد حاولت طرح خدمات الدراجات الهوائية العمومية لمعالجة مشكلة ازدحام الطرق؛ لكن تعقُّد الإجراءات والمواقف المحددة حال دون انتشار تلك الخدمة. في حين أن الدرّاجات التشاركية استطاعت في وقت وجيز تجاوز الإجراءات المعقدة من خلال تقنية التموقع والمسح الضوئي باستخدام الهاتف المحمول؛ فشركة "موبايك"، مثلا، يمكن لمستخدميها توقيف دراجاتها في أي مكان، ويستطيع المستخدم من خلال تقنية رصد "الجي بي إس" وباستخدام الخريطة المتوفرة على التطبيق الذكي للشركة تحديد موقع الدراجات الأقرب إليه مسافة، وبعد مسح الرمز يمكنه امتطاء الدارجة. وبعد وصول الراكب وجهته المقصودة، يغلق القفل يدويا، فيقوم التطبيق الهاتفي باحتساب ثمن الأجرة آليا، وتحديث موقع الدراجة للمستخدم التالي. إلى جانب سهولة استعمالها، وتكلفتها التي لا تتعدى 1 يوان للساعة (ما يعادل درهم ونصف الدرهم مغربي) تساعد هذه الدراجة على تخفيض مستوى الانبعاث ومعالجة مشاكل الازدحام المروري؛ وهو ما يجعلها تحظى بإقبال كبير من المستخدمين الصينيين بل وحتى الأجانب. وفي السياق ذاته، نقلت الأنباء المحلية لمقاطعة شنغهاي عن شن السلطات المحلية حملة تنظيف الشوارع من الدراجات التشاركية التي ملأت الشوارع وواجهات المحلات الكبرى بل وحتى مناطق وقوف السيارات للمجمعات السكنية ولم تدع مجالا للمقيمين، وأصحاب المحلات وغيرها.. الشيء الذي جعل الأمر أكثر صعوبة لمستخدمي الدراجات التشاركية لإيجاد الدراجة في النقط القريبة منهم. يذكر أن أحدث تقرير لشركة الاستشارات ماكينز أظهر أن الرحلات التشاركية تُعد القطاع الأسرع نموا في ما أصبح يعرف اليوم ب"الاقتصاد التشاركي" الصيني. ويشمل في الوقت الحالي عدة قطاعات، مثل الأسفار التشاركية، والتقنيات التشاركية، والمالية التشاركية وغيرها من المجالات. ويعد طلب سيارات الأجرة على الإنترنت والدراجات التشاركية والتأجير الوقتي للسيارات والتأجير الوقتي للمنازل الأسرع نموا في الاقتصاد التشاركي الصيني. *طالب دكتوراه في الإعلاميات بالصين