ضمن برنامج عمله برسم سنتي 2016-2017، اختار المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الشروع في مناقشة مشروع تقرير حول التربية غير النظامية. التقرير رصد أهم تجليات اختلالات المدرسة النظامية، من عدم التمدرس والفشل الدراسي والهدر المدرسي، وقدم الكيفية التي يتوجب التعاطي بها مع هذه الاختلالات. وانطلق تشخيص المجلس من خلال الوقوف على إشكالية تعميم التعليم باعتباره ظل مخاضا عسيرا طيلة عقود من الزمن، ووضعية الهدر المدرسي الذي يحيل إلى حالات توقف عدد كبير من التلاميذ المغاربة عن مواصلة الدراسة ومغادرتهم مقاعد المدرسة نهائيا دون الحصول على أية شهادة ودون تأهيل دراسي أو تكويني، ومكتسبات برامج التربية غير النظامية المنهاجية والتأطيرية، وتلك المتعلقة بعدد المستفيدين والمتدخلين. وفي مقابل ذلك، تحضر الصعوبات والتحديات التي تواجهها برامج التربية غير النظامية، لاسيما على مستوى ندرة الاحصائيات، وضعف الطلب والإقبال، ومحدودية المكتسبات الدراسية لدى المستفيدين من هذه البرامج، وضعف معدلات إدماجهم في التعليم النظامي والتكوين المهني، وهشاشة الممرات والجسور بين التربية غير النظامية والتعليم النظامي والتكوين المهني، وإشكالية الحكامة والتمويل. وخلص التقرير إلى أن هذه البرامج تتسم بضعف المردودية الداخلية والخارجية، كما أنها أضحت تتحول بالتدريج إلى قطاع مواز للمدرسة النظامية، يتسع ويحقق تضخما مُطَّردا، وينتقل على نحو تصاعدي من موقع برامج مؤقتة استدراكية إلى شبه منظومة قائمة على هامش المدرسة النظامية. ويقدم المجلس توصيات من أجل تحقيق نفَس أقوى وأكثر نجاعة لاستيفاء مهام التربية غير النظامية في أفق سنة 2025، وأكد على أن الفضاء الطبيعي للتعلم والتكوين هو المدرسة النظامية، كما شدد على ضرورة التعاطي مع برامج التربية غير النظامية باعتبارها ذات مهمة استثنائية ومؤقتة ومحدودة في الزمن، تعالج اختلالا راكمته المدرسة النظامية منذ سنوات عدة. ويتعلق هذا الاختلال بحالات عدم التمدرس، والهدر والانقطاع عن الدراسة. والتغلب عليه يتأتى من خلال تحقيق الاستدراك المتوخى بالنجاعة اللازمة على كل المستويات، في اتجاه تمكين جميع الفتيات والفتيان، ولاسيما الفئة العمرية 8 -15 سنة الموجودة خارج المدرسة من مقعد بيداغوجي في التعليم والتكوين النظاميين. ومن أبرز التوصيات التي قدمها التقرير "إدراج برامج التربية غير النظامية ضمن المهام الأساسية للمدرسة النظامية وفق حكامة ناجعة لتدبيرها"، عبر وضع تنفيذِ هذه البرامج في صميم مسؤولية فضاءات المدرسة النظامية إلى حين إتمام مهامها الاستدراكية والإدماجية. وإلى جانب ذلك، أوصى التقرير ب"تجديد الأهداف ومقاربة الاستهداف من خلال برنامج عمل يتم تطبيق أهدافه عبر إنجاز إحصاء شامل للطفلات والأطفال المعنيين الموجودين خارج المدرسة، واستكمال استدراك تمدرس هؤلاء"؛ وذلك خلال مدة أقصاها سنة 2025، على أساس الشروع في التدابير التحضيرية لإنجاز هذه الأهداف ابتداء من الموسم الدراسي الحالي. ودعا المجلس إلى "ملاءمة الهندسة البيداغوجية وتقوية التأطير، من خلال تمكين تلميذات وتلاميذ التربية غير النظامية من الاستفادة من نفس مقومات النموذج البيداغوجي المتضمَّن في الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، ولاسيما الهندسة اللغوية الجديدة"، واستثمار الكفاءات، من مُدرّسي التعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي، وتشجيعهم على الاضطلاع بمهمة تأطير برامج الاستدراك، مقابل حوافز مادية مناسبة، وتكوين تكميلي وظيفي. وطالب التقرير ب"تطوير نظام التقييم البيداغوجي في اتجاه الاعتراف بالمكتسبات المؤهلة لإعادة الإدماج"؛ وذلك عبر "تطوير نظام التقييم البيداغوجي والامتحانات، والعمل بآلية التتبع والتوجيه المنتظم، في اتجاه الاعتراف بالمكتسبات المؤهلة لإعادة الإدماج في كل مستوى دراسي أو تكويني نظامي مستقبِل".