حذر خبير في إدارة النزاعات الدولية من ظهور نسخ جديدة من التنظيمات الإرهابية العابرة للقارات مثل "داعش" بأسماء مختلفة، إلى جانب تفشي ظاهرة التطرف الفردي، في حال استمرار الحلول الترقيعية التي تؤخر اقتلاع "الإرهاب". جاء ذلك في مقابلة مع إبراهيم فريحات؛ أستاذ إدارة النزاع والعمل الإنساني بمعهد الدوحة للدراسات العليا؛ وأستاذ النزاعات الدولية في جامعة جورج تاون الأمريكية. فريحات قال إن أبرز الظروف الأساسية التي تنتج ظاهرة "الإرهاب والتطرف"؛ هي "الديكتاتوريات وغياب الحريات واستمرار سياسات القمع والاضطهاد في المنطقة؛ وانخفاض مستوى التنمية؛ إلى جانب التدخلات الخارجية". وأوضح أنه في مقدمة الحلول الكفيلة باقتلاع الظاهرة من جذورها "رفع مستوى التنمية وضمان الحريات في البلاد العربية؛ وإيجاد حل سياسي للقضية السورية؛ وحل عادل للقضية الفلسطينية"، مضيفاً "ما عدا ذلك فإننا نخلق نسخا جديدة من الإرهاب والمتطرفين". ودلل على ذلك كمثال عملي؛ موضحاً: "نحن نرى الآن ونعيش التطور الطبيعي لظاهرة الإرهاب والتطرف في ظل تلك السياسات؛ فالقتل والحرب فعلاً أضعف تنظيم القاعدة، لكن ولد لنا نسخة جديدة أكثر فتكاً وهي (داعش)؛ فنخشى أن يولد استمرار تلك السياسة نسخة جديدة من داعش والقاعدة باسم مختلف". وحذر فريحات من تفشى ظاهرة "التطرف الفردي"؛ والتي تكبد خسائر فادحة دون تكلفة عالية؛ وقال إن "التطرف بحاجة لأفراد وليس إلى تنظيم أو ميزانيات ضخمة وتمويل؛ أشخاص محبطين لديهم رفض للواقع بكل أشكاله؛ بإمكانهم القيام بأعمال إرهابية ضخمة؛ وهذا يجعل التطرف في أخطر مراحله حين لا يحتاج إلى تنظيم أو مؤسسات من أجل القيام فيه". التعامل الأمني يخلق بيئة مناسبة لتمدد "الإرهاب" وتطرق الخبير الدولي إلى الحلول الأمنية لمكافحة "الإرهاب" في العالم، مشددا على أنها "لا تجدي نفعا بل تدعمه وتخلق بيئة مناسبة لتمدده". وقال فريحات إن "القضاء على ظاهرة التطرف والإرهاب من منظور النزاعات الدولية هو فقط عبر التعامل مع جذور المشكلة والأسباب التي تؤدي إليها (..) يمكنك محاربتها عشرات السنين؛ لكن طالما بقيت الأسباب والظروف ستولد الظاهرة من جديد". وأكد على "أهمية التعامل مع الجذور، فتعاطي المجتمع الدولي مع قضية التطرف والإرهاب فاشلة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ وعلى رأسها السياسة الأمريكية والروسية؛ فهي تتعامل مع حلول أمنية من قصف وقتل؛ وهذا يزيد من الأزمة؛ ويخلق جوا طبيعيا مثاليا للتطرف". وأضاف أستاذ إدارة النزاع والعمل الإنساني أن "سياسة التعامل الأمني مع التطرف؛ هازمة لنفسها؛ وتخلق ظروف فشلها أو البيئة المسببة لفشلها"، مشيرا إلى أن "السياسات الفاشلة مهدت لتمدد التنظيمات الإرهابية في أكثر من مكان، فنرى ظهور تنظيم (داعش) فرع دولة كذا ودولة كذا؛ وبدلا من (داعش) واحد تحول إلى غابة (دواعش)". ربيع عربي ثان وعن رؤيته لواقع التغيير في الشرق الأوسط، قال الباحث فريحات إن اندلاع ربيع عربي ثان "ممكن" لكن بالاستطاعة تفاديه بالإصلاح السياسي والتنمية. وبين أن "إجهاض الربيع العربي تسبب في أن تكون النزاعات في المنطقة العربية تصبح في مرحلة بنوية؛ بمعنى أن النزاع تم تأسيسه ضمن النظام الرسمي أو السياسي ككل". وأردف أستاذ إدارة النزاع والعمل الإنساني قائلا "إذا أجهضت الثورة في سوريا، على سبيل المثال، بشكل كامل سيعود النظام أكثر بطشاً وقمعاً من الوقت السابق"، مدللا على ذلك من وجهة نظره بما حدث بمصر في ظل النظام الحالي، الذي اعتبره أشد "تطرفا" من الأنظمة السابقة في البلاد. وأوضح أن "النسخة الجديدة من القمع العربي هي أكثر عنفاً من الديكتاتوريات السابقة؛ فهناك نسختان للدكتاتورية العربية ما كانت قبل الربيع العربي وما بعده، وهذا ما قد يساهم في وجود ظروف الثورة". وفي رده على تساؤل بشأن انتهاء فرصة التغيير في المنطقة، قال فريحات: "الثورات المضادة كسبت جولة رئيسية في عدة جهات وأحبطت الربيع العربي"، لكن "المكاسب التي حققتها الثورة المضادة لا يمكنها أن تستمر؛ فالديكتاتورية العربية أو الدولة العميقة لن تتحول إلى حالة مستدامة". وأضاف "يمكننا أن نتحدث عن ربيع عربي ثان في السنوات القادمة، وإذا حدث سيكون أكثر عنفاً (..) فأسباب النزاع تزايدت؛ وأصبحت أكثر شراسة وتغلغلاً مما كانت عليه قبل موجة ثورات 2011؛ فحالة القمع لن تخمد، بس ستغلب الحاجة إلى التغيير". ورأى أن على الأنظمة في المنطقة أن "تتفادى ربيعا عربيا ثانيا من خلال إصلاح سياسي، وتأسيس الحكم الجيد وخلق دولة المواطنة؛ وتحقيق تنمية حقيقة". وختم الأكاديمي اللبناني بالقول "كان هناك فرصة كبيرة من خلال الربيع العربي للتغيير في الشرق الأوسط؛ لكن تم إجهاضها بشكل كبير في مصر وسوريا واليمن وليبيا". * الأناضول