في أحد المطاعم الراقية بشارع الحسن الثاني وسط مدينة أكادير، كانت الموائد فارغة إلا من سائحيْن عجوزيْن؛ وكانَ الزمن وقتَ غذاء. على بُعد خطوات من هذا المطعم الذي ألِفتْ موائده استقبال أفواج من الزبائن، خاصّة السياح الأجانب، يظهر صاحبُ وكالةٍ لتأجير السيارات مادّاً رجليْه فوق مكتبه ويلهو بهاتفه المحمول؛ وفي المنطقة السياحية فنادقُ توقّف بناؤها وأضحتْ أطلالا خاوية على عروشها، وأخرى أَغلقت أبوابها، ومطاعمُ أدارَ أصحابها المفتاح في أقفالها وانصرفوا. عُنوانُ أزْمة؟ نعم، يقول الكثير من الأكاديريين. منذ مدّة يسود انطباع ما فتئ يتوسّع وسط الأكاديريين بأنَّ مدينتهم التي انبعثتْ من رماد زلزال عام 1960 المُدمِّر، وأخذت مكانتها بين المدن المغربية الكبرى، تعاني اليوم من ركودٍ غير مسبوقٍ على جميع الصُّعُد والمستويات، الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، لكنّ هذا الانطباع ازداد حدّة في الأيام الأخيرة، بعد إقدام سلطات المدينة على منْع إنشاء مشروعيْن سياحيّين كبيرين، وهو ما خلّفَ ردَّ فعل غاضبا لدى ساكنة أكادير، ومن ثمّ تحوّل الانطباع إلى "اقتناع" بأن ثمّة جهات تسعى إلى تكبيل رجلي المدينة حتى لا تتقدّم إلى الأمام. أكادير ستنتصر الغضبُ السائد وسط سكان مدينة أكادير جرّاء الوضع الذي آلت إليه مدينتهم، والذي كانت تحتضنه صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والأحاديث في المجالس الخاصة، سينتقل من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، وتحديدا إلى ساحة وليّ العهد، الواقعة قُبالة بلدية أكادير، حيث يُرتقب أن تقام وقفة احتجاجية بعد زوال يوم الأحد القادم، اختارَ لها الداعون إليها شعار "أكادير ستنتصر بعزيمة أبنائها". الوقفة الاحتجاجية تمخّضت عن نقاش موسع أطلقته المبادرة المدنية لإنقاذ مدينة أكادير، والتي ارتأت أنْ توسّع دائرة الصّدى الذي تُريد أن يبلغه صوتُ الوقفة الاحتجاجية التي دعتْ إليها، ليصل، فضلا عن السلطات المحلية، إلى المركز؛ فتَحْت الشعار الرسمي الذي اختارتْه للوقفة في صفحة المبادرة على "فيسبوك"، كُتبت مقولة للملك الراحل محمد الخامس عقب زلزال 1960 قال فيها: "لئن حَكمت الأقدار بخراب أكادير فإنَّ بناءها موكول إلى إرادتنا وإيماننا". عدد من الأكاديريين يروْن أنَّ ما يُمكن أن يُفضي إلى إخراج مدينتهم من ركودها هو زيارة ملكيّة، لاستفادتها من أوراش تنموية على غرار باقي مدن المملكة، "وإنقاذها من الإقصاء والتهميش الممنهج من الاستثمارات العمومية والمشاريع الكبرى، رغم أنها الثانية وطنيا من حيث الاستخلاصات الضريبية"، كما يقول أصحاب "المبادرة المدنية لإنقاذ مدينة أكادير". فنانون وسياح يحتجون عدد من الفنانين والمثقفين، وحتى السياح الأجانب، أعلنوا مشاركتهم في الوقفة الاحتجاجية التي دعتْ إليها المبادرة المدنية لإنقاذ مدينة أكادير، وفْق ما عبّروا عنه في مقاطع فيديو بُثّتْ على الصفحة "الفيسبوكية" للمبادرة، والتي يقول في إحداها المُخرج والممثل الأمازيغي رشيد أسلال: "إنّ مدينة أكادير تعاني من التهميش والإهمال، ويجب إنقاذُها فنيا وثقافيا واقتصاديا". وبنبرة غاضبة تحدثت الممثلة خديجة سكرين عن الوضع الذي آلتْ إليه مدينة أكادير، وقالت: "مدينتنا تتعرّض للإهمال وتموت شيئا فشيئا؛ فبعدما كنا نفتخر أننا نعيش في مدينة جميلة، اليوم أصبحنا نستحيي"، وتضيف: "شوارع مدينتنا متّسخة، وتفتقر إلى مؤسسات ثقافية وفنية..لا يُعقل ألّا تتوفر أكادير على مسرح وقاعة سينما..هذا غير مقبول..لا بد أن تعود مدينتنا مزدهرة كما كانت في تسعينيات القرن الماضي". وتقول سائحتان فرنسيتان، بعد أن تحدثتا عن "روعة مدينة أكادير ومناظرها الخلابة وسكانها المضيافين": "نحن في انتظاركم"، في دعوة منهما إلى المشاركة في الوقفة الاحتجاجية يوم الأحد القادم. بينما يَعتبر الكاتب عبد الله كيكر أنّ ما تتعرض له مدينة أكادير، وسوس بصفة عامّة، "ليسَ مُستغرَبا، لأنّ المنطقة منذ القِدم كانت مُهمّشة من طرف المخزن"، حسب تعبيره. وأضاف كيكر: "معروفٌ عن أبناء سوس أنهم يعتمدون على أنفسهم وعلى سواعدهم، وبدل مساعدتهم من طرف المخزن كان يتم التضييق عليهم في كل الميادين، وهكذا نرى المشاريع التي تسعى المدينة إلى تحقيقها، والتي كان من المنتظر أن تساهم في ازدهار المدينة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، لا تجد إلا الاعتراض من طرف المسؤلين". ويبْدو أنّ سلطات مدينة أكادير تعمل على "إرضاء" الفعاليات الداعية إلى وقفة يوم الأحد، إذ عقدت والي جهة سوس ماسة، زينب العدوي، اجتماعا مع ممثلي "المبادرة المدنية لإنقاذ مدينة أكادير"، بعد وضعهم إخبارا لدى السلطات بتنظيم الوقفة الاحتجاجية. واستعرضت والي الجهة بعض الأوراش التي تعمل على إنجازها المؤسسات العمومية بأكادير والجهة. وفيما يترقّب الأكاديريون ما سيتمخّض من نتائج عن وقفتهم الاحتجاجية، وما إنْ كانت الجهات المعنية ستتحرّكُ لإنقاذ مدينتهم من ركودها غير المسبوق، كما يقولون، استغلَّ بعضهم الزلزال الخفيف الذي عاشته المنطقة قبل أيام لتداوُل عبارات طريفة للتأكيد على أنَّ تحرّكَ أبناء المدينة تأخّر كثيرا، ومنها عبارة تقول: "انتظرت أكادير والنواحي أن يتحرك أبناؤها فتحركت الأرض غضبا".