في سياق الحراك الاجتماعي العربي الذي نسجته أيدي الشباب، وتغنت به حناجرهم، بهدف صياغة ملحمة التغيير، والتطلع إلى غد أفضل ينعم فيه جميع المواطنين بالعيش الكريم، طفت على السطح ألفاظ من قبيل "البلطجية" في مصر، و"الشبيحة" في سوريا، و"الشماكريا" في المغرب؛ وهي ألفاظ تطلق على فئات من الناس جعلوا من أنفسهم دمى وأدوات بأيدي الأنظمة، تحركهم وتستعملهم كما تشاء بهدف كسر شوكة المواطنين الثائرين ضد الحكام الظلمة، وقتل روح التحدي التي تسكنهم، وذلك من خلال ضربهم واستفزازهم، والطعن في أعراضهم، وفي نواياهم، وغير ذلك من الأساليب المشينة. وقد يبلغ الأمر أحيانا إلى حد قتل المتظاهرين الثوار بأبشع الأشكال. ولعل المغرب لم يكن بمعزل عن هذا النوع من الناس، حيث إننا ما فتئنا نرى ونسمع عن أشخاص يسبون المنتمين إلى حركة عشرين فبراير ويشتمونهم ويعنفونهم بأشكال مختلفة، مدعومين في ذلك من السلطات المغربية، وبمباركة منها. هؤلاء الناس أقترح أن يُطْلَقَ عليهم لفظ "الزَّنَاطِمُ" بدل لفظ "البلطجية" الرائج في الإعلام العربي، وذلك من أجل جعل هذا اللفظ خاصة مغربية، على اعتبار أن السياق الذي أنتجه سياق مغربي يكمن في ما يلي: حكى لي أحد الأصدقاء أن خطيب جمعة بأحد المساجد المغربية لما انتهى من قراءة خطبته اقترب منه ثلة من الشباب قائلين له: "يا إمام، لقد تعرفنا إلى جميع الكلمات التي جاءت في خطبتك باستثناء كلمة واحدة هي "الزَّنَاطِمُ" التي استعصى علينا فهم معناها"، فما كان من الخطيب إلا أن يخرج الورقة التي تتضمن الخطبة من جيب عباءته كي يتبين الأمر، وما أن أطلع هؤلاء الشباب على نص الخطبة حتى أدركوا أن الأمر يتعلق بجملة اسمية هي:"الزِّنَا طَمَّ" التي تعني أن الزنا قد تفشى وانتشر في البلاد بين العباد. من الواضح أن هذا الخطيب قد قرأ خطبة جمعة تسلمها من جهة ما، دون أن يكون له أي جهد أو اجتهاد في صياغتها، مما جعل جملة "الزِّنَا طَمَّ" تغدو عنده "الزَّنَاطِمَ". والرجل لم يكن يدري أنه أهدى إلينا لفظا سنطلقه من الآن فصاعدا على أولئك الأشخاص الذين يحارب بهم النظامُ المغربي حركةَ عشرين فبراير، وكل من يتبنى مواقفها ومطالبها المتمثلة أساسا في العدالة والحرية والكرامة لكل مواطن مغربي بمن فيهم هؤلاء " الزَّنَاطِمُ". إن "الزَّنَاطِمَ" جمع مفرده "زُنْطُمٌ"، وهو لفظ أشمل من لفظ "الشماكريا" التي يوصف بها المشردون الذين يتعاطون المخدرات، ويشربون الكحول، وليس لهم بيت يأويهم. إنه يشمل كل من يشتم الحركات الشعبية للتحرر الوطني ويعتدي عليها بالضرب، وكل من يحمل لافتة لا يستطيع أن يقرأ مضمونها بله يفهمه، وكل من يردد شعارات جوفاء ضد الشرفاء المناضلين، وتشمل أيضا كل قلم مأجور يسعى إلى النيل من شرف المناضلين والمناضلات وأعراضهم، وكل زعيم حزب يصفق لدستور يكرس الحكم المطلق والاستبداد، وكل شيخ زاوية يأمر مريديه بالخروج إلى الشارع لمعاكسة آمال المواطنين التواقين إلى التغيير الحقيقي، وهلم جرا.