مَنْ لا يتجدد يتبدد، والماء يَفْسَد بالركود ويطيبُ بالجريان، والتاجر الذي يسعى إلى تنويع أصناف تجارته التي يقتات منها يسعد، بينما التاجر الذي يتجمد في مكانه ولا يطوِّر من سلعته تراه كاسف البال، بضاعته مزجاة وحاله يرثى لها. واللغة سجل الانجاز الثقافي للبشرية جمعاء، وهى الهوية وأداة التفكير ووعاء الثقافة ووسيلة التعبير، والكلمة وحدة بناء اللغة مما يوجب العناية بالكلمات والتجديد فيها بشكلٍ يساعد الشخص على التطوّر والنجاح. هَبْ أن الكلمات التي تنطق بها كالثوب الذي ترتديه الآن، ثم سل نفسك: كم مرة في اليوم أقوم بمراقبة مظهري وأعتني به؟! ثم تخيل أن الكلمات التي تستعملها وقد بدا الكثير منها كالثياب البالية؛ عندها ستقرر فورًا أن تستبدلها لتحافظ على مظهرك. وسأرشدك لطريقةٍ مناسبة لذلك في السطور القليلة القادمة. أيضًا تذكر أن الإنسان العادي يستخدم 3000 لفظة يعبر بها عما يدور حوله طيلة حياته؛ وأن تحدث الشخص الطبيعي في الدقيقة الواحدة يتراوح ما بين 120 – 250 كلمة في الدقيقة. بتقسيم العدد الكلي لكلمات الشخص العادي على معدل الكلمات في الدقيقة يتضح لك أن الشخص العادي يتحدث بنفس الكلمات كل 12 – 25 دقيقة، وهذا أمر غاية في الرتابة ومدعاة لنفور الآخرين منه ببساطةٍ شديدة لأنه مُمِل، لا يجدد من قاموسه اللغوي ولا يهتم بحصيلته اللغوية التي لا تقل في أهميتها عن ثوبه ومظهره. إذا عرضت على نفسك الآن أحد المتحديث الأفذاذ -فكّر في أحدهم لبرهة- ستجد أنه يتوسع في إثراء حصيلته اللغوية بشكلٍ مطرد، لا يسأم الناس الجلوس بين يديه والاستماع إليه؛ لأنه امتلك جاذبيةً آسرة استرعت الأفئدة والأسماع. وكلما كانت الحصيلة اللغوية للشخص واسعة الثراء، كان تأثيره في الآخرين أقوى وأجدى؛ ذلك أنه يستخدم الكلمات المعبرة دون تكرارٍ أو إِملال. وقد يُطِلُ في رأسِك سوالٌ مفاده: لقد قضى النحو على آمالي في التزود من كنوز الضاد! وحينها أقول لك بصدق: لقد أبعدت النُّجعة يا أخّيَّ، فإن سيبويه والكسائي قد لحنا، ولو أنهما تركا حبل الضاد على غاربه لما طبَّق صيتهما الآفاق. فلا تتذرع بصعوبة النحو، ولا تترَّس بكثرة انشغالك عن تحسين مستواك في اللغة العربية مهما كان. ولعلك تُتمتم: كُلُّ ما سبق تنظير، فأين الجانب التطبيقي لامتلاك حصيلةٍ لغويةٍ تنهض بي؟! والجواب يا رعاك الله! احتفظ بورقةٍ وقلم معك في كل وقت حتى بالقرب من سريرك، وكلما استمعت إلى كلمةٍ جديدةٍ قم بتدوينها، ثم كررها مرارًا لترسلها لعقلك الباطن. أتْبِع ذلك بتوظيف هذه الكلمة في أقرب فرصةٍ تسنحُ لك. قم بهذا التمرين باستمرار، والتقط الكلمات الجديدة من الصحف، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمذياع، والتلفاز، ومن بيئة العمل، وغيرها. هذا يرتقي بمستوى حصيلتك اللغوية على نحوٍ لافتٍ للأنظار وخلال فترةٍ قياسية مادمت تواظب على ذلك. كما أنك تلحظ استعمالك لبعض الكلمات بنمطٍ تكراريٍ مزعج والتي تُعرف علميًا "اللازمة الكلامية" -لنعترف بذلك- وهنا أنت مُطالَب بحصر هذه الكلمات، ثم التنقيب عن مرادفات لها، واستعمال مرادفات الكلمات التي تشكو منها، وبالتمرين ستجد أنك قد أجهزت على اللازمة الكلامية. إن تَلَكَّأتَ بدعوى وجود أحد عيوب الكلام تُنغِّصُ عليك الأمر؛ فتذكر أن واصل بن عطاء كان يعاني مما تعاني منه، ولإصراره استبعد الراء من كلامه، وقد برع في ذلك بمساعدة الحصيلة اللغوية التي اجتهد في جمعها. يمكنك المشاركة في المناقشات الحرة، والمناظرات الهادئة الهادفة، والندوات الحوارية، والمطالعة، وغيرها؛ لامتلاك حصيلة لغوية وافرة. *باحث مصري [email protected]