منذ عودته إلى المغرب قبل سنوات والطاهر بنجلون يتقرب شيئا فشيئا من القصر الملكي، فقد علّل رجوعه للاستقرار بمدينة طنجة إلى كون «البلاد تتغير»، وخلال شهر أبريل الماضي ظهر بنجلون على قناة «راي3» الإيطالية ليعلن أن المغرب لم ينتظر الثورات العربية ليشرع في التغيير، بل بدأ يتغير بالفعل منذ أن تربع الملك محمد السادس على العرش أواخر التسعينيات، مشيدا بإنجازاته المتعلقة بفتح ملفات انتهاكات حقوق الإنسان وإصلاح مدونة الأسرة وصولا إلى تقوية البنى التحية للبلاد، ووصف صاحب «مأوى الفقراء» وضع المغرب بين البلدان العربية ب«الحالة الفريدة» و«الحالة الخاصة جدا» و«الاستثناء العربي والإسلامي». هذا الخطاب التبشيري كرره الرجل قبل أيام فقط بالصحافة الاسبانية حيث عنون عموده في إحدى الصحف الكاطالانية ب«الاستثناء المغربي»، وأكد فيه أن الملك استبق انتظارات الشباب فأعلن في خطاب 9 مارس عن إصلاحات عميقة وهامة، ونوّه أيضا بما حمله الخطاب الذي ألقاه محمد السادس في شهر يونيو، داعيا فيه إلى التصويت ب«نعم» من أجل الدستور الذي ظلت حركة 20 فبراير ترفع شعارات ضده وتدعو في خرجاتها ومسيراتها إلى رفضه بدعوى أنه لا يرقى إلى الانتظارات الحقيقية للشعب المغربي، بيد أن الطاهر بنجلون شأنه شأن معظم الأحزاب المغربية وصف المقتضيات الجديدة للدستور ب«التاريخية» وناشد المغاربة بالتصويت ب«نعم» خلال استفتاء الأول من يوليو. ذكّر بنجلون القارئ الاسباني بامتيازات الدستور الجديد، ولم ينس أن يذكّره أيضا بالصلاحيات التي أعطيت للملك باعتباره رئيسا للدولة وأميرا للمؤمنين والقائد الأعلى للقوات المسلحة... لا نعرف في الحقيقة لماذا يبالغ الطاهر بنجلون في التطبيل لديموقراطية وحداثة وحرية لا يترجمها الواقع المغربي، لماذا يرى الرجل فقط هذه التحولات «الرائعة» التي تتراقص أمام عينيه ويغض الطرف عن التضييق الذي تعرضت له الحركات الاحتجاجية في المغرب خلال الفترة الأخيرة؟ وعن الطريقة التي روجت بها الدولة لدستورها الجديد، حيث استعانت بالمتشردين والمنحرفين في حملاتها التي لا تمت للحداثة بأية صلة؟ لماذا أغمض صاحب «تلك العتمة الباهرة» عينيه مثلا عن اعتقال الصحافي رشيد نيني أشهر كاتب عمود في المغرب وعن موت كمال العماري أحد أعضاء حركة 20 فبراير الذي فقد حياته جراء ما تعرض له من ضرب واعتداء من طرف رجال «الأمن» بمدينة آسفي؟ حين أصدر بنجلون كتابه الأخير «الربيع العربي – عن استعادة الكرامة العربية» وصفه نيكولاس بندر أحد النقاد الألمان ب«صاحب أخلاق البلاط» وب«الكاتب الانتهازي الذي يركب موجة الثورة»، وعاب عليه هذه الحماسة الزائدة للقصر الملكي بالمغرب، بل اعتبره نموذجا ل«نظام الحماية القديم وفساد المثقفين»، ويبدو أن هذه الأحكام تكاد تتأكد للمهتمين بالشأن الثقافي والسياسي في المغرب لأن «طلعات» الطاهر بنجلون الكثيرة من خلال التلفزيون والصحافة في الفترة الأخيرة أصبحت تثير الشك بالفعل. عن السفير اللبنانية