على الرغم من الطفرة الكبرى التي حققتها الدبلوماسية الملكية وجنود الظل التي توجت بعودة المغرب إلى بيته الإفريقي، فإن هذا النجاح يبقى في اعتقادنا غير كاف إذا كان المغرب يتطلع فعليا إلى تقوية قدرات هياكل الاتحاد الإفريقي عبر نشر طاقاته البشرية الحية وخبرائه داخله، من خلال استثمار حضوره المكثف بقوة في أفق تحقيق رؤية 2063 للقارة السمراء، الشيء الذي يبرر مدى حاجة البلاد اليوم إلى خوض معركة أخرى جديدة تتمثل في الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر في صيرورة دعم الدبلوماسية المغربية برمتها على الصعيدين العالمي والقاري. غير أنه ينبغي الاعتراف بضعف الحضور المغربي في المنظمات الدولية والجهوية، خلافا لنماذج وتجارب بعض الدول الشقيقة والصديقة. الأمر الذي كلف البلد ضياع الكثير من الوقت والمال في التعريف والإقناع والتأثير والحسم في بعض قضاياه المصيرية. وهذا راجع في اعتقادنا إلى ضعف مهول في تقاسم المعرفة الدبلوماسية وتداول التجربة المكتسبة وتبادلها بين الخبراء المغاربة والمواطنين، وعجز انخراط كل الفاعلين من حكومة وبرلمان ومقاولات وأحزاب ومجتمع مدني في صياغة مذهب ورؤية دبلوماسية مغربية متجددة عالمة استباقية، فاعلة ومؤثرة. ومما لاشك فيه أن تعقد وتعدد الدبلوماسية وتشابك آليات ونطاق تدخلاتها، في زمن مضطرب يتميز بالهشاشة ومكافحة التطرف والإرهاب، يستلزم وضع ميثاق وطني لدبلوماسية فاعلة أكثر صرامة وشفافية وعدلا وإنصافا في صيرورة اكتشاف وإنتاج وإعادة إنتاج الكفاءات والخبرات الوطنية، يعتمد المعرفة والقوة الناعمة في التبادل الثقافي والعلوم الإنسانية، الشيء الذي يقتضي الاستثمار أساسا في قدرات الإبداع لتلبية مطالب جيل الشباب والتأسيس لقيام قادة جدد للدبلوماسية الخارجية عمادها الاستثمار في الدبلوماسية الاقتصادية والثقافية والعلمية والتكنولوجية الرقمية والتواصل واكتساب اللغات الأجنبية. وهذا كفيل بتثبيت المكانة الدولية للمغرب في المنظمات والمؤسسات العالمية عبر تبني استراتيجية مندمجة وشاملة قوامها الحكامة والمعرفة والنفس الطويل والقدرة على الإقناع والتأثير؟ وما ينبغي اليوم القيام به في خضم التحولات الدولية العميقة التي تعرفها منظومة الإنتاج العالمية -فكرا وفلسفة -هو نشر المعرفة الدبلوماسية وتبادلها وتقاسمها بين كل المتدخلين الرسميين وغير الرسميين ضمن قواعد الانفتاح والشفافية والتفاعل مع القوى الحية والرأي العام لتحسين الصورة حتى يفهمنا الآخر، ثم العمل بروح الفريق وعدم التنافس بين مختلف الفاعلين الدبلوماسيين في الأسرة الواحدة؛ لأن المنافس هنا قد يربك العمل ويضر بروح الفريق. ونسوق في هذا المقال عشر (10) توصيات أساسية بشأن التحديات والفرص المتاحة للمغرب في تقاسم المعرفة وتداول التجربة في أفق اكتشاف الاتحاد الإفريقي من أجل تقوية قدرات البلد ومكانته الدبلوماسية، سواء على المستوى الدولي أو القاري والجهوي. 1-ضرورة بلورة رؤية استراتيجية للعمل الدبلوماسي والوعي بمدى أهمية حضور الكفاءات المغربية -في شتى مستوياتها الوسطى والعليا-في المنظمات الدولية والجهوية؛ وذلك من أجل دعم كامل ومانع لهذه الكفاءات والخبرات الوطنية لشغل مناصب دولية، وفق خطة محكمة قوامها الكفاءة والاستحقاق والشفافية والأداء في تقاسم المعرفة وتداول التجربة المكتسبة. وهذا رهين بإنتاج إحصائيات كمية ونوعية حول الخريطة الدبلوماسية المغربية الدولية وحكامتها ومنظوماتها المؤسساتية والبشرية والتواصلية والإعلامية والمهنية والعلمية واللغوية والمالية وخططها وإنجازاتها وأدائها، ثم بوضع بنك للمعلومات لتحديد الاستراتيجيات وضبط الحاجيات وخطط الدعم والمساندة اللازمة لحضور مكثف للخبراء والكفاءات المغربية في المنظمات الدولية... إن الأمر يتطلب تشخيصا شاملا لحالة الأمكنة للدبلوماسية المغربية في شتى تجلياتها، من خلال إبراز نقط قوتها ومكامن ضعفها عبر إنجاز "كتاب أبيض" في الموضوع، يكون بمثابة خريطة طريق. 2-تنمية الإرادة وقيم الخيال والإبداع في اتخاذ المبادرة والشفافية والتنسيق بين الهياكل التنظيمية للدبلوماسية الرسمية والموازية في مجال دعم الكفاءات الوطنية (التباري الدولي) والحضور المغربي في المحافل الدولية بما فيه الكفاية. ويتمثل النقص والقصور في غياب بنك للمعلومات حول الخبراء المغاربة في شتى الميادين العلمية والتكنولوجية والإعلامية والاقتصادية والقانونية والقضائية والرقابية والصحية والبيئية والزراعية والرياضية والثقافية والفنية، فضلا عن المعيقات التنظيمية وهشاشة أو نقص المواقع الالكترونية والإعلامية للدبلوماسية الرقمية (الترتيب المتدني للمغرب في الرتبة 90 ضمن الترتيب الرقمي الدولي لعام 2016 الذي شمل 210 دول، بعيدا وراء إفريقيا الجنوبية (51) ومصر (63) وفلسطين (72) وإثيوبيا (76) وروندا(80) وافغانستان (86) وباكستان (88). ومن جهة أخرى يلاحظ أن الكفاءات التي نجحت في تبوؤ مكانة دولية مرموقة (غير رسمية) غالبا ما خاضت معركتها لوحدها في غياب الدعم اللازم من طرف الدولة وهياكلها وقنواتها الدبلوماسية. كما نجد أن الدعم الرسمي في غياب منافسة حقيقية عامة ما يكتفي بالعلاقات الزبونية الشخصية والعائلية والحزبية على حساب قيم الاستحقاق والانجاز والإشعاع الدولي الذي يمكن أن يجنيه المغرب لو اعتمد الكفاءة الحقيقية في ايلاء المسؤولية إلى أهلها. ناهيك عن هيمنة بعض الظواهر الشاذة المتمثلة في عدم المساندة أو التحفظ أو حتى الاعتراض الصريح أحيانا من الداخل أو في الكواليس على الترشيحات الفردية للكفاءات المغربية في تقلد مناصب دولية، وهو سلوك يرتبط ببعض العقليات الإدارية السلطوية المتخلفة ويحتاج إلى دراسة سوسيولوجية عميقة للوقوف عن مسبباتها وآثارها السلبية على تطور الدبلوماسية المغربية برمتها. 3-وضع وبلورة استراتيجية وطنية أو "ميثاق دبلوماسي وطني" لأجل بناء القدرات الدبلوماسية المغربية من أجل إعداد الأجيال المقبلة من الشباب لتحمل مهام دبلوماسية عالمية قوامها المنافسة الشريفة وتتبع التدرج الوظيفي-وطنيا ودوليا -والتقييم المستمر. فالدبلوماسيون المغاربة غالبا ما لا يكتبون مذكراتهم مخافة من عدم احترام السر المهني لكونهم يعتبرون أنفسهم مجرد موظفين محكومين بالسرية وبالتحفظ والتبعية للسلم الإداري طيلة حياتهم المهنية، وحتى بعد بلوغهم سن التقاعد نجدهم يتبرمون من إبداء رأيهم في قضايا دولية، الشيء الذي من شأنه أن يحرم الأجيال الصاعدة من الاضطلاع على تجاربهم (إن كانت لهم فعلا قدرة أو خبرة راكموها في إدارة الأزمات تستحق أصلا النشر والتداول، يعني تقاسم المعرفة الدبلوماسية). 4-ضرورة تجاوز عقلية تدبير دبلوماسية بمسلكيات علاقات الزبونية والشخصية والحزبية والعائلية في اقتسام الغنيمة (الدبلوماسية) التي تطبع غالبا شغل مناصب معينة غير مستحقة تستلزم، خلافا لذلك، الكفاءة والتواصل واكتساب الإنسانيات والثقافة العامة وإتقان اللغات الأجنبية. وفي كثير من الأحيان ما يقترح أشخاص ما لمهمة دبلوماسية لمجرد التخلص منهم وإبعادهم، لاسيما عند الاستعداد لاقتسام الغنيمة الحزبية أثناء تشكيل الحكومة، ويكون الخاسر هو الوطن لأن المبعد لا يوجد في مكانه الطبيعي (ضعف أو غياب التكوين الملائم، عدم اكتساب اللغات الأجنبية، عدم الإلمام بالمنظومة الدولية والثقافات المحلية أو الدبلوماسية الاقتصادية). 5-إنتاج ومساندة الكفاءات الدبلوماسية اللازمة، وتقديم رجالات الدولة من رؤساء الحكومات والوزراء والدبلوماسيين والبرلمانيين والجامعيين والعلماء المرموقون في التباري للترشح لمناصب دولية وجهوية وقارية، علما أن غياب المغرب عن الاتحاد الإفريقي طيلة 33 سنة جعل أغلب أعضائه يكتسبون تجربة ومكانة دبلوماسية في تقلد مهام داخل هياكل الاتحاد أو خارجه؛ حيث يصعب علينا اليوم منافستهم، اعتبارا لاكتسابهم خبرة طويلة أو قيامهم بإبرام شراكات تعاون أو حضور دبلوماسي وازن ضمن منظمات دولية أخرى لم يطأ أرضها أحد بعد من دبلوماسيينا. مما لا شك فيه أن كل تأخر في تكوين رصيد دبلوماسي ومخزون بشري نوعي مغربي ينجم عنه عدم قدرة بلدنا على متابعة التباري الدولي، اعتبارا لضعف أو غياب مرشحين في القيام بإنجازات كبرى دولية أو وطنية يحملون في جعبتهم أفكارا ومذاهب ونظريات وإبداعات فكرية إنسانية أو مذهبية مؤثرة قد تميزهم عن باقي المرشحين الدوليين. ونذكر على سبيل الإيضاح مدى صعوبة البلد في غياب تقاسم المعرفة والتداول للعمل الدبلوماسي إنتاج قدرات عالمية من طينة الأستاذ الجامعي الدكتور أحمد داود اوغلو، وزير الخارجية ومهندس السياسة الخارجية التركية، عبر تأليفه لعدة نظريات فقهية ودبلوماسية في العلاقات الدولية، تعتبر حقا مراجع دولية كبرى في الدبلوماسية الجديدة للقرن الواحد والعشرين، فهو صاحب كتاب "العمق الاستراتيجي" الذي حدد موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، وتقلد مهام رئيس الحكومة في تركيا مع حزب العدالة والتنمية، أو كتابات الدكتور عبد الهادي بوطالب، صاحب مؤلف "نصف قرن في السياسة"، الذي أبان، من خلال أعماله المهنية والعلمية المتميزة ومواقفه، عن معالم دبلوماسية شجاعة في التعبير عن المعيقات والدسائس وشروط تجاوزها. ويمكن ذكر الدبلوماسي الفرنسي البارز دومنيك فيلبان، وزير الخارجية والوزير الأول الفرنسي، الذي كتب مذكراته مؤخرا، ضمن مؤلف "مذكرات السلام" أبرز فيه عصارة تجربته الدبلوماسية الطويلة والغنية واقتراحاته بشأن بناء نظام دبلوماسي دولي جديد عماده السلم والحوار والوساطة بدل إشعال نار الحروب، مركزا على مقاربة دولية مقارنة حول أوجه الهشاشة وهويات الجروح والمعاناة في العالم، لاسيما في الشرق الأوسط وإفريقيا. فضلا عن الكتابات الجريئة للوزير الأول السابق عبد اللطيف الفيلالي "المغرب والعالم العربي"، المتضمنة لأفكار نيرة حول إنجازات ومعيقات الدبلوماسية المغربية، أو لمعان القاضي والجامعي الدكتور محمد بنونة بمحكمة العدل الدولية بلاهاي، والدبلوماسي والقاضي والكاتب الحقوقي الجزائري الدكتور محمد بجاوي الذي يشاع أنه كان له باع في إعداد ميثاق الاتحاد الإفريقي. فأين نحن من إنتاج أمثال هؤلاء الفطاحلة الأفذاذ وغيرهم الذين كان لهم علو كعب في نوازل الدبلوماسية الدولية؟ 6-ضرورة بناء مذهب دبلوماسي مغربي براغماتي ونظري معروف دوليا بشتى اللغات العالمية الحية يعمل على تفعيل القيم والمبادئ كما جاءت في تصدير دستور 2011، من شأنه المساهمة في إثراء الفكر الإنساني العالمي في مجال القانون الدولي، الدستور الذي جعل الاتفاقيات الدولية تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية. 7-الاستثمار في خلق وزارة مكلفة بالدبلوماسية الاقتصادية والاتحاد الإفريقي وضمان انفتاح القطاعات الوزارية الأخرى، كالخارجية والمالية والتجارة، على الجامعات وعلى مراكز الفكر والخبراء والمجتمع المدني ومغاربة العالم في الشتات بما فيه الكفاية، من أجل إنتاج وتنمية فكر دبلوماسي عالمي منفتح موضوعي وعالم، قوامه الاستحقاق والفعالية والأداء والشفافية والوضوح. وينبغي أن يمتد هذا الاستثمار إلى تطوير الدبلوماسية البرلمانية والجامعية والثقافية. ويبدو لنا أنه كما جاء في الرسالة السامية للمغفور له الحسن الثاني، عام 1993، إلى الوزير الأول السيد محمد كريم العمراني أن من أسباب ضعف دبلوماسيتنا بقاء العون الإداري المسؤول في منصبه ومركز عمله مدة طويلة، مما يترتب عنه في غياب المراقبة الداخلية والخارجية والتتبع، نشوء عادات تخل بحسن تدبير الدبلوماسية، الشيء الذي يؤدي إلى بروز ظاهرة الرتابة والتراخي ورداءة الحكامة للمرافق والمصالح المغربية في الخارج، كما أوضح الخطاب الملكي الأخير بشأن تدبير السفارات والقنصليات، أو كما حدث مؤخرا في أحد السفارات في الاتحاد الإفريقي أثناء الزيارة الملكية لبعض الدول الإفريقية. مما يستلزم تحديد مدة زمنية للعون على رأس الدبلوماسية. ومما لا شك فيه أن "نسيان الدبلوماسي" على رأس مرفق معين مدة طويلة في منصبه، وعدم تحديد فترة زمنية لعهدته، سيجعله يحس بالفتور، الشيء الذي ينتج عنه براثن كثيرة للدبلوماسية الرسمية والموازية في غياب الدعم اللازم وعدم تغذيتها بدماء جديدة في تداول المسؤولية والتجربة. 8-إحداث خلية تفكير وعمل تمكن المغرب من خوض هياكل الاتحاد الإفريقي وباقي المنظمات الدولية المتخصصة بفعالية، وأداء والسهر على تغذيتها بالأطر والكفاءات المؤهلة وفق قيم الشفافية والاستحقاق والإنصاف والمساءلة والتتبع. 9-مراجعة برامج ومقررات الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية وإعادة هيكلة واشتغال المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية وإنشاء تخصصات جديدة في الجامعات المغربية ومؤسسات البحث العلمي، فضلا عن إخضاع الدبلوماسيين لمباراة وطنية في شغل مناصب دبلوماسية أو قنصلية أمام هيئات محايدة وكفؤة ومتنوعة ومتعددة التخصصات تمكن من انتقاء الشخصيات، سواء منها المنتمية للأسلاك الدبلوماسية أو خارجها، بناء على خطة عمل وبرامج ملموسة - عمادها التعاقد والنجاعة وتقييم النتائج، وفق فترة زمنية محددة - كفيلة بتطوير أداء السفارات أو القنصليات أو المنظمات التي يرغبون في الاشتغال بها وليس بناء على علاقات شخصية حزبية أو عائلية ضيقة، علاوة على الوقوف على مدى اكتساب المتبارين للغات الأجنبية. أما على المستوى الدولي فينبغي توفر الكفاءات المغربية على الإشعاع الدولي المطلوب طبقا للمواصفات والمعايير الدولية المعمول بها في التباري. فعلى سبيل المثال يلاحظ على مستوى القارة الإفريقية ظهور جيل جديد من القيادات الدبلوماسية التي لا يستطيع المغرب منافستها في الأمد القصير إلا بحجز أماكن وكسب صدى في المحافل الدولية، فضلا على توفر ركن مساندة الدول الإفريقية له. لقد تنافس على رئاسة المفوضية خمسة مرشحين كلهم وزراء خارجية؛ من كينيا أمينة محمد، ومن بوتسوانا بيلونومي فينسون مواتوا، والسنغالي عبد الله باتيلي، ومن تشاد موسى فكي، وأجابيتو أما موكي من غينيا الاستوائية. وكان المرشحون مطالبون في تمثيلهم للاتحاد الأفريقي بالقيام بالزيارات الميدانية وعرض تصوراتهم حول تعزيز الجهاز الاستراتيجي للاتحاد. كما ينبغي أن يكونوا فعالين في قيادة التغيير بأفريقيا، وفق رؤية 2063 الاقتصادية والإنسانية للقارة. فالمرشحة الكينية أمينة محمد جبريل مثلت الشخصية الثانية للبرنامج الأممي للبيئة، كما تقلدت منصب رئيسة المنظمة الدولية للهجرة والمجلس العام لمنظمة التجارة العالمية وأمين عام مجلس الوزراء للشؤون الخارجية في كينيا. فضلا عن إدارتها لأزمات معقدة، مثل الحرب الأهلية في جنوب السودان ومواجهة جماعة الشباب في السودان. وذكر موقع "ستاندارد ميديا" الجنوب أفريقي أن بلدها بذل جهدا كبيرا وصرف موارد مهمة لضمان حجز المقعد لمرشحته. أما المرشح السنيغالي عبد باتيلي فقد شغل منصب نائب ممثل بعثة الأممالمتحدة في وسط أفريقيا، وهو مزدوج اللغة فرنسي-انجليزي. وفيما بخص المرشح التشادي موسى فكي، الذي فاز برئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي يوم 30 يناير 2017 خلفا لنكوسازانا دلاميني زوما من جنوب أفريقيا، فهو خريج مدرسة التدريب على الطيران في حلف شمال الأطلسي، وسبق له أن ترأس مجلس الأمن في ديسمبر عام 2014. وهو، فضلا على ذلك، يتكلم ثلاث لغات: الانجليزية والعربية والفرنسية. 10-بلورة حكامة دبلوماسية في مجال تقييم السياسات الحكومية والبرامج والخطط والمساءلة واكتساب اللغات الأجنبية: الحكامة الجيدة للدبلوماسية تعد مفتاح نجاح الحضور المغربي في المنظمات الدولية، وتتجلى في التقييم المستمر للعملية الدبلوماسية سواء لبرامج الدولة أو الأفراد القيمين عليها، وفق مبادئ الأداء والنتائج والفعالية. وبصفة خاصة يعد اكتساب اللغات الأجنبية مفتاح ولوج المنظمات الدولية، الشيء الذي يستلزم وضع برامج تكوينية لكل الفاعلين الدبلوماسيين من وزراء وبرلمانيين ومجتمع مدني. فعلى سبيل المثال نجد أن الأمين العام الحالي للأمم المتحدة البرتغالي أنتونيو غوتيريس، مفوض الأممالمتحدة السامي السابق لشؤون اللاجئين، يتكلم أربع لغات: الانجليزية، الفرنسية والاسبانية ولغة الأم البرتغالية. إن من حق المغرب أن يقدم يوما ما ترشيحه لشغل بعض المناصب الدولية، مثل مفوضية الاتحاد الإفريقي ونوابها أو الأمانة العامة للأمم المتحدة أو باقي المنظمات المتخصصة الدولية أو الإقليمية. وهذا التباري الدبلوماسي الوطني أولا والطموح إلى إنجاز إشعاع عالمي ثانيا يحتاج في نظرنا إلى تهيئ وتكوين كفاءات مؤثرة عالمية، وفق مواصفات عالية الجودة-مهنيا وعلميا -ويحتاج إلى تخطيط ونفس وإعداد الطاقات البشرية اللازمة. ومما لا شك فيه أن اكتساب اللغة يعد دائما حجر الزاوية في العمل الدبلوماسي برمته. إن من شأن الإقبال على تعلم اللغات الأجنبية الحية وطلب العلم أن يوجه سلوك الدبلوماسيين الراغبين في التباري الوطني والدولي إلى توسيع مداركهم والتزود بزاد المعرفة والعلم، بدل التوجه إلى دق باب وسيط حزبي أو إداري أو عائلي للتدخل في إفساد عمليات التباري النبيلة هذه. وهذا المنحى الجديد يمكن أن يلعب، في اعتقادنا، دورا استراتيجيا وبيداغوجيا رياديا في تكريس قيم الثقة والمثابرة في نفوس الفاعلين، وكذا باقي فصائل المجتمع، في صيرورة اكتشاف وإنتاج الدبلوماسية المغربية في إعداد الأجيال المقبلة التي ستدرك أن شيئا ما قد تغير. ولقد صدق من قال: بقدرِ لغاتِ المرءِ يكثرُ نفعهُ، فتلكَ لهُ عندَ الملماتِ أعوانُ تَهافَتْ على حِفْظِ اللّغاتِ مُجاهداً، فكلُّ لِسانٍ في الحَقيقَة ِ إنسانُ. *أستاذ بجامعة محمد الخامس- الرباط- رئيس مؤسس للمركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والحكامة الشاملة