شكل التعيين الملكي لعدد من الولاة والعمال الجدد يوم الثلاثاء 21 يناير 2014 بالقصر الملكي بمراكش حدثا متميزا على الساحة الوطنية ليضاف إلى الأوراش الوطنية الكبرى والإصلاحات العميقة التي شهدنها المملكة المغربية بفضل التوجيهات الملكية السامية في مختلف المجالات مند انطلاقة العهد الجديد سنة 1999، ومن بينها المجال الدبلوماسي . هذه التعيينات التي تهم ، حسب البلاغ الصادر عن الديوان الملكي عددا من الولاة والعمال، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والاستحقاق، والخبرة والاستقامة والحرص على خدمة الصالح العام . وهي تندرج كذلك حسب ، نفس البلاغ ، في سياق التوجيهات الملكية السديدة والمفهوم المتجدد للسلطة الذي أسس لها العاهل المغربي والقاضي بتعزيز الحكامة الترابية، القائمة على سياسة القرب والعمل الميداني، والإصغاء إلى المواطنين والعمل على التجاوب مع انشغالاتهم والانكباب على أوراش التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية. ولعل ما دفعني إلى الكتابة حول الحكامة الدبلوماسية، ناهيك عن الرغبة الصادقة في فتح نقاش بناء في الموضوع ،هو المساهمة في تأسيس وبناء حكامة دبلوماسية حقيقية تعتمد مبدأ التدوال على مناصب المسؤولية وإعطاء الفرصة لكل من تتوفر فيهم المؤهلات من دبلوماسيين ودبلوماسيات للمشاركة في بناء الصرح الدبلوماسي المغربي ، عوض احتكار المناصب من طرف فئة معينة لمدة سنين طويلة وفيها إقصاء واضح لجيل من الدبلوماسيين من أهل الكفاءة والخبرة الدبلوماسية والقنصلية والتجربة الميدانية ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر مجموعة من القناصل العامون الذين تم الاستغناء عن خدماتهم بحكم التقاعد الإداري وهم في أوج عطاءاتهم دونما أدنى اعتبار أو عناية . ومن باب التوضيح ، لابد من الإشارة إلى أن الموضوع المقصود هنا بالحكامة الدبلوماسية لايعني بالطبع مجال السياسة الخارجية للدولة التي لها خبراؤها وحكماؤها ، بقدر ما يعني أسلوب تدبير وتسيير الآلة الدبلوماسية والجهاز الدبلوماسي في شقه الإداري والبشري والمادي باعتبار أن الحكامة الجبدة هي شرط موضوعي ودعامة أساسية لنجاح الدبلوماسية الرسمية . وهو الشئ الذي أسس له دستور 2011 الذي جاء بمثابة قفزة نوعية على درب تكريس المجال الحقوقي والديمقراطي ببلادنا ، فأعطى بذلك لموضوع الحكامة مكانة متميزة من خلال دسترة هيئات الحكامة الجيدة ، وهوما شكل إطارا دستوريا وقانونيا بل وأسس لثقافة جديدة في مجالات عدة لعل من أهمها مبدأ التعيينات في المناصب العليا وفق منظور جديد يضمن تكافؤ الفرص للجميع . تلك الحكامة التي تقتضي ،وفق تعريف الفقهاء ورجالات القانون، إرساء أساليب جديدة في التدبير والتسيير وتستوجب إلى جانب ذلك وضع آليات للمحاسبة والمسائلة في جو من الشفافية والديمقراطية ، باعتبار أن الحكامة هي أسلوب وثقافة وممارسة وجودة في تدبير الشؤون العامة في هذا المجال أو ذاك وليست شعارا أو واجهة نستعملها عند الحاجة . وبالتالي ، فإن الحديث عن الحكامة الدبلوماسية يتطلب من جملة ما يتطلب توفير المعايير الموضوعية والشروط اللازمة لإضفاء صفة الحكامة الدبلوماسية على أي جهاز دبلوماسي وفي أي نظام كان . والأسئلة التي ظلت تخامرني باعتباري دبلوماسي سابق له غيرة على هذا المجال هي كالتالي : أما آن الأوان بالنسبة للجهاز الدبلوماسي المغربي أن يؤسس لحكامة دبلوماسية تمكنه من إعادة النظر في الأسلوب المعمول به منذ سنين خلت وفق منهجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار المنظور الجديد للدبلوماسية المغربية في عهدها الجديد ، مع كل ما يتطلبه ذلك من تحديث للإدارة ومن بينها بطبيعة الحال الإدارة الدبلوماسية بمختلف أبعادها الإدارية والبشرية والمادية ، من خلال حوكمة أساليب ومناهج العمل الدبلوماسي وصولا إلى الدولة الحديثة التي تسعى بلادنا إلى تحقيقها . أما آن الأوان بأن يكون لكل إطار دبلوماسي مغربي مسلكا مهنيا يحدد مساره الدبلوماسي ويرسم معالم مستقبله . أما آن الأوان لتطبيق مبدأ التداول على المناصب الدبلوماسية للإستفادة من تجربة كفاءاتنا وطاقاتنا الدبلوماسية التي تحال على التقاعدالإداري في سنها الستين وهي في أوج عطائها الدبلوماسي في وقت تظل فئة ثانية آمنة مطمئنة في موضعها لحد الآن . أما آن الأوان لقراءة موضوعية لقائمة بعثاثنا الدبلوماسية في الخارج تستهدف هيكلة جديدة للخريطة الدبلوماسية بنفس جديد ودم جديد يتلاءم و التوجه الجديد للدبلوماسية المغربية . كلها أسئلة آنية وعاجلة وملحة تنتظر الجواب واليوم ، وقد انخرطت بلادنا دستوريا في مجال الحكامة كورش إصلاحي متقدم ، فإننا مطالبون ، من أجل رفع التحديات التي تواجه بلادنا وطنيا ودوليا ، بضروة الإنخراط كليا في هذا الورش الإصلاحي من خلال مواصلة التعبئة الشاملة بخطى ثابثة نحو تحقيق و ترسيخ المزيد من الحكامة الاقتصادية والاجتماعية والترابية وغيرها إلى جانب الحكامة الدبلوماسية كإطار قانوني ودستوري يدعم الإصلاحات العميقة التي تشهدها بلادنا . ولتحقيق ذلك ، علينا أن نقتنع ونؤمن بالحاجة الملحة والضرورية إلى حكامة دبلوماسية فاعلة تعتمد أسلوبا جديدا في التسيير والتدبير نحو تحقيق الأفضل . علينا أن نعلم أن الآلة الدبلوماسية المغربية لها كفاءاتها ولها قدراتها وطاقاتها وهي قادرة اليوم على المساهمة في اللإخراط و تفعيل مبدأ الحكامة الدبلوماسية . تلك الحكامة التي تهدف إلى وضع الدبلوماسي الملائم في المكان الملائم وفي الوقت المناسب . تلك الحكامة التي تعتمد الاختيارالجيد للكفاءات وفق معايير وشروط موضوعية لاتقبل التجزئة . وأخيرا إن الحكامة الدبلوماسية هي ثقافة وأسلوب وممارسة ،هي تأهيل وتكوين مستمر،وهي في النهاية تدبير وعقلنة للموارد البشرية والمادية غير أن تحقيق كل هذه الأهداف، والقيام بمختلف المهام الدبلوماسية الوطنية على الوجه الأمثل،كما جاء في نص الرسالة الملكية الموجهة لندوة السفراء يوم 30 غشت 2013 ،رهين بإيلاء العنصر البشري التأهيل الملائم، وترشيد محكم للموارد المادية، واتباع منهجية عمل وإجراءات مضبوطة. - دبلوماسي