في مداخلته بمناسبة انطلاق الدورة الأولى للجامعة الصيفية لنزلاء المؤسسات السجنية، شهرا قبل نهاية سنة 2016 عبر محمد صالح التامك عن استيائه من ارتفاع معدل المعتقلين احتياطيا الذي يشكل نسبة 42 % عند متم كل شهر، وأنه يتم الإفراج عن 20 % منهم سنويا، بمقررات قضائية موجبة للإفراج، ومنها البراءة، ويتجاوز عدد المفرج عنهم بموجبها 3000 سجين، مشددا على ضرورة إعمال بدائل للعقوبات السالبة للحرية في شأن الجنح التي تستوجب إدانة بعقوبات حبسية تقل عن سنتين، وهو ما سيمكن معه تفادي الزج بكل المعتقلين داخل السجون، مما سيخفف من حدة الاكتظاظ الذي تعانيه جل المؤسسات السجنية، وما يترتب عنه من «آثار سلبية وناسفة» لكل جهود الإصلاح المبذولة خدمة للسجناء. وبخصوص المعطيات الجنائية للسجناء، أوضح أنه من خلال الاحصائيات المتوفرة لدى المندوبية العامة حول المحكومين منهم نهائيا، أن 50 % منهم تمت إدانتهم بعقوبات حبسية تقل عن سنتين ما يشكل تقريبا 21000 سجين، كما أن 30 % منهم أدينوا بعقوبات حبسية تقل عن سنة واحدة وعددهم 12000 سجين. لم ينتبه التامك، وهو ينادي ببدائل الاعتقال الاحتياطي، أن أغلب القضايا التي يتم فيها الاعتقال تكون عقوبتها تتجاوز السنتين، وأن العمل القضائي، وقناعة القاضي، والظروف الاجتماعية... ووو، هي التي تجعل أن عددا كبيرا من الأحكام في قضايا الجنح التلبسية تقل عن سنة أو سنتين. ولم ينتبه التامك إلى أنه لا يجوز ربط نسبة المفرج عنهم، والذين يكون أغلبهم بسبب تفريد العقوبة التي يقضيها المتهم قبل صيرورة الحكم نهائيا فيغادر المؤسسة السجنية، للقول بعدم جدية الاعتقال، لأنه كان جديرا به الوقوف على نوعية الجرائم التي تحدث عن أصحابها، ليجد أكبر نسبة منهم قد توبعوا من أجل السرقة أو النصب أو الاتجار في نوع من أنواع المخدرات؛ والتي ستصبح قريبا بحكم التطبيع معها جرائم عادية جدا لتنحوا هي الأخرى منحى جرائم سابقة كجريمة الفساد مثلا؛ ليحدد بعد ذلك باستحضار ثقافة المجتمع ومنغصات حياة هذا المجتمع من تلك الآفات/الجرائم، قبل الحديث عن استحقاق عدم الاعتقال، وأنا على يقين أنه لو فعل لما قال ما قال. ولو أتيحت للتامك فرصة العمل لأسبوع فقط بمصلحة التقديم بأية نيابة عامة بمحاكم المغرب،أو مارسة مهنة المحاماة ليوم واحد بذات المصلحة، لعلم أن نسبة المعتقلين لا تجاوز على الإطلاق 10 بالمائة من مجموع المقدمين، وأن الأغلبية الساحقة إنما تتابع في حالة سراح. ولقد نسي التامك، وهو يدغدغ مشاعر السجناء، أنه خلال منتصف نفس السنة 2016، كتب ردا على تقرير أنجزته كتابة للدولة الأمريكية انتقد ظاهرة الاكتظاظ بالسجون المغربية، جاء فيه بالحرف، كون التقرير «يدين ظاهرة الاكتظاظ التي تعرفها سجون المملكة، بيد أنه لا يقدم حججا وأدلة كافية حول حقيقة هذه الظاهرة، إذ أنها لا تهم سوى عدد محدود من السجون”، مشيرا إلى أن المندوبية العامة قامت بإعداد برنامج خاص يهدف إلى تجديد وتوسيع حظيرة السجون، وذلك بإغلاق السجون القديمة واستبدالها بمؤسسات سجنية جديدة، حيث أصبحت السجون الجديدة تستقبل النزلاء في حدود الأسرة المتوفرة بها، و”لا يمكن في هذه الحالة الحديث عن معايير دولية ومحلية لإيواء السجناء، لأن كل بلد معاييره الخاصة في ما يخص إيواء السجناء». وبعدما تحدث عن مجهوداته في الموضوع كان قال أنه “بتحديدها لعدد الأسرة التي توفرها بكل مؤسسة سجنية جديدة، فإن المندوبية العامة تكون قد استجابت لحاجياتها الخاصة في ما يخص معالجة مشكل الاكتظاظ وبالاعتماد على معاييرها الخاصة”. وأشار إلى أنه في سنة 2015، تم افتتاح عشرة سجون بطاقة استيعابية تقدر ب 9000 سريرا، كما سيتم افتتاح ثلاثة سجون أخرى في غضون شهر يوليوز القادم بطاقة استيعابية تقدر ب 4013 سريرا. هذا بالإضافة إلى خمس مؤسسات سجنية أخرى في طور البناء بطاقة استيعابية تبلغ 5916 سريرا. وعلاوة على ذلك، وضعت المندوبية العامة برنامجا لبناء خمسة وأربعين سجنا بطاقة استيعابية تقدر ب 55572 سريرا سينجز في الفترة الممتدة ما بين 2016-2020. ستة أشهر من رد التامك الوردي على التقرير الأمريكي، بدأ يتحدث عن الاكتظاظ والدعوة للإعمال غير المعقلن لبدائل الاعتقال الاحتياطي. وأوضح التامك مرة أخرى وهو يتحدث عن الوضعية الاجتماعية والنفسية للساكنة السجنية، أنها تتسم بالضعف والهشاشة على جميع المستويات، إذ أن أكثر من 80 % من السجناء يقل مستواهم التعليمي عن الإعدادي بالإضافة إلى أن أكثر من 70 % إما عاطلون أو يمتهنون حرفا ومهنا بسيطة لا تكفل الاستقرار المادي والاجتماعي لهم، فضلا عن حاجة جلهم إلى المصاحبة النفسية والاجتماعية على قدر وازن من الاحترافية والتخصص. وإذا علمنا أن هذه الشريحة من نزلاء السجون المغربية، التي دغدغ مرة أخرى السيد المنذوب السامي مشاعرها، وسماها « ساكنة سجنية» تعيش أغلبها البؤس خارج أسوار السجن، ويسكن أغلبها رفقة أسرهم بسكن اقتصادي مساحته تبتدئ من 36 مترا مربعا، أو ببيوت مشتركة غير لائقة عبارة عن غرف، أو بأحياء صفيحية تتوالد يوما عن يوم، وعلمنا أيضا أن السيد التامك يسعى إلى اعتماد المعاير الفرنسية والوصول لتحقيق معدل 11 متر لكل سجين، سنعرف أن نزلاء السجن فعلا سيصبحون « ساكنة سجنية» مقاربة مع عائلاتهم « النزلاء غير السجنيين» وهو ما سيدفع لا محالة إلى الاكتظاظ المستمر والدائم في سجن يستحق أن يكون فضاء لاستجمام فئة معينة من المجتمع. لم يصب التامك ومنذوبيته كبد الحقيقة، عندما لم يعطي إحصائيات دقيقة عن عدد نزلاء السجون الذين يغادرون ويعودون للسجن، ويقارنه بالنزلاء الموجودين حاليا لأول مرة، ويميز بين نسبة السجناء الذين خرجوا من السجن ولم يعودوا، وأولئك الذين يرتادونه باستمرار، ولا يكادون يخرجون حتى يعودوا لأماكنهم التي تركوها تحت رعاية أحد أصدقائهم بؤسسات التامك. لنعلم جميعا أن سبب اكتضاض السجون هو فشل السياسة العقابية، وتفشي الرشوة والفساد التدبيري، وفقدان حس الانضباط المتأسس على الوضعية الاعتبارية للإطار السجني لذا السجين. باعتماد مصطلح « الساكنة السجنية» التي تفيد الاستمرار والدوام، في مقابل لفظة « نزلاء السجون» والتي تفيد صفة مؤقتة وغير مستمرة، سنعي بأن جوهر المشكل أيضا، كون السياسة المتبعة في إصلاح منظومة السجن بالمغرب لا تعتمد على خلفيات منهجية متينة، إنها فلسفة إصلاح تصنع للسجن زبناء، وساكنة، يمكن أن تتطور لتصبح كثلة استهلاكية، لمنتوجات خاصة، أو ستجعلها إرادة معينة من خلال ثقافة مقبول وممنوع، كذلك، ما دمنا نسعى إلى جعل حياتهم السجنية اكثر متعة ونعمة ورحمة وسعة من حياتهم خارج أسوار المؤسسة السجنية. ففي زيارة وزير عدل سابق للسجن المحلي لعين البرجة بالدار البيضاء، قدم له أقدم نزيل بالسجون المغربية، فطلب منه الوزير ان يحدثه عن خلاصة تجربته في السجن، فأجابه جوابا شهيرا حينما قال:"اعلم يا سيدي الوزير، ان ما ينفق علينا في السجن، لو أنه منح لنا خارجه، لوجدت السجن فارغا".