غدا، الجمعة 01/07/2001، سوف يكون المغاربة مع أول استفتاء في عهد الملك محمد السادس. وهو موعد متميز ،أخدا بعين الاعتبار كثيرا من السياقات والدلالات والمعطيات. أول سؤال يتبادر إلى الذهن: هل كان ممكنا القيام بهذه الإصلاحات الدستورية لو لم ينطلق الربيع العربي في عدد من الدول العربية التي تختلف عن المغرب ولا شك ،لكن هناك كثير من القواسم المشتركة بينها ؟ وإذا كان الإصلاح يندرج في سياق عربي عام،فما هي المعطيات الخاصة بالمغرب وما هي دلالات هذه الإصلاحات ؟ سمعنا كثيرا عن مذكرات '' تقدمت '' بها أحزاب تقدمية، أو كانت تريد أن '' تتقدم '' بها إلى ملك البلاد .ولا فرق ،فالنية أحيانا هي أفضل من العمل .ويكفي هذه الأحزاب فخرا أنها همت بعمل وطني نبيل.فلم توفق في بلوغ مراميها.وحين انطلق قطار الانتفاضات العربية،تحقق المراد بأقل تكلفة وربحت هذه الأحزاب مرتين: مرة لأنها لم تخسر موقفها تجاه السلطات العليا بالبلاد ،ومرة لأنها تبنت ،بأثر رجعي،مطلب الإصلاحات. وهكذا ،كانت بعض الرموز الحزبية وربما الحقوقية أيضا،لا تتوانى عن مهاجمة شباب 20 فبراير. فهؤلاء ، وكثير من مناصريهم والمنخرطين في نضالاتهم،يقولون بالفم المليان،إن حركتهم هذه وتظاهراتهم في الشارع العام بشكل جديد وبزخم كبير وبرؤية مختلفة،هي التي عجلت بمشروع الدستور الجديد.فكان خطاب 9 مارس 2011 الذي كُرس بكامله للإصلاحات الدستورية والجهوية الموسعة.وها هو الشعب المغربي مدعو للمشاركة في الاستفتاء بعد قرابة أربعة أشهر من الخطاب التاريخي. أما تلك الرموز فلم تقتنع بكل هذا المخاض العسير. فهؤلاء المتظاهرون، كلهم صغار السن بالمقارنة مع الرموز الكبيرة صاحبة التاريخ النضالي التليد والمواقف التي كانت تعرض صاحبها لعقوبات، أقلها الحكم عليه بالسجن لمدة معلومة مع إحاطة أسرته بمكان سجنه والسماح لها بزيارته.ومعنى هذا أن النضال مرتبط بالعمر لا بالموقف، وبخصائص المراحل التاريخية لا بالنتائج المتوصل إليها، والأخطر ارتباط معنى النضال بالمزايدات لا بالحقائق على الأرض. بشيء من المنطق السياسي أو البرغماتية السياسية، كان ممكنا تحقيق كثير من التوافق وردم الهوة بين الأجيال وبين المراحل التاريخية وبين الشعارات .لكن آفة السياسة ، ومن ثم آفة السياسيين في بلادنا، المزايدات والمناكفات التي يغذيها الاختلاف المذهبي وتباين المرجعيات في بعض الأحيان . وهي في كثير من الأحيان نتاج عناد واختلاف قد لا يكون له أي مبرر من الأسباب السابقة.وإلا كيف يتنازع اليساريون بينهم،ويتحالف اليمين الإداري مع اليسار التقدمي في نفس الحكومة،ويهجو اليساري رفيقه، ولا يخجل الأخ من القدح في ذمة أخيه من داخل مرجعية إخوانية واحدة ؟. ولا أرى إلا لبنان وحده المتفوق علينا في هذه الآفة،علما أن مشكلة لبنان ليست داخلية محضة، رغم كثرة الطوائف وتعدد الحساسيات المذهبية والدينية، ولكن بالإضافة إلى ذلك ،فإن جزءا كبيرا من مشاكله هو في اعتباره ساحة لتصفية حسابات لأطراف خارجية ليست كلها حريصة على مصلحة بلاد الأرز. وهو ما ليس واقعا في المغرب. بالعودة إلى ساحتنا الوطنية، التي عنوانها الرئيسي: دستور جديد لمرحلة '' جديدة ''. لابد من الاقتناع أنها ليست ساحة وغى كما تُصورها بعض التصريحات النارية. والأفضل للجميع، حتى من يقاطع الدستور أو من سيصوت ب '' لا'' وهي حقه الدستوري والسياسي والحقوقي ،أن يؤثروا مصلحة الجميع ويجعلوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.فمصلحة الوطن هي وحدها مقياس نجاح كل المسارات بما فيها مسار الإصلاحات الدستورية. آن الأوان، أن نتبنى ذلك الشعار الذي يختزل في كلمتين: رَابِحٌ ... رَابِحٌ أي gagnant- gagnant أو بلغة شكسبير : Win - Win هذا مبدأ يدرس في علوم الإدارة ( management ) .والسياسة في نهاية المطاف هي نوع من الإدارة.وإن كان الغالب أن مفهوم السياسة ينطبق على إدارة المجموعات الكبيرة كالدول والفيدراليات أو أي تجمع أطرافه دول.في حين ينطبق مفهوم الإدارة على التجمعات الصغيرة ،كالوزارات والإدارات الوطنية ... نحن على مستوى المغرب ،سواء في نازلة الدستور الجديد،أو في باقي النوازل التي قد تطرأ على الساحة الوطنية، في أمس الحاجة إلى تبني هذا المبدإ : رَابِحٌ ... رَابِحٌ في تدبير كثير من خلافاتنا ونزاعاتنا وقضايانا الوطنية والمحلية .وطبعا ليس المقصود بهذا المبدأ ممارسة رياضة الترف الفكري والتبحر في المعارف النظرية.فكلنا في ذلك ، كمواطنين ،من العارفين المتفوقين.فكيف بطبقة السياسيين والفاعلين الجمعويين والحقوقيين ؟ نظريا نحن أمة الاختلاف والقبول بالرأي الآخر وإتاحة الفرصة للخصم، وللعدو أيضا، كي يدلي بدلوه ويقول كلمته. ولا خوف عليه،بل هو في مأمن .لكن واقعيا،وبالنظر إلى الثقافة السائدة وخاصة في الجانب السياسي ، يؤسفني أن أقول أن الحرص على الاختلاف هو مجرد شعار.وما زلنا غير قادرين على تدبير اختلافاتنا في إطار المصلحة العليا للوطن دون تجريح أو اتهام في النوايا أو سب أو قذف أو غمز ولمز .مازال أكثر من واحد من سياسيينا يرى موقفه في أية قضية حقا، ليس لأنه مستند إلى أرضية صلبة ومواقف واضحة ومباديء راسخة،ولكن فقط لأنه صاحب الرأي. أضرب بعض الأمثلة للتوضيح،وهي بعض التصريحات والمواقف المعبر عنها كتابة،في خضم حملة الدستور الجديد.يقول واحد من المعارضين : "مناسبةُ هذا الكلام أن كثيرا من سياسيّينا، أو الذين أُريدَ لهم أن يكونوا سياسيين، الذين يُطبّلون للدولة المخزنية ويُزمّرون لكل قراراتها ومبادراتها، لا يخرجون في نقاشاتهم وتحليلاتهم وأفكارهم عن دائرة الدفاع عن الاستبداد، وكأن هذا الدفاعَ بات مغروسا في لاوعيهم لا يستطيعون منه فكاكا." ويضيف : "إن هؤلاء السياسيّين المخزنيّين، بكل فئاتهم ومستوياتهم، بأصيلهم وهجينهم، أصبحوا، في اعتقادي، عبيدا لمنطق لا يجدون عنه محيدا. وكأن اشتغالهم بالسياسة يفرض عليهم فرضا أن يكونوا مُوالين للنظام، مهما فعل هذا النظامُ. بل هم لا يفتؤون يصرحون بذلك، لا يتلعثمون ولا يترددون ". عبارات تنحو نحو الإنشائية وتبتعد عن الدقة والحياد.والأكثر من ذلك التعميم والنيل من الخصم السياسي بكل الأوصاف التي تتيحها اللغة.وهذا لا يؤسس للحوار المطلوب والتواصل البناء. بعض المناصرين لفكرة الإصلاحات الدستوريين يصفون المعارضين بالعدميين والمزايدين والباحثين عن الفتنة والمهددين لاستقرار المغرب والراغبين في تحقيق مصالحهم على حساب الشعب ... وفي كلا الحالتين يغيب الجوهر ، أي النقاش الهاديء الذي تتاح فيه لكل طرف إمكانية إبداء الرأي وإقامة الحجة على وجهة نظره دون تشنج أو رفع للصوت واتهام الآخر لا لشيء سوى أنه يتبنى موقفا مخالفا.وكلها من أعراض آفة السياسة وليست من السياسة في شيء. مثال آخر،لقد سعى كتاب نص الوثيقة الدستورية،في الديباجة ، إلى إرضاء الجميع أثناء الحديث عن الهوية .وهذا بعض ما جاء فيها : " المملكة المغربية دولة إسلامية، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء". وبعد الحديث عن اللغة العربية التي '' تظل اللغة الرسمية للدولة '' وعن الأمازيغية التي تعد "أيضا لغة رسمية للدولة"، تمَّ التنصيص في الفصل الخامس على أن : " تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر" منطوق هذه النصوص يتيح التعايش مع جميع الهويات والثقافات والحضارات،وينص على بعضها مستحضرا التاريخ والجغرافية واللغة والدين. ولْيَكُنْ هذا التعايش بكل اللغات الحية والعالمية.فلماذا إذا كل هذه الخلافات والنقاشات التي تنحو منحى الشوفينية والإثنية والتعصب ؟ بعضهم يريد ترتيبا تاريخيا،فهذا هو المنطق الصحيح... وبعضهم يريد الحث على اللغتين بلام التعريف.فورود اللغة نكرة قد يعني أنها من حيث الأولوية تأتي في رتبة متدنية. أي لا بد من البحث عن خلافات ما، وراء السطور.وطبعا حجتهم إن الشيطان يكمن في التفاصيل. هذا غير صحيح في هذا السياق بالضبط.إن الشيطان يكمن في البحث عن الخلافات ووصف المخالف بأقدح الصفات والسعي لتسفيه رأيه والاستهزاء من قدراته على الفهم والتحليل.فكل الذين مع الدستور،حسب رأي المعارضين المتطرفين،هم بالضرورة مغفلون ومدجنون من طرف المخزن.وكل الذين هم ضد الدستور،هم في حكم المدافعين المغالين، عدميون ومهددون لاستقرار المغرب. الحقيقة بكل تواضع،أن يوم الجمعة 01/07/2011 ستصوت نسبة لابأس بها لصالح الدستور.وهذا الاستنتاج ببساطة ، ودون تنجيم ولا رجم بالغيب، مرده إلى كون عدد الموالين كبيرا بالنظر إلى عدد المعارضين والمقاطعين.فلا يجب انتظار الثانية زوالا على الساعة الثانية عشر ظهرا. ولكن ...... إن هذا لن يعني أنه لا قيمة لمن عارض أو قاطع .فالديمقراطية هي أصلا تعني الأخد برأي الأغلبية دون إقصاء الأقلية.وهذه ميزتها وعنصر قوتها بالنسبة للنظم الشمولية والتسلطية والمستبدة التي تؤمن برأي الماسك بزمام الأمر ولو كان على خطأ. أي أن : '' نعم '' لن تلغي '' لا '' . لأن محطة يوم الجمعة 01/07/2011 هي محطة واحدة على طول الطريق التي نريدها دائما في اتجاه المستقبل والحرية والأمل. فلصالح كل المغاربة ، ينبغي أن يسعى من سيقول لا ومن من سيقول نعم. ولصالح الوطن ككل. وكل استفتاء،وأنتم قادرون على ممارسة الاختلاف لصالح الوطن. [email protected]