رصد للمجلس الأعلى للحسابات عددا من الاختلالات التي يعاني منها الصندوق المغربي للتقاعد؛ وذلك ضمن تقرير قدمه رئيسه الأول، إدريس جطو، في اجتماع مشترك لثلاث لجان دائمة في مجلس المستشارين هي لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية، والعدل والتشريع وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية. التقرير، الذي حصلت جريدة هسبريس الإلكترونية على نسخة منه، انكب على تشخيص نظام المعاشات المدنية وتقييم الإصلاحات المتعقلة به، وتوظيف وتدبير الاحتياطات، وكذا مسألة الحكامة ونفقات التسيير. ويتضح، من خلال خلاصات التقرير، أن نظام المعاشات المدنية يعاني منذ عدة سنوات من وضعية مالية هشة، أدت إلى تسجيل أول عجز تقني سنة 2014 بلغ 936 مليون درهم، وسرعان ما ارتفع إلى 2.65 مليار درهم سنة 2015، كما تسير التوقعات أن يتجاوز 4.83 مليار درهم من نهاية سنة 2016. وفي السياق ذاته، اتسم نظام المعاشات قبل إصلاح العام الماضي بسخاء كبير، حيث يمنح لمنخرطيه عن كل سنة اشتراك قسطا سنويا بمعدل 2.5 في المائة عن آخر أجر. كما أظهر الدراسات، التي أنجزتها اللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد، أن كل مساهمة بدرهم واحد يمنح النظام مقابلها حقوقا تقدر ب1.91 درهما، في حين عمل الإصلاح الذي أقرته الحكومة سنة 2016 على خفض هذا القسط السنوي إلى 2 في المائة. وفيما يتعلق بتصفية المعاشات على أساس آخر أجر، أورد التقرير أنه في أغلب أنظمة التقاعد الحديثة تتم تصفية المعاشات على أساس متوسط الأجر المحصل عليه خلال مدة طويلة نسبيا، ما يتيح تحقيق الملاءمة بين مستوى المساهمات وبين المعاشات المستحقة؛ غير أن نظام المعاشات المدنية يعتمد آخر أجر يتقاضاه الموظف أثناء مزاولته نشاطه المهني كوعاء لتصفية المعاشات. وهذه الوضعية كانت سببا في عدم التناسب بين المساهمة المحصلة من قبل النظام وبين المعاشات المستحقة. وبالإضافة على عوامل أخرى، تؤدي هذه الوضعية إلى تفاقم العجز المالي للنظام، خصوصا مع المنحى التصاعدي الذي تعرفه الترقية في الدرجة بالإدارة العمومية مع موعد الإحالة على التقاعد، يؤكد التقرير. وتابعت الوثيقة ذاتها التأكيد على أنه قد يتواصل هذا المنحى مستقبلا، "خصوصا إذا علمنا أن معظم موظفي الدولة ينهون مسارهم الإداري في أعلى الدرجات، حيث انتقلت نسبة الأطر من فئة المتقاعدين من 12 في المائة سنة 1990 إلى 38 في المائة سنة 2005، ثم إلى 42 في المائة سنة 2015، وأخيرا إلى 50 في المائة سنة 2016". ورصد التقرير ما اعتبره انخفاضا في المؤشر الديمغرافي؛ ذلك أن الإدارة المغربية عرفت، منذ عدة سنوات، استقرارا في عدد التوظيفات مقارنة مع الفترات السابقة. كما ازدادت نسبة الأطر، حيث أصبحت تمثل 58 في المائة من مجموع الموظفين مع نهاية 2015. وبالموازاة مع ذلك، تزايد عدد المتقاعدين بشكل يفوق عدد المنخرطين، حيث انتقل المؤشر الديمغرافي من 12 نشيطا لكل متقاعد واحد سنة 1986 إلى 6 نشيطين سنة 2000 و2.2 سنة 2016، وينتظر أن يصل هذا المؤشر إلى 1.5 سنة 2024. كما أشار التقرير إلى أن عدد المنخرطين بين 2014 و2016 انخفض من 672036 إلى 655782، أي بنسبة 2.4 في المائة. وإلى جانب العوامل المذكورة، والتي أثرت سلبا على توازن نظام المعاشات المدنية، ذكر التقرير عوامل أخرى؛ كتحمل التعويضات العائلية من قبل النظام، حيث لا توجد احتياطات أو اشتراكات خاصة بالتعويضات العائلية، إذ إن المبالغ التي يتحملها النظام تمثل 1.5 في المائة من مجموع المعاشات المؤداة. كما لوحظ ارتفاع مفاجئ لعدد المستفيدين من التقاعد النسبي، حيث بلغ هذا العدد 7521 سنة 2015، ومن المتوقع أن يتجاوز 8250 في سنة 2016 بالرغم من الخصم الذي يطبق على معاشات التقاعد النسبي. وبالرغم من تأكيد المجلس أن الإصلاح المقياسي الذي أقرته الحكومة صيف العام الماضي سيكون له أثر إيجابي على ديمومة النظام والحد من مديونيته، بالنظر إلى حجم الاختلالات التي يعرفها النظام وكذا طابعها الهيكلي، فإن التقرير شدد على أن هذه الإصلاحات سيكون لها أثر محدود في الزمن؛ وهو ما يستوجب التفكير في إصلاح عميق.