عرف القرار المفاجئ لوزارة الداخلية بالمغرب القاضي بمنع خياطة البرقع وتداوله اختلالات عدة، لا من حيث تدبيره وتسويقه، ولا من حيث الجهة المسؤولة عن استصدار مثل هذه القرارات الحساسة، وفي هذه الظروف بالذات. وقد تجاذبت ردود الفعل حول البرقع، وقرار منع تداوله، بين الشرعي والقانوني والسياسي والأمني. ففيما أكدت جهات أن البرقع في حد ذاته يخالف ما رسمه الشرع للمرأة المسلمة من مواصفات للباس الشرعي، زيادة على مخالفته للمذهب المالكي، فإننا نؤكد من جهتنا: 1) أن هذا اللباس جاء نتيجة لنقاش شرعي طويل في سنوات التسعينيات في المشرق والمغرب، وقبلها حول اللباس الذي يجب أن يحمل مواصفات شرعية، على اعتبار أنه لا يصف ولا يشف، فكان هناك شبه إجماع على أن البرقع يعكس هذه المواصفات، فهو بالنسبة لمن تلبسه اختيار ديني، وليس اختيارا طائفيا، أو انتماء لبلد كالسعودية وباكستان أو غيرها... 2) أن البرقع أول من قال به في المغرب هم المالكية، وعلى رأسهم الإمام أبوبكر بن العربي، دفين مدينة فاس، في معرض تفسيره لحديث ابن عمر في البخاري: "لا تتنقب المحرمة". قال ابن العربي في تحفة الأحوذي: "وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج". وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تتنقب المحرمة" دلالة على أن النقاب كان معروفا عندهم. 3) أما من يتحدثون عن أن هذا اللباس مستورد من الشرق، فالإسلام ليست فيه قطيعة إبستمولوجية بين المشرق والمغرب، كما قال "Bachelard" ، وليس هناك إسلام مغربي وإسلام سعودي؛ فالإمام مالك رحمه الله هو نفسه ابن الحجاز، والمدينة المنورة. 4) أما من يتحدثون عن أن البرقع يخالف هوية المغرب الإسلامية، فالحديث أولا عن الهوية حديث فضفاض، إضافة إلى أن الكثير من المظاهر في المغرب، خاصة المتعلقة باللباس، تخالف الهوية الإسلامية التي يجهلون حقيقتها. 5) أن الملك الحسن الثاني، في أحد حواراته الصحافية مع جريدة "le point" الفرنسية، ذكر أن الحجاب هو عبارة عن موضة (c'est la mode)، وأن النقاب هو اللباس الشرعي للمرأة. 6) أن هذا القرار صدر في غياب جهات مسؤولة، كالبرلمان والحكومة ووزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه الملك محمد السادس، إضافة إلى عدم مشاركة وسائل الإعلام والرأي العام في الموضوع. ففي فرنسا، مثلا، وهي دولة غير مسلمة، صدر الحكم فيها بحظر النقاب من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ومع ذلك، عارضته منظمات حقوقية دولية ك"هيومن رايتش ووتش"، على اعتبار أنه يتعارض مع حقوق المرأة في التعبير عن دينها وعقيدتها بحرية. 7) أن هذا القرار يتناقض مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، لاسيما المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 8) أن في المغرب غيابا لأي مقتضيات قانونية تحدد شكل وأنواع اللباس. ومن ثم، فإن حرمة اللباس تعتبر جزءا لا يتجزأ من الحريات الفردية الأساسية. 9) أن قرار المنع يأتي في إطار عمل ممنهج يقضي بتنميط المجتمع المغربي وفق منظور من يقف وراء هذا المنع؛ وذلك لأن شكل اللباس بالنسبة إليهم يتناسب مع جهات أو زعامات أو عناصر متورطة في أعمال يعاقب عليها القانون. 10) أن النقاب اختيار ديني، ولا يعكس اختيارا طائفيا كما يدعي بعض المتشدقين، وأن العفة والشرف بالنسبة للمرأة هما أعز ما يطلب. والمنقبة لبست برقعها بعقيدة ويقين واقتناع، وابتغت به وجه الله جل وعلا. فإذا كانت هناك حيلولة دون ذلك، فينبغي أن يتولاها العالم والفقيه بالحجج والبراهين، لا غيرهم من الجهلة والعلمانيين. وفي المنع مواطأة على منع الفضيلة ونشر الرذيلة، وفرض الوصاية على حرية الشعب. 11) أما دعوى أن يكون البرقع ذريعة من قبل بعض من يمارس أفعالا إرهابية، فهذا مما نجانا الله منه في المغرب، والنادر كما يقول الأصوليون لا حكم له، والإكراه الأمني لم يكن أبدا ذريعة لضرب الحريات الشخصية. 12) أن محاربة كل ما هو سلفي بالمغرب هي محاربة لمذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه المغاربة لمدة 15 قرنا، ولن يدرك المسؤولون خطورة هذه القرارات من الناحية الاستراتيجية إلا حين تفتح إيران الشيعية أذرعها في الغرب الإسلامي، كما هو الحاصل في حربها على سوريا والعراق واليمن والبحرين، ومناوشتها لتركيا، وعيونها الآن على بلاد الحرمين. 13) إذا كانت هناك محاولات للإجهاز على السلفية والسلفين بالمغرب، فلماذا لا تكون هناك معاملة بالمثل على من يقدمون ولاءهم لإيران وعلى من يسعى إلى ضرب مذهب أهل السنة والجماعة في المغرب الأقصى، عوضا عن مغازلتهم وفتح الأبواب لهم بدعوى التنوع الثقافي وحقوق الإنسان؟ 14) والمشكلة الأدهى هي أن هذه الخطوة ستفتح شهية دول غير مسلمة لمضايقة المنقبات في دار المهجر، ومنهن، بالطبع، المئات من المغربيات.