أكدت فيروز فوزي، أستاذة مادة سوسيولوجيا الهجرة بجامعة كيبيك بمونتريال؛ أن الخصوصية الثقافية والاجتماعية والدينية، المبنية على مبدأ التسامح والإخاء للمجتمع المغربي، جعلت المملكة نقطة جذب، ومسارا مفضلا لدى المهاجرين"، موردة أن "اعتبار المغرب بلد استقبال دليل استقراره عبر التاريخ". وأشادت الخبيرة الحاصلة على شهادة الدكتوراه، تخصص الهجرة، ضمن حوار مع جريدة هسبريس، بالسياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة، باعتبار أنها تقطع مع ما سمته التصورات النفعية الضيقة التي اختزلت الهجرة في مجرد مورد للعملة الصعبة؛ بينما الهجرة أجيال متعاقبة على بلدان الاستقبال، أفرزت نخبا سياسية وثقافية واقتصادية ومدنية هامة".. ما رأيكم في سياسة المغرب بخصوص ملف الهجرة؟ يعد المغرب من البلدان السائرة تدريجيا في الاضطلاع بدور محوري في ما يخص موضوع الهجرة؛ نظرا لموقعه الجغرافي الإستراتيجي، وانفتاحه اللامحدود على مختلف الأجناس البشرية، مهما تعددت جنسياتها وألوانها، بالإضافة إلى ما يُعْرَفُ عنه من حسن ضيافته وترحيبه بكل من حل على أرضه، إذ بات وجهة مفضلة للعديد من المهاجرين الذين لم يعد يغويهم كمنطقة للعبور نحو أوروبا، بل للاستقرار فيه من أجل بناء غد مشرق، أو الاستثمار لتطوير الرأسمال الفردي، وتحسين المستوى المعيشي. ولعل توجها مثل هذا يعكس بعمق حسن الاستقبال الذي يوليه المغاربة للأجانب والمهاجرين من مختلف الجنسيات والدول والديانات. وهذا ما أشّرت عليه دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي نشرت حديثا؛ حاولت الوقوف عند قياس جودة الاستقبال في العديد من الدول، ليحتل فيها المغرب واحدا من المراكز الثلاثة الأولى. وكل ذلك يبرز، كما أسلفنا، استعداد المغرب الكلي للانخراط في ما يعرفه العالم اليوم من هجرات وتحولات متعددة. ماذا عن دور مجلس الجالية ووزارة الجالية في إدماج المهاجرين؟ يلعب مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج دورا هاما باعتباره صوت المهاجرين في المغرب، ولطالما عبّر عن أن المملكة بلد الضيافة والكرم بامتياز؛ وذلك لاعتماده نهجا اجتماعيا يجعل الضيافة من ضمن أولوياته، والاعتراف بالآخر شرطا من شروط وجوده. وفي سبيل دعم هذا التوجه قرر المغرب تسوية وضعية المهاجرين المقيمين على أرضه، وهو قرار لم يكن يهدف من خلاه إلى كسب تعاطف المجتمع الدولي، بقدر ما سعى إلى تكريس الرؤية المتجذرة في أعماقه؛ وهي أنه بلد مضياف، ويؤمن بحق الآخر في العيش الكريم على أرضه. ثم إن الإنسان، كما يشير إلى ذلك ابن خلدون، ابن بيئته وعاداته. أبى المغرب إلا أن يشرك من هم على أرضه، ليؤكد أن الضيافة والكرم اللذين يتمتع بهما أبعد ما يكونان عن المعنى الاصطلاحي؛ بل هما في العمق واقع ملموس، يجلي أن التعايش والتضامن والانفتاح هي وسائل عيش، وليست مجرد مجازات بلاغية تتكرر هنا وهناك تبعا لمقامات التخاطب. هذا النزوع هو ما تؤكده اهتمامات الحكومة عبر تعيينها وزيرا يهتم بشؤون المغاربة المقيمين بالخارج، أسندت إليه مهام جساما تسعى إلى الإنصات العميق إلى هموم هؤلاء، وتتعهد ملفاتهم بالرعاية الجيدة؛ ما يجعل من المغرب وسياسته المرتبطة بالهجرة أكثر تحررا؛ بل ويجعله أيضا يستوعب دوره المتنامي في هذا الجانب، باعتباره بلدا محوريا في الربط بين إفريقيا والغرب. وهذا يستوجب، بالضرورة، تعزيز جملة من الأنظمة والقوانين التي يمكن أن تساعد في التحسيس بهذا الدور المركزي من جهة، ونيل الاعتراف في المقابل من المجتمع الدولي من جهة ثانية، لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أهمية الهجرة كحلقة في فتح أبواب التطور والتحول في العديد من المجالات الاقتصادية والديمغرافية والقانونية وغيرها. ما الذي يجعل سياسة المغرب في مجال الهجرة ناجعة في نظركم؟ إن الخصوصية الثقافية والاجتماعية والدينية المبنية على مبدأ التسامح والإخاء للمجتمع المغربي جعلته نقطة جذب ومسارا مفضلا لدى المهاجرين. فقد أقر المغرب بوجود أعداد من المهاجرين جنوب الصحراء فوق أراضيه؛ يقدرون بالآلاف؛ كما أعلن منذ 2014 نهجه سياسة استثنائية في ميدان الهجرة؛ وذلك بفتح الباب لتسوية الوضعية الإدارية لهؤلاء المهاجرين. جدير بالذكر أن المغرب عرف عبر التاريخ تيارات من المهاجرين. بدأ ذلك مع الفتوحات الإسلامية؛ إذ نزح كثير من الأندلسيين نحو الثغور المغربية، وبالضبط إلى ثغور منطقة الريف التي تشمل اليوم أربعة أقاليم كبرى، هي مليلية، والحسيمة، والناظور، والدريوش، أو ما يمكن أن نعرفه – جغرافيا- بالريف الشرقي والريف الأوسط والريف الغربي. كما عرف المغرب عودة المورسكيين واليهود من الأندلس، مرورا باستقرار الأفارقة والرحل بالصحراء المغربية..اعتبار المغرب بلد استقبال دليل استقراره وحصانته عبر التاريخ. ما هي قراءتكم لمستقبل الهجرة والمهاجرين من وإلى المغرب؟ يسعى المغرب إلى نهج سياسة جديدة في مجال الهجرة؛ تأخذ بعين الاعتبار مطالب المهاجرين، والقطع مع التصورات النفعية الضيقة التي اختزلت الهجرة في مجرد مورد للعملة الصعبة؛ ذلك أن الهجرة لم تعد فقط تلك التي تتشكل من يد عاملة صرفة، قادمة من المغرب؛ بقدر ما هي عبارة عن أجيال متعاقبة على بلدان الاستقبال؛ أفرزت نخبا سياسية وثقافية واقتصادية ومدنية هامة، تمكنت من بلوغ مناصب عليا في هرم الدول الأوروبية.. منهم اليوم وزراء وبرلمانيون وفاعلون حزبيون وجمعويون وأطباء ومثقفون وكتاب ومدرسون ورجال أعمال.. ويبقى تعزيز مبدأ التعايش الإيجابي بين المهاجرين الأفارقة والمواطنين المغاربة التّحدي الرئيس بالنسبة إلى المؤسسات المكلفة بتسيير شؤون الهجرة..