يتخبّط المجتمع المدني في مشاكل عديدة، تحول دون المساهمة في مقاربة التحولات الاجتماعية الراهنة. لقد أصبحت واضحة، لدى أغلبية المواطنين، حقيقة الانسداد السياسي الذي تعرفه الظاهرة الحزبية اليوم. ولذلك، صار من المُضحك الحديث عن السياسة، باعتبارها خدمة عامة لفائدة المجتمع. والمؤسف أن المشهد السياسي، الذي عرف تقاطبا بين خيارين سياسيين، أضحى مجالا لهيمنة خيار "أغلبي" واحد: خيار اليمين الإداري، بمواصفاته الريعية والفردانية. وبحكم العلاقة التاريخية بالمشهد السياسي، يمكن تصور "العدوى" التي انتقلت إلى المشهد الثقافي ببلادنا. من الطبيعي الحديث عن ذات الانسداد، الذي تعرفة الممارسة الثقافية، بحكم هيمنة البنية العميقة الواحدة، مُمَثّلة في ما أشرنا إليه أعلاه. ليس بغريب أن ينتج غير قليل من المؤسسات المدنية، أحزابا وجمعيات، نفس البروفايل للشخص الرئيس/ الزعيم .. المهيمن، المحتكر، المُهرِّج والمهووس بحبّ الظهور. لن نثير النقاش حول الجمعيات الناشئة حديثا، التي غالبا ما يكون وراء تأسيسها شخص واحد. وإذا ما أراد الاستراحة من رئاستها، لفترة محددة، يجعل على "قمرة" قيادتها "تابعا" من توابعه. الجمعيات والمؤسسات، من هذا القبيل، تنتشر في كل مكان، وتحت عناوين ويافطات عديدة: مراكز البحث والخبرة والدراسات. وبخصوص مثل هذه الجمعيات، لا نفتأ نسمع عن "الريع المالي" الذي تستفيد منه، جراء العلاقة بهذا الطرف أو ذاك، داخل البلاد أو خارجها. إن الإبدال الهائل، الذي أصاب كثيرا من المجتمع المدني، يتمثل في: التحول من البنية المؤسسة وفق منطق التعاون الجماعي، إلى البنية المؤسسة وفق منطق الهيمنة الفردانية. الرئيس (الزعيم، القائد، الأمين العام، الكاتب العام، إلخ) يُسخِّر باقي الأعضاء، في تناقض تامّ مع الهدف الأساس من تأسيس الجمعية وروحها. لنضرب صفحا عن هذا القبيل من الجمعيات، ولنركز حديثنا على الجمعيات الثقافية التاريخية، التي أنجزت بعض الأدوار، في علاقتها بما كان يسمى الأحزاب الوطنية. وتبدو لي الفرصة مواتية للتعرض لاتحاد كُتّاب المغرب، بمناسبة اجتماع لجنته التحضيرية، في أفق انعقاد المؤتمر الوطني التاسع عشر. لا يخفى على أحد، من أعضاء اللجنة التحضيرية الموقرة، مدى الإسفاف الذي غدت تتخبط فيه الجمعية، بسبب الترهُّل في بنية أعضائها، وعدم فاعلية أجهزتها، وغياب الوضوح في الأدوار الثقافية المنوط بها أداؤها. يمكن لكل واحد، مُنازع لهذا التوصيف لواقع اتحاد الكُتّاب، مُراجعة حقيقة البيانات الثقافية الصادرة، وطبيعة القضايا الثقافية المثارة، وجِدّة الأسئلة النقدية المطروحة، حول: الكتابة، والتعليم، والطفولة، والمرأة، وحقوق الإنسان، إلخ. أتصور أن يبرز، من خلال تلك المراجعة، ما لا يمكن الاختلاف حوله، أي الرواج الملحوظ في عدد الاتفاقيات الموقعة بالخارج (بدون تنفيذ)، واستغلال ذلك في السفريات المكوكية المتلاحقة، وتواتر "الصور" القادمة من الفنادق والمطاعم والمطارات... من المؤكد أن تُعيد اللجنة التحضيرية النظر في بعض البنود، وتأتي بأخرى جديدة...لكن، لا ضمانة أن يأتي "رئيس" فلا يغلق باب "المكتب التنفيذي" من شهر إلى شهور عديدة، من دون اجتماع أو ما شابه.. ولا يدعو إلى "المجلس الإداري" إلا مرتين: واحدة، بعد انصرام زمن غير يسير ، من دون عرض البرنامج الثقافي مُذيّلا بمقترح الميزانية... ولا يُوقع الاتفاقيات ( مع الاتحادات الأجنبية) بدون تخطيط سابق داخل المكتب..ولا يُصدر أي "بيان" ثقافي أو سياسي إلا بعد التداول الجماعي.. ولا يصدر كتابا لعضو/ كاتب داخل "الاتحاد" إلا باقتراح من لجنة نشر مفترضة...ولا يؤجل انعقاد المؤتمر إلى أكثر من سنة، في إخلال تامّ بالآجال المضروبة... إن "اتحاد كُتّاب" لا يستطيع الدفاع، مثلا، عن "مجانية التعليم" بوضوح، في مجتمع ينهشه مواطنيه الفقر والجهل والتخلُّف...إن "اتحادا" لا يستطيع رفع صوته "النقدي" بوجه وزارة الثقافة، في مناسبة عادية مثل انعقاد المعرض الدولي للكتاب...إن "اتحادا"، كل ما فيه رئيسه..و"اتحاد" لم يعد له وجود، إلا على بطائق السفر، وصور بمختلف الألوان...إنما هو "اتحاد" يستحق الرثاء والأسف... هل تجرأنا على الجمعية أكثر من اللازم؟ لا نعتقد ذلك، في ظل اجتماع تحضيري، ننتظر من أعضائه إقناعنا بجدوى "بنود"، تعيد لاتحاد كتاب المغرب بعضا من أسباب وجوده اليوم.. - أيها الكُتّاب الأعزاء، زبدة المجتمع وقشدته: هل الأمل منعدم في اتحاد كُتّاب تقدمي/ ديمقراطي، بأفق ثقافي عربي وإنساني؟ *أديب مغربي