هل كان حزب الأصالة والمعاصرة (البام) فرصتنا الضائعة أم كان فعلا ماضيا ناقصا؟ لنحاول القيام بتمرين متواضع.. لست مقتنعا بأن عزيز أخنوش كان في دكة البدلاء ينتظر دخوله إلى الميدان، بعد أن يتمكن العياء من إلياس العماري أو يصاب بالتواء في الكاحل الذي قد يكون بفعل نيران صديقة.. ولست مقتنعا بأن أخنوش مجرد منفذ تعليمات فؤاد عالي الهمة.. أخنوش ليس صديق صديق الملك، كما إلياس.. أخنوش صديق الملك، أخنوش جزء من ماكينة صنع القرار السيادي والاقتصادي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أخنوش لم يأت ليحاصر الإسلاميين فقط، إنه جاء ليحكم ويتحكم،، ليعيد الاعتبار والقرار إلى دولة رجال الأعمال.. حين نعيد تشييد "مشروع" الهمة وتفكيك سرديته، من هيئة الإنصاف والمصالحة إلى حزب الأصالة والمعاصرة مرورا بحركة لكل الديمقراطيين، نجده يقدم جوابا سياسيا/ إيديولوجيا/ تنمويا لأزمة النظام الحاكم، متمحورا حول مداخل: الانتقال الديمقراطي المراقب، ومحاصرة الإسلاميين مجتمعيا وانتخابيا، وإطلاق دينامية أوراش كبرى باستقطاب الاستثمارات الأجنبية.. هذا المشروع السياسي، بتجلياته الحزبية والجمعوية والإدارية، والذي لم يخرج عن نسق الأنظمة السلطوية التي تحافظ على هوامش "ديمقراطية" قد تتسع أو تتقلص حسب السياقات الدولية وضغط الصراع الاجتماعي (طبقيا وقيميا)، كان يحتاج إلى "موارد بشرية" مختلفة ومتباينة بحسب شكل التدخل ومجاله (وهذا ما يفسر هجنة البام).. اليساريون "المتحولون" جهة اليمين أو الخائفون من "الأصوليين" كانوا حطب المعركة الإيديولوجية ومهندسي مسار "الإنصاف والمصالحة"، الذي سيعيد بناء المشروعية الحقوقية للنظام وسيصالحه حتى مع بعض المناطق المغضوب عليها سابقا، (حين يتحدث إلياس اليوم عن المصالحة يعرف ما يقول، ويذكر لعل الذكرى تنفع متعاقدي الأمس). أما الأعيان "المناطقيون" فهم جيش الاحتياط الذي يتم استدعاؤه في موسم الانتخابات، ودورهم ينحصر فقط في وقف تمدد حزب العدالة والتنمية (البيجيدي) انتخابيا ولا يشركون في صناعة القرار الحزبي بله أن يتحكموا فيه.. رجال السلطة الإدارية، من ولاة وعمال وقياد الداخلية، كانوا أداة التحكم الإداري وعرقلة أيّ اختراق من قبل المؤسسات "المنتخبة" حكومية أو مجالس منتخبة على مستوى الجهات والعمالات والبلديات، كما أسهموا في "التأطير" عبر جمعيات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. أما المورد البشري الأخير، فقد كانوا مجموعة من التكنوقراط والكوادر عالية التكوين التي جرى "تحزيبها"، بعد أن مرت في مصفاة تسيير مؤسسات عمومية وشبه عمومية كبرى، وهم من سيقودون ويسيرون ويراقبون ويفاوضون في مسلسل الأوراش الاقتصادية الكبرى. ما الذي يحصل اليوم؟ الحاصل هو أن الدولة لم تعد بحاجة إلى قدامى اليسار التائب، بعد أن فشلوا في الصراع الإيديولوجي؛ وحتى النظام اقتنع بأن نهج "المحافظة" هو أقل تكلفة من أية مغامرة "حداثية"، وحتى السياق الكوني يؤكد هذا المنحى. كما أن الدولة لم تعد بحاجة إلى جيش الأعيان، بعد أن انتبهت إلى تمدد المدينة وقيمها "حتى الهجينة "منها، والتي غيّرت من توجهات الكتلة الناخبة وأفقدت الأعيان الكثير من "طراوتهم البدنية". أما التكنوقراط ورجال الإدارة فهم مثل البنادق التي ينقلها المحاربون من كتف إلى أخرى، سيفقدون قليلا من "تحكمهم"؛ ولكن ستناط بهم أدوار جديدة، ولكن هذه المرة في دولة رجال الأعمال والأمنيين. رجال الأعمال، بالرغم ما كان يظهر من تواطئهم في المرحلة السابقة، كانوا يخفون تذمرهم من دولة الإدارة الترابية، وكانوا يقبلون على مضض المساهمة في تكلفة تهدئة الجبهة الاجتماعية.. اليوم، انتهى الحديث عن الانتقال الديمقراطي وتطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والمشروع الحداثي الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا.. اليوم، الصوت المرتفع هو لدفع عجلة الاقتصاد الوطني وتحصين البلد من الإرهاب والجريمة المنظمة. وهكذا، يتم، عبر التسريبات والإعلام المخدوم، الإعلاء من شأن عزيز أخنوش وعبد اللطيف الحموشي، مرحبا بنا في دولة رجال الأعمال والأمنيين، وبنكيران مغلوب على أمره، لن يستطيع عصيان أوامر قائد كتيبة رجال الأعمال؛ لأنهم هم من سيقودون وسيشرفون على تنزيل رؤية القصر التي عبر عنها خطاب دكار. وبدونهم، لن تتقدم تلك الرؤية.. وطبعا، لن يناور بنكيران مع البوليسي الأول، فهو حامي البلاد من الأخطار الداخلية والخارجية.