الخارجية تبرر الطرد الجماعي للمهاجرين وتمهد الطريق لإقامة نظام ميز عنصري داخل المجتمع الجزائري مع توالي ردود الفعل الدولية حول عملية طرد المهاجرين الأفارقة، خاصة تلك التي صدرت من طرف المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان، اضطرت الجزائر إلى إصدار بيان رسمي، من خلال وزارة الخارجية، تتحدث فيه عن الدوافع و المبررات التي دفعت السلطات إلى اتخاذ هذا الإجراء. البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية، أوضح أن هذه العملية التي جاءت بمثابة "إجراء أخير" تم تنفيذها من طرف السلطات المختصة عقب "المساس المتكرر" بالنظام العام في مناطق عدة وخصوصا بالعاصمة حيث سجلت "أعمال تخريب واعتداءات جسدية غير مقبولة وغير مبررة ضد متطوعي الهلال الأحمر الجزائري. من جهة ثانية، أضاف البيان أن "الجزائر التي لا تزال بالرغم من ظرف اقتصادي غير مناسب تبذل جهودا معتبرة في مجال التكفل بالعديد من المهاجرين". البيان ذاته، أشار إلى إن حقيقة الأمور لا تعطي إطلاقًا أي أساس للحملة المغرضة الّتي تشنها بعض الأوساط المعروفة بعدائها للجزائر، والتي تستغل لأغراض دفينة عملية عادية للغاية". من خلال القراءة المتأنية لفقرات البيان، نستشف ارتباكا واضحا يتعلق بطبيعة المبررات التي ساقها البيان، وكذا من خلال الرسائل المبطنة، والتي حاول النظام الجزائري تمريرها لجهات لم يسمها، دون أن تكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع الأحداث. مما يجلنا نتساءل عن الهدف الحقيقي الذي استفز الخارجية الجزائرية لإصدار البيان؟ مبدئيا، أغلب التقارير التي صدرت عن المؤسسات الدولية في هذا الشأن، خاصة تلك التي تتمتع بمصداقية كبيرة في مجال حقوق الإنسان، لم تسارع فقط إلى إدانة عملية الطرد الجماعي والممنهج، بل أدانت أيضا الطريقة غير الإنسانية التي تعاملت بها السلطات الجزائرية مع من تم ترحيلهم قسرا، كما وضحت شهادات بعض المرحلين، وكشفت التسجيلات والصور التي وثقت لهذه الطريقة المهينة بالكرامة الإنسانية. وبالتالي كان على البيان، أن يقدم ما يفيد العكس فيما يتعلق بطريقة الترحيل، قبل أن يبرر العملية في حد ذاتها و يجعلها عملية "عادية للغاية ". أما بخصوص دواعي العملية ومبرراتها، فبيان الخارجية الجزائرية تطرق إلى مبررين اثنين، كانا وراء قرار طرد المهاجرين. المبرر الأول كان واضحا ومفصلا،. حيث برر ذلك بعدوانية المهاجرين الأفارقة نتجت عنها، أعمال تخريب واعتداءات جسدية غير مقبولة وغير مبررة ضد متطوعي الهلال الأحمر الجزائري. أعتقد أن هذا المبرر هو عذر أقبح من زلة، والتعبير عن ذلك رسميا، وفي بيان يمثل وزارة الخارجية خطأ دبلوماسي لا يغتفر، لأنه ما زال يعطي الانطباع للعالم، أن الإنسان الإفريقي، وفق الصورة النمطية القديمة التي صورها النظام الجزائري، هو إنسان متخلف وموبوء و عدواني. خاصة وأن هذا المبرر يتطابق في فلسفته، مع ذريعة أخرى قدمها رئيس “اللجنة الوطنية الاستشارية للنهوض وحماية حقوق الإنسان في الجزائر، معتبرا حضور المهاجرين واللاجئين الأفارقة في عدد من المدن، "يعرض الجزائريين لمخاطر انتشار داء فقدان المناعة المكتسبة وباقي الأمراض المنقولة جنسيا". أما المبرر الثاني الذي قدمه البيان، فقد كان على استحياء، ولم تتعد كلماته رؤوس الأصابع، والذي أشار إلى "وجود ظرف اقتصادي غير مناسب"، وهو ما يعني أن الأزمة الإقتصادية، هي التي أملت على السلطات الجزائرية اتخاد هذا القرار. واعتقد لو أن البيان اقتصر على هذا المبرر، لكان خيرا لهم. ما جعل بيان الخارجية الجزائرية يخلط الحابل بالنابل، هو ما اعتبره البيان ب"الحملة المغرضة الّتي تشنها بعض الأوساط المعروفة بعدائها للجزائر والتي تستغل لأغراض دفينة عملية عادية للغاية". صحيح أن البيان لم يوضح الأوساط المعروفة ب"عدائها"، لكن رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، قالت بصفتها الرسمية، إن المغرب يقوم بتسييس قضية إقدام الجزائر على ترحيل المهاجرين إلى بلدهم، مضيفة أن "المغرب يقوم بالمزايدة على الجزائر في هذا الملف". ما يعتبره بيان الخارجية الجزائرية استغلالا لأغراض دفينة، ما هو في الحقيقة إلا التزام متواصل من المغرب في تنفيذ سياسته الثابتة في علاقته مع الدول الجوار، خاصة مع عمقه الإفريقي. فهل كان على المغرب أن يتخلى عن مواقفه الراسخة في سياسة التضامن مع الدول الصديقة و الشقيقة، ويحجم عن تقديم المساعدة إلى أناس تم ترحيلهم دون سابق إنذار وتم تشريدهم بصورة جماعية في مناطق حدودية، فقط لعدم إحراج الجزائر. وهل كان على السلطات المغربية أن تؤجل الإعلان عن الدفعة الثانية من تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين، والتي تم الإعداد لها من مند مدة طويلة، فقط لأنها تزامنت مع الأحداث الأخيرة. المشكل أن النظام العسكري، يبني كل مقارباته في تدبير الجزائر وفق ايديولوجيته البائدة تجاه المغرب، وهو معطى يجعل العلاقات المغربية الجزائرية تسير نحو مزيد من التوتر. ويبدو أن تداعيات هذا التوتر، سوف لن تقف عائقا أمام نهضة المغرب الكبير وفتح الحدود بين البلدين فحسب، بل أصبحت عائقا أمام تحقيق النهضة الإفريقية بكل أبعادها الإنسانية و الاقتصادية و الاجتماعية. لكن المعطى الخطير في البيان، حسب اعتقادي، أنه سيمهد الطريق لإقامة نظام ميز عنصري حقيقي داخل الجزائر. فعندما يصور البيان الرسمي للخارجية الجزائرية، الإنسان الإفريقي الذي ينتمي إلى منطقة الساحل وجنوب جنوب الصحراء، بتلك الصورة التي تتسم بالعنف والتخريب و العدوانية، وعندما يصور رئيس منظمة حقوقية تابعة للدولة، هذا الإنسان، بأنه موبوء ويحمل أمراض معدية، ماذا سيترسخ في دهن المجتمع الجزائري، المعروف أصلا بكرمه وحسن ضيافته غلى غرار باقي الدول المغاربية؟ أترك الجواب لعلماء الاجتماع للإجابة عن هذا السؤال. [email protected]