قبل أيام سألتني إحدى الصديقات فيما يشبه العتاب "لماذا لم تكتب حتى الآن عن مشاركة المرأة في حركة 20 فبراير، وعن حضورها الملحوظ في الوقفات والمسيرات وفي هذا الحراك المجتمعي عموما؟" وبقدر ما كان السؤال يحمل في طياته قدرا من العتاب، كان يحمل استفزازا أكبر دفعني إلى الكتابة في الموضوع. كثيرة هي المشاهد والمواقف التي وشمت ذاكرتي منذ بداية الربيع المغربي، والتي كانت المرأة بطلتها ونجمتها بدون منازع. بداية حرت كثيرا ماذا أكتب؟ لأني لا أحب أن أكون من أمثال الذين يتحدثون عن المرأة باحترام مبالغ فيه أمام عدسات الكاميرات وينصبون أنفسهم مدافعين عنها، فإذا خلوا إليها أغرقوها في مستنقعات إهاناتهم، وأمعنوا في هدر كرماتها بشتى الأشكال. أأكتب عن أولئك الكادحات البسيطات اللواتي لا يتقن لوك الكلمات ولا تنميق العبارات، فقط هن متأكدات من أنهن مظلومات مقهورات، يعشن أقصى دركات التهميش والإقصاء، يحملن جبالا من الهموم والمسؤوليات والمشاكل في صمت دون كلمة تأفف. عندما تراهن في المسيرات أو على جنباتها تحس أنهن يرفعن الشعارات من أعماق أعماقهن لتتفجر حنقا على الظلم والظالمين، لا يعرفن مفردات السياسة ولا سراديبها ولا ردهاتها.ولكنهن يحلمن بوطن جميل ويد حانية تربت على أكتافهن مواسية يحلمن بالشغل والسكن والصحة والخبز الكريم، يحلمن ونحلم معهن بالورد والخبز والزيت وكتب الحب والنار. أم أكتب عن فاطمة "أئمة" بنت "درب مولاي الشريف" التي ترك الزمان على وجهها آثار بؤس وقهر، ومع ذلك هي تحاول جاهدة بحملها صور الملك والتحاف العلم الوطني أن تغطي على بؤس وبشاعة نظام، تركت سياساته في التعليم والاجتماع والإسكان والتعليم آثارها على وجهها وفي شخصيتها، هي الساكنة بجوار أسوء معتقل سري عرفه تاريخ المغرب الحديث. أم أكتب عن "السعدية الولوس" حاملة الورد التي جعلت الحب رسالتها في هذه المسيرات، ابتسامة مشرقة، وعيون خلف نظارات شمسية سوداء تخفي حبا عارما كشجرة التفاح يرمونها بالحجر فترميهم فكأنها "تعلن الحب" على نظام متخشب جامد قاس لا يفهم عبارات العشق ولا إيماءات الغزل وإشاراته. أم أكتب عن غزلان التي جعلت من الدفاع على معتقلي السلفية الجهادية رسالتها وقضيتها، ورغم التهديد لم تتوقف بجرأة قل نظيرها عن فضح مخازي نظام ديكتاتوري، تفنن في الاعتداء على الكرامة البشرية وهدرها بشكل لا إنساني بشع في سراديب معتقلاته السرية، أعربت وهي "المتبرجةّ" في عرف من تدافع عنهم، عن أقصى درجات التضامن لأن الاختلاف والخلاف لم ينسها مطلقا أنها "إنسانة أولا وأخيرا" و"أنهم بشر" وهذا يكفي. أم أكتب عن عشرات من أمهات وزوجات وبنات وأخوات معتقلي سلفيي المغرب اللواتي وجدن أنفسهن في عالم لامتناهي من الظلم ودوامة من المعارك بدون مقدمات. فالقضية في عرفهن قبل أن تكون سياسة أو حسابات دولة هي بالنسبة لهن مشاعر أمومة وأخوة وأبوة لأهل اختطفوا وعذبوا وسجنوا ظلما وعدوانا بلا محاكمات عادلة.لم تتصورن يوما أن إطالة الحية تهمة وأن البرقع والخمار جريمة ترمي بصاحبها وراء الشمس.ومنهن تلك السيدة المسلمة الإيطالية التي تعلمت اللهجة المغربية وتعلمت معها وقبلها ماذا يعني أن تعيش مسلما حقيقيا في المغرب، وأشعرتنا بعمق مأساتها بلغتها المكسرة فزادتنا ألما إلى ألم. كل هؤلاء ندين لهن بتحية تقدير وإجلال، فهن يرسمن معالم مغرب جديد في صمت، لا ينتظرن شكرا من أحد، ولا يطمعن في نجومية يصنعها بريق وسائل الإعلام. لكن تحيتي الخاصة إلى تلك البطلة التي تفوقت على آلة القمع في مجزرة "سباتة" بمشاعر أمومتها، وذادت عن طفلها الصغير أمام وحشية رجال الأمن كلبؤة جريحة في إشارة رمزية أنها تدافع عن مستقبل المغرب وأجياله القادمة. [email protected]