بعض أنواع المعاناة لا تنتهي إلا بنهاية العمر، الشيء الذي ينطبق على المرادي أحمد، رجل ثمانيني، ملامحه مثقلة بالهموم، توفيت زوجته منذ مدة طويلة، وتركته لوحده مع ابن يبلغ من العمر حاليا 26 سنة، مختل عقليا، ما إن يبرح عتبة مسكنه حتى يعتدي بالضرب على كل من يصادفه. قدر ابنه ضاعف من محنته مرات ومرات، فلا هو استكان لنفسه ليرتاح من عبأ السنين الماضية، ولا سيستكين فيما تبقى له من العمر، بعد أن اضطرته الظروف أن يكون الأب والأم لأبنه. لسان "با أحمد" خانه للتعبير عن معاناته مع ابنه "الأحمق"، ليتكفل شيخ آخر بالحديث لمكروفون هسبريس عن جزء من معاناته. "هاد السيد هو ولدو فالدار راس فالراس، شي عشر سنين هادي، كيسورت عليه فالدار وكيمشي لواويزغت باش اجيب ليه الدوا"، يقول الحاج النوري موحا، أحد جيران "با أحمد"، قبل أن يردف أنه لا طاقة له لشراء دواء ابنه "وغالبا ما يلجأ إلى مد يده من أجل جمع بعض الدريهمات تعينه على ذلك". وفيما اختار "با أحمد" الصمت، تحدثت نظراته عن حجم معاناته مع ابنه "حسن"، قبل أن يكمل الحاج موحا الحديث باسم جاره بنبرة لا تخلو من الحرقة، قائلا: "في بعض الأحيان تشتد حالة ابنه كثيرا ويصبح أكثر عنفا، ما يضطر والده بكل ما أوتي من جهد إلى نقله إلى مستشفى مدينة بني ملال، لكن يرفضون استقباله ويرفضون كذلك مده ببعض الحبوب التي من الممكن أن تهدئ من حالته، ليعيده من جديد إلى الدوار". ورغم تعب سنواته الثمانين، إلا أن "با حمد" يضطر بشكل شبه يومي إلى جمع حطب التدفئة، مع القيام بمهمة الطبخ وتنظيف ابنه ومسكنه، فضلا عن مهمة تصبين الملابس على قلتها، وهي المعاناة المتجددة التي رسمت خطوطا على ملامح وجهه وشقوقا على يديه. أما أقصى آمال "با أحمد"، وقد بلغ من الكبر عتيا، فلا تتجاوز مساعدة ولو بسيطة من المحسنين ومن الدولة تعيله على تحمل نفقات تطبيب ابنه الذي يتطلب دواء بقيمة 350 درهما كل نصف شهري، غالبا لا يستطيع الوالد أن يشتريه إلا حين تشتد حالة ابنه الوحيد، بحكم الكلفة المالية الباهظة لشخص لا موارد دخل له وقد أعياه الزمن ومنعه عن العمل؛ "وسأظل على هذا الحال إلى أن يفرج الله"، يختم بدارجة صعبة الفهم وهو يغالب دموعه كي لا تنهمر أمام شيوخ القبيلة. لمزيد من المعطيات: 0678341530 0631411740