كشفت القاضية فاطمة أوكدوم، وهي رئيسة غرفةٍ بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في مائدة مستديرة نظمتها جمعية عدالة وحقوق، حول تزويج القاصرات، ممارساتٍ منافيةً لما ينصّ عليه القانون من طرف بعض قضاة الأسرة ومساعدي العدالة، في ما يتعلق بالسلطة التقديرية التي خوّلتها مدونة الأسرة لرجال القضاء لتزويج الفتيات القاصرات. وأفادتْ القاضية أوكدوم، حينَ استعراضها لقصّة طفلة بمراكش، قالتْ إنّها "انتُزعتْ من مقعدها في المدرسة لتزويجها"، بأنَّ أحدَ مُساعدي العدالة في المدينة الحمراء "طلبَ من الخاطبِ ومن والدِ الطفلة تأخيرَ تقديم طلب الزواج أسبوعا، إلى حينِ أخذ القاضي المُكلّف إجازته السنوية، ومجيء قاضٍ آخر، ليتمكّنا من الظفر بإذنِ تزويج الطفلة ذات 12 ربيعا". وتعليقا على هذه الواقعة، قالتْ القاضية أوكدوم: "هذا التحايل يكون ضد المصلحة الفُضلى للفتيات الصغيرات، ويخدم مصالح وجيوب أشخاص لا يؤمنون بأن الطفل يجب أن يعيش طفولة عادية كباقي الأطفال"، وأضافت: "لا يُعقل أنْ نضعَ فصلا في مدوّنة الأسرة به ثغرات يمكن استغلالها من طرف الباحثين عن الزواج بقاصرات، أو من طرف مساعدي القضاء المُحتالين بكلّ الوسائل للحصول على عقودِ تزوجيهنّ". وانتقدت المتحدثة ذاتها، بشدّة، القضاة الذين يأذنون لأولياء أمور الفتيات القاصرات بتزويجهنّ، انطلاقا من السلطة التقديرية التي يخوّلها لهم الفصل 20 من مدوّنة الأسرة، والذي وصفتْه ب"الفصْل المَقيت"، قائلة: "يُقالُ إنَّ المدوّنة وَضعتْ مسطرة تعجيزية لتزويج القاصرات، ولكنْ حينَ يكون هناك خلل في العقلية التي تُصدرُ الأحكام تتبدّدُ جدوى هذه المسطرة". وانتقدت أوكدوم "تساهُل الدولة في شأن تزويج القاصرات، وغياب إرادة سياسية للحدّ من هذا النوع من الزواج"، وقالت في هذا الإطار: "لا تكفي المصادقة على الاتفاقيات والمواثيق الدولية، بلْ يجبُ أن تكون هناك إرادة سياسية وإستراتيجية واضحة لتنزيل مضامين هذه الاتفاقيات، وتنزيل مضمون أسمى وثيقة في البلاد، وهي الدستور". أوكدوم ذهبت إلى حدّ وصف تزويج القاصرات ب"نوع من الاتجار بالبشر"، وأردفت: "نحن في بلد يمكن للرجل أن يتصرف في كل شيء، بما في ذلك مصيرُ هؤلاء الفتيات الصغيرات اللواتي يَعتبرهنّ البعض عبْئا ثقيلا يجبُ التخلّص منه، ويُمارسُ فيهنّ البيع والشراء"، مضيفة: "لا يمكن أن نُشرْعن خلافَ ما تنص عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية". واستطردت المتحدثة ذاتها بأنَّ الحديث عن تزويج القاصرات ينبغي أن يُنظرَ إليه من منظور إنساني، وزادت: "الفتاة غير الراشدة تظلّ طفلة حتّى ولو بَدتْ ناضجة جسديّا. ونحنُ نرى في مراكز الاستماع كوارثَ تعرّضتْ لها قاصرات زُوّجن رغما عنهن..في غياب احترام السلامة النفسية والجسدية لا يمكن لمثل هذا النوع من الزواج أن ينتهي إلى بالفشل والطلاق والمشاكل". واعتبرت أوكدوم أنَّ "الفتيات القاصرات المتزوّجات لا يصحُّ أن نقولَ إنهن زوجات، بل تابعاتٌ ويقُمْن بوظائف تعذّر على الزوج أنْ يأتي بمنْ يقوم بها، فلجأ إلى أسرة فقيرة لتضمن له فتاة تقوم بهذه الأدوار مقابل دريْهمات معدودات". وفيما يُبرّر معارضو منْع سنّ الزواج نهائيا موقفهم بكون الأسَر ستلجأ إلى "زواج الفاتحة"، قالتْ أوكدوم: "كلّ المبرّرات المطروحة لإبقاء تزويج القاصرات غيرُ مقبولة".