مما لا مراء فيه أن المتتبع لكواليس الساحة السياسية المغربية منذ أكثر من شهر من الزمن، وبعيدا عن الصورة الوردية التي رسمتها فعاليات الكوب 22 وقمة العمل الإفريقية الأولى والتي أنست نسبيا المواطن المغربي المطحون قتامة وضحالة الورطة التي يتخبط فيها مخاض الحكومة العسير، يدرك أن تشكيل الحكومة المقبلة صار ضربا من ولادة قيسرية لجنين مشوه الخلقة والخليقة، جنين هجين بل معدوم الحمض النووي. في ظل سباق محموم بل "مجحوم" وَسَمَته أعلى سلطة في البلاد بالغنيمة التي يتطاحن من أجلها أشباه الساسة وصائدوا الحقائب الوزارية، تتنازع شلة علي بابا السلط الوهمية فيما بينها وفق منطقها الميتافيزيقي المجرد، وترهن مصير بلاد بأكمله إرضاء لأنا أعلى حقير. سنوات خمس ماضية أنبأت ولازالت تنبئ بأن عنوان الولاية القادمة سيكون "ماحدها تقاقي وهي تزيد فالبيض" الفاسد طبعا. والواهم من صدَّق يوما أن أصوات الناخب الساذجة هي من سترسم الخريطة السياسية للسنوات العجاف المقبلة، ونحن نعاين أن التماسيح صارت حملانا وديعة، وصار للعفاريت مواقف رجولية تُمتدح لأجلها، وبقدرة قادر أصبحت شماعة التحكم المزعومة حسناء يُخطب وِدها. اليوم، أشباه الأحزاب التي تَدَّعي خدمة الشعب والحرص على مصلحة البلاد العليا مستغرقة تضرب أخماسا بأسداس لعل النصيب الأكبر من الكعكة يكون لها وكلٌّ ينهش على قدر أنيابه المسعورة. لكن، ألم يأْن للذين حكموا أن يُعملوا عقولهم في المآلات التي جعلت حزبا يدعي أنه اِكتسح الأصوات إكتساحا وأن إستقرار هذا الوطن رهين ببقائه على هرم الحكومة في موقف لايحسد عليه، وجعل أمينه يستجدي أحزاب قوس قزح الوصولية إستجداء "ها العار عاونوا الفريق خاصني 96 برلماني باش نصايب ليكم شلاضة عفوا حكومة، فيكون لكم في المقابل وزارة و وزارة منتدبة و وزارة مكلفة بالعلاقات مع الوزارة" ! إن إعمال اللب يفضي إلى جواب بَدَهي ولعله يحمل في طياته طعم أول إنتصار حققته جحافل المقاطعين للإنتخابات، إذ أحدثوا شرخا جعل أشباه الأحزاب في حرب طاحنة بينهم، وعرَّى عن سَوأتهم الميكياڤيلية. ففي دولة تسعى إلى إحقاق الحق والقانون وتتلمس طريقها للديمقراطية، كان الأجدر أن يُفتح نقاش وطني عن مدى جدية وشرعية إنتخابات قاطعها السواد الأعظم من الشعب، وغالبيتهم من خيرة من أنجب هذا الوطن من مثقفين وأطر عليا. أنانية عنجهية فضحتها حسابات ضيقة وأطماع بئيسة في الإستوزار تتغيى ريعا يدوم حتى وإن غادرت المؤخرات كراسي البرلمان الوتيرة. ولا عجب في ذلك إن كان مشروع إلغاء مجانية التعليم، رفع سن التقاعد، سرقة جيوب المواطن الفقير بدعوى إصلاح صندوق المقاسة، خوصصة التعليم، خوصصة مدارس الهندسة بكل أصنافها وعلى رأسها الهندسة المعمارية، خوصصة الصحة، الفصل بين التكوين والتوظيف، الإتجاه لرفع الدعم عن المواد الأساسية، إرتفاع الأسعار، كل هذا مقابل الرفع من تعويضات البرلمانيين، انتشار الريع في صفوف خدام الدولة، شراء السيارات الفارهة، "حيت قال بن كيران عْلاه بغيتو الوزير يركب فطوموبيل أقل شأنا من البيزنس مان" ولو على حساب بلوغ مديونية المغرب لأرقام قياسية. لو كان حقا حزب العدالة والتنمية قد نجح في أدائه الحكومي وحقق البرنامج الذي مُنح بموجبه ثقة المواطن المغربي سنة 2011 حين اِستبشر المواطنُ نفسُه الذي طُحِن في عهده بِه خيرا لكان بمقدوره رفع حصيلته من المقاعد بأكثر من 18 مقعدا بعد 5 سنوات من الولاية "ولينا الله عليهم"، فياله من نجاح باهر! و لكن "اللي نقزاتو النعجة فالوطية هاهي كتخلصوا فالجبل"، إيوا تحالف مع لشكر و بنعبد الله، و أخنوش، وشباط، الله إجعلكم تنودوها صباط . اليوم، وأكثر من أي يوم مضى يستحق المواطن المغربي أن يسمع خطابا سياسيا عقلانيا يعتمد لغة الأرقام ويستند على برامج قابلة للتحقيق والمحاسبة عوض كلام يدغدغ المشاعر ويستعمل الخطاب الديني الأجوف إبتغاء عرض الدنيا و"كاطكاطاتها "، والدين الحنيف من ألاعيبهم براء. اليوم، وأكثر من أي يوم مضى يستحق المغربي خطابا وممارسة سياسية واعية ومضطلعة بدورها أخلاقيا وإجتماعيا وثقافيا، ممارسة سياسية تحمل من النضج ما يجعل كرامة المواطن وحقوقه غاية وليست وسيلة لبلوغ المناصب وتكديس الأموال. اليوم، وأكثر من أي يوم مضى وجب على الأحزاب أن تقف مع نفسها وقفة حساب وعتاب، فقد خانت دماء أجدادنا التي أريقت، وخانت نضالات الشهداء الأبرار الذين كتبت دماؤهم تاريخ المغرب ولازالت تكتبه. فوالله بئس الحكومة بأغلبيتها وبئس المعارضة بتكثلاتها إن كان المواطن فاقداً للثقة في شيء إسمه ممثل الشعب أو برلماني أو مسؤؤل حكومي أو سموه ماشئتم، فالسياسة أولا وقبل كل شيء مسألة أخلاق و ثقة.