منذ إعادة تكليف الملك للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، بتشكيل الحكومة في نسختها الثانية، بعد تصدر حزبه للانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016، تحولت كل أنظار المتتبعين والمراقبين للشأن السياسي بالمغرب، وكذا مكونات الرأي العام الداخلي، نحو متابعة المشاورات بين رئيس الحكومة وأمناء الأحزاب التي عبرت عن رغبتها في المشاركة في الحكومة المقبلة. فباستثناء كل من حزب الأصالة والمعاصرة، الفائز بالرتبة الثانية بعد حزب العدالة والتنمية، وفيدرالية اليسار التي حصلت على مقعدين بمجلس النواب، اللذين أعلنا منذ بداية هذه المشاورات تموقعهما في المعارضة، استقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف بتشكيل الحكومة مختلف أمناء الأحزاب الكبرى، بمن فيهم الأمين العام لحزب الاستقلال، والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، اللذين أظهرا منذ البادية رغبتهما الأكيدة في المشاركة في الحكومة. كما تم استقبال الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي قرن مشاركته بقرار انعقاد اللجنة الإدارية للحزب، والأمين العام لحزب الحركة الشعبية الذي بدا متذبذبا في الحسم في قراره بالمشاركة أو عدم المشاركة. في حين عبر الأمين العام لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية عن موقفه المتميز بالمساندة النقدية للحكومة على غرار الموقف الذي سبق أن اتخذه حزب العدالة والتنمية إزاء حكومة اليوسفي. وكانت المفاجأة السياسية التي قلبت هذه المشاورات، التي بدت لأول وهلة سهلة، بانتخاب وزير الفلاحة السابق، عزيز أخنوش، رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار عوض الرئيس السابق وزير الخارجية صلاح الدين مزوار. وقد تجسدت صعوبة هذا الوضع خلال المقابلة التي جمعت رئيس الحكومة ورئيس التجمع الجديد الذي رفع من سقف شروطه السياسية، مما جعل المشاورات حول تشكيل الحكومة تتعثر وتطول. ومما عكس هذا النوع من الترقب و"الانتظارية" تصريح رئيس الحكومة المعين، بعد تفويض من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بإطلاق جولة ثانية من المشاورات الخاصة بتشكيل أغلبيته الحكومية، بأن "مشاورات تشكيل الحكومة تعاني من الانتظار"، موضحا أنه ينتظر "حسم الاتحاد الاشتراكي مشاركته في الحكومة المقبلة، بغية الانتقال إلى المناقشة التفصيلية"، كما أنه ما زال ينتظر رد رئيس التجمع الوطني للأحرار من المشاركة في الحكومة في غياب أي موقف جديد من اللقاء الذي جمعهما يوم 30 أكتوبر 2016. وبالتالي، فقد ظهر بأن هذا التعثر الحكومي، الذي حاول بعض المتتبعين البحث له عن حلول قانونية ودستورية، يرجع بالأساس إلى إكراهات بنيوية لطبيعة اللعبة السياسية، وإلى طبيعة تكتيكات مكونات المشهد الحزبي. المشهد الحزبي لقد أسفر الاستقلال السياسي للمغرب، في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، عن بروز تعددية حزبية تشكلت بالأساس من حزب الاستقلال، وحزب الشورى والاستقلال، والحزب الشيوعي المغربي، إضافة إلى بعض الأحزاب الصغيرة التي كانت تنشط في المنطقة الشمالية التي كانت خاضعة للاحتلال الإسباني. لكن الصراع على السلطة الذي اتسع بعيد الاستقلال، خاصة بين حزب الاستقلال والمؤسسة الملكية من جهة، وبين هذا الحزب وباقي الأحزاب الأخرى من جهة أخرى، أدى إلى انعكاسات كبيرة على المشهد الحزبي بالمغرب كان من أهمها تفتيت مكوناته وشرذمة نظامه. فقد عملت المؤسسة الملكية، تخوفا منها من طموح حزب الاستقلال إلى تهميش دورها والتقليص من صلاحياتها، على حظر نظام الحزب الوحيد، وإفشال نظام الحزب المهيمن، ثم العمل على تفتيت النظام الحزبي. حظر نظام الحزب الوحيد بعيد الاستقلال، شعر قادة حزب الاستقلال بأن تنظيمهم يعتبر أكبر قوة سياسية بالبلاد نظرا لعدة اعتبارات سياسية، من أهمها الحجم الكبير لعدد المنخرطين فيه، والتضحيات الجسيمة التي قدمها في معركة الحصول على الاستقلال، والامتداد الجغرافي والاجتماعي الذي يتوفر عليه، بالإضافة إلى الرمزية والكاريزمية التي يتمتع بها جل قادته كعلال الفاسي، والمهدي بنبركة، وعبد الرحيم بوعبيد، والفقيه محمد البصري، إلى جانب شبكة العلاقات السياسية والحزبية الدولية والإقليمية التي كان يتوفر عليها، والتنظيمات الجماهيرية التي يتحكم فيها، سواء على الصعيد العمالي أو الشبابي أو النسائي. لذا، كان يرى الحزب أنه الأجدر بحكم البلاد والتحكم في كل دواليب التسيير وصناعة القرار، مستحضرا في ذلك نظام الحزب الوحيد الذي تبنته جل الأنظمة العربية والمغاربية، كحزب الدستور بزعامة بورقيبة في تونس، وجبهة التحرير بالجزائر. ولذلك عمد قادة حزب الاستقلال إلى محاولة القضاء على مختلف الأحزاب المنافسة، خاصة حزب الشورى والاستقلال الذي عانى مناضلوه من الاعتقال والتعذيب والتصفية. كما طالب حزب الاستقلال، منذ الحصول على الاستقلال، بتكوين حكومة متجانسة بدل حكومات ائتلافية، الشيء الذي جعل المؤسسة الملكية تستشعر تخوفا من طموحات هذا الحزب وتعمل على إذكاء نار الخلافات الشخصية والسياسية بين قياداته ليتولد عن ذلك انقسام أدى إلى ظهور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كمنافس رئيسي لحزب الاستقلال. ثم عملت المؤسسة الملكية على بلورة أرضية قانونية تسمح بظهور قوى سياسة أخرى أدت إلى خلق الحركة الشعبية بزعامة المحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب. وبعد ذلك سعت المؤسسة الملكية، تحسبا لأية طموحات حزبية قد تنافسها صدارتها واحتكارها السياسي، إلى حظر نظام الحزب الوحيد وتكريسه دستوريا. إفشال نظام الحزب المهيمن يبدو أن إعلان حالة الاستثناء كان يحمل في طياته رؤية سياسية تبتغي إضعاف كل الأحزاب القوية، سواء من اليمين أو اليسار، في الحكومة أو في المعارضة. لذا، انتهجت منذ بداية الستينات سياسة لإضعاف كل الأحزاب القوية؛ حيث تعرض الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لعدة ملاحقات وتقييدات لتقليص نشاطه وضرب تنظيماته، الشيء الذي أسفر عن انقسام هذا الحزب إلى تنظيمين اتحاديين، ليدخل بعد ذلك في دوامة من الانقسامات والانشقاقات المتواترة. ولم يقتصر الأمر فقط على التنظيمات الحزبية المعارضة، بل شمل أيضا حتى تلك التنظيمات التي تم تأسيسها بمباركة من السلطة الملكية. فقد انقسمت جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية بعيد الانتخابات التشريعية لسنة 1963، وانشطر التجمع الوطني للأحرار بعيد انتخابات 1977، وتم اختراق حزب الاتحاد الدستوري بعيد الانتخابات التشريعية لعام 1984. تفتيت النظام الحزبي لعل التركيز على المقومات "التقليدانية" للنظام المخزني، خاصة بعد المسيرة الخضراء، وتنامي المد الأصولي، أثر بشكل كبير على الحقل الحزبي بالمغرب. فقد تم تحويل هذا الحقل إلى "جزئيات قبلية" يتم التحكم فيها من خلال وزارة الداخلية، الشيء الذي أدى إلى أن كل الأحزاب عانت من الانشقاق والانقسام، بما في ذلك الأحزاب الصغرى. فالتعبير عن موقف سياسي مضاد أو معارض للسياسة الرسمية، أو نهج سلوكات سياسية تغضب الأجهزة المسؤولة، كان يترجم عادة بتشجيع منشقين للانفصال عن "الحزب المغضوب على قيادته". وهكذا توالت الانشقاقات التي شملت حزب التقدم والاشتراكية، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، إلى جانب أحزاب أخرى، الشيء الذي فتت مكونات الحقل الحزبي إلى درجة دفعت الملك الراحل الحسن الثاني وبعده الملك محمد السادس إلى الدعوة إلى ضرورة وضع حد لهذه "البلقنة الحزبية "وإيجاد حلول سياسية لها. وبالتالي، فنتيجة لهذا الوضع الحزبي المتشظي، كان دائما من الصعب على أي حزب من الأحزاب المتصدرة للانتخابات أن ينفرد بأغلبية تسهل له عملية تشكيل ائتلاف حكومي، خاصة بالنسبة لأحزاب كانت تتموقع في المعارضة. وهكذا عانى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بزعامة اليوسفي المعين من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، صعوبات جمة في تشكيل الحكومة؛ حيث اضطر للدخول في مفاوضات عسيرة مع عدة أطياف حزبية للاتفاق على توزيع الحقائب الوزارية. وعلى الغرار نفسه، عانى حزب العدالة والتنمية، بزعامة بنكيران، من الصعوبات ذاتها في تشكيل حكومته الأولى؛ حيث اضطر بدوره للدخول في مفاوضات معقدة مع الأحزاب المشاركة، والتنازل لها عن حقائب وزارية وازنة. ولعل الأمر نفسه يعاني منه بنكيران في تشكيل حكومته الثانية. فحصول حزبه على 125 مقعدا بمجلس النواب في الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016، لم يجنبه عناء البحث عن الصيغة السياسية المناسبة لترضية حلفائه وأخذ مزيد من الوقت للتوفيق بين تباين طموحات الأحزاب المشاركة في حكومته. فافتقاد حزبه لأغلبية عددية تمكنه من تشكيل الحكومة بكل أريحية، أجبره، كرئيس حكومة معين، للخضوع لبعض إملاءات بعض هذه الأطراف التي وصلت إلى حد مطالبته بإبعاد أحزاب منافسة. 2-ارتفاع نسبة المقاطعة الانتخابية إن نسبة المشاركة في الانتخابات تلعب دورا أساسيا في التأثير على النتائج النهائية، خاصة في الانتخابات التشريعية. فنفس الكتلة الناخبة هي التي عادة ما تشارك في هذه الانتخابات. وباستثناء نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، بقيت النسبة مألوفة لا تتعدى 45 في المائة. وهذا ما يجعل الأحزاب المشاركة في الانتخابات، سواء الكبرى منها أو الصغرى، تتنافس على فئة ناخبة قارة لا تتغير؛ إذ رغم ولوج فئات واسعة من الشباب مجال المشاركة في الحياة السياسية، فهي عادة ما تقاطع هذه العمليات نظرا لعدة عوامل من أهمها - حرص السلطة، في إطار هاجس التحكم في توازنات المشهد الحزبي، على ضمان نسبة معقولة للمشاركة في هذه الانتخابات. ففي عملية التسجيل للانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016، لم تستجب وزارة الداخلية لطلب قبول التصويت المباشر لأكثر من ستة ملايين من أفراد الجالية المغربية بالخارج، كما أكدت هذه الوزارة على ضرورة أن تتم عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية وفق الضوابط الإدارية التي حددتها رافضة إشراك أي مكون حزبي في هذه العملية؛ حيث عملت على تشديد إجراءات "التسجيل الإلكتروني للناخبين في اللوائح الانتخابية"، خاصة بعد مطالبة حزبي ''الأصالة والمعاصرة''، و''الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية''، وزارة الداخلية ب''التشطيب على آلاف الناخبين بدعوى أنهم سجلوا من طرف شبيبة العدالة والتنمية''. الشيء الذي قد يستغل من طرف منافسهم لجلب وحشد أصوات انتخابية لصالحه. - دعوة بعض التنظيمات السياسية الراديكالية إلى مقاطعة هذه الانتخابات. وهكذا قادت جماعة العدل والإحسان حملة انتخابية غير معلنة موازية لحملات الأحزاب المشاركة التي كانت تؤكد على واجب وضرورة المشاركة في العملية الانتخابية. كما دشن حزب النهج الديمقراطي حملة للمقاطعة الانتخابية؛ حيث نزل بعض مناضليه إلى الشارع لإقناع الناخبين بعدم جدوى هذه الانتخابات. - فشل مختلف الأحزاب المشاركة التي تلقت دعما ماليا من طرف الدولة للمشاركة في هذه الانتخابات في استمالة غالبية الناخبين بسبب سوء العرض السياسي المقدم من طرفها الذي تميز بالخطاب الشعبوي، وبنوع من الشخصنة السياسية، وبالترحال الحزبي، وتشابه البرامج الحزبية، وضعف التواصل التلفزي لجل مرشحي ومرشحات الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات. وبالتالي، فنتيجة لهذه العوامل، فقد سجلت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016 حوالي 43%؛ أي بانخفاض 2 بالمائة عن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية السابقة، الشيء الذي يعكس أن ثلتي الناخبين المسجلين لم يذهبوا إلى التصويت. - 3 تحديد العتبة الانتخابية إن هندسة السلطة للخريطة السياسية يجعلها حريصة على التحكم في توازنات الخريطة الانتخابية من خلال تحديد نمط الاقتراع، وعملية التقطيع الانتخابي إلى جانب تحديد سقف العتبة الانتخابية. فخلال الاجتماعات التي سبقت إجراء الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر، التي أشرفت عليها وزارة الداخلية، احتدم الجدل بين الأحزاب الكبرى والصغرى بشأن تحديد سقف العتبة الانتخابية الذي كان محددا في 6 في المائة في الانتخابات السابقة. وهكذا تباينت مواقف الأحزاب المشاركة؛ إذ طالبت الأحزاب الكبرى برفع العتبة الانتخابية لتصل إلى 8 في المائة من الأصوات المضمونة، على اعتبار أنّ ذلك سيمنع ما تسميه هذه الأحزاب "توسيع رقعة المشهد السياسي" في البلاد. في المقابل، اعتبرت أحزاب الصغيرة أن تخفيض أو إلغاء "العتبة الانتخابية" يعدّ مطلباً ضرورياً وملحّاً، لأن ذلك من صلب الديمقراطية الحزبية في البلاد، التي تتيح لجميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية من دون سقف محدد أو عتبة تضع شروطاً للمشاركة وقبول الأصوات. فدافع حزب "العدالة والتنمية" عن إبقاء العتبة الانتخابية في حدود 6 في المائة أو رفع هذه النسبة، بدعوى أنّ تخفيضها أو التراجع عنها يؤدي إلى التقسيم والغموض داخل المشهد الحزبي والسياسي بالبلاد. فيما اقترح حزب "الاستقلال" المعارض رفع العتبة الانتخابية إلى 10 في المائة، بينما دعا حزب "التقدم والاشتراكية"، المشارك في الحكومة، إلى تخفيض العتبة إلى 3 في المائة. وطالب كل من "الاتحاد الاشتراكي" المعارض، و"اليسار الاشتراكي الموحد"، غير الممثل في البرلمان، بإلغاء "العتبة". وقد أرجع بعض المتتبعين تشبث الأحزاب الكبرى، كحزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، بالرفع من سقف العتبة الانتخابية، أو على الأقل الإبقاء عليها، إلى أن أي تخفيض في هذه العتبة سيؤدي إلى تشتيت للأصوات الانتخابية. وبالتالي، سيصل إلى البرلمان أكبر عدد من الأحزاب، مما سيفضي إلى تعقيد التحالفات الحكومية، ويفرز أغلبية حكومية غير مريحة تفتقد للانسجام. ولعل هذا ما دفع بوزارة الداخلية إلى الحسم في تخفيض العتبة الانتخابية من 6 إلى 3 في المائة؛ حيث إن ذلك سيسمح بتسهيل عملية التحكم في الائتلافات الحكومية المقبلة بغض النظر عن الحزب الذي سيتصدر انتخابات 7 أكتوبر، الذي سيجد نفسه مضطرا إلى الدخول في مفاوضات مع عدة أطراف وتقديم عدة تنازلات لتشكيل الحكومة المقبلة. بالإضافة إلى أن هذا الوضع ساهم بشكل كبير في خلط الأوراق وارتفاع التنافس، الذي جعل كل حزب، في غياب مشاركة سياسة مكثفة، يعمد إلى استقطاب الكتلة الناخبة نفسها، والتنافس على اقتسام حصصها، مما لا يساعد على بروز أي حزب أغلبي أو فوز أي حزب بالأغلبية التي تمكنه من التحكم في تشكيل الحكومة. 4- طبيعة التكتيكات الحزبية إن تشرذم المشهد الحزبي، وطبيعة النخب الحزبية التي تتصدر هذا المشهد، يجعلان من الاستراتيجية المتبعة من طرف القيادات الحزبية تكتيكات براغماتية قصيرة المدى لا تقوم على توجهات سياسية أو تصورات مذهبية قبلية أو تحالفات استراتيجية. وقد ظهر ذلك في مختلف العمليات الانتخابية؛ حيث عادة ما تستنكف الأحزاب الكبرى المتنافسة في عقد تحالفات قبيل الانتخابات، وتفضل النزول إلى المعترك الانتخابي بشكل منفرد. فخلال الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر، فضلت الأحزاب المشاركة عقد تحالفاتها السياسية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات. وهكذا أعلن الحزب المتصدر للانتخابات، بعد تعيين أمينه العام رئيسا للحكومة، تحالفه مع كل من حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، مما جعل التجمع الوطني للأحرار يرد على ذلك بالإعلان عن تحالفه مع الاتحاد الدستوري في أفق أية مشاركة حكومية، خاصة بعدما أعلن حزب الأصالة والمعاصرة عن نيته في التوقع ضمن معارضة حكومة بنكيران المحتملة. إلى جانب ذلك، فعدم توفر الحزب المتصدر للانتخابات على كل الكفاءات الضرورية للاستوزار، كما حددها خطاب الملك بداكار، جعل التنافس محموما بين كل من حزبي الاستقلال والتجمع حول توزيع الحقائب الوزارية الوازنة بحكم بأن كليهما قد راكم تجربة حكومية ويتوفر على البروفايلات الوزارية الملائمة. بالإضافة إلى ذلك، فافتقاد بنكيران لأغلبية مضمونة، ورغبته في التحكم في مكونات الإتلاف الحكومي المقبل، جعلاه يعمل جاهدا على ضم كل من حزبي الاستقلال والتجمع على الرغم من مطالبة هذا الأخير بإبعاد غريمه من هذا الائتلاف. ولعل هذا ما دفع بنكيران، في إطار انتقاده لأخنوش لتجاوزه دور الشريك إلى دور رئيس الحكومة، إلى تسريب مضمون المشاورات التي أجراها مع أخنوش بهذا الشأن، مما أدى إلى حرب إعلامية بين الاستقلاليين والتجمعيين وتبادل الاتهامات بينهما. في حين أكد رئيس الحكومة المعين، في تصريحاته، على تشبثه بحزب الاستقلال وانفتاحه على مشاركة التجمع الوطني للأحرار في محاولة لشل قدرتهما؛ وذلك تفاديا لأي تأثير سلبي على حكومته المقبلة، وتجنبا لعدم إعادة سيناريو حكومته الأولى التي أدى انسحاب الوزراء الاستقلاليين منها إلى خضوعه لضغط رئيس التجمع الوطني للأحرار السابق والقبول بشروطه التي كان من أهمها حصول حزبه على وزارات وازنة، والاستفراد برئاسة مجلس النواب، وكذا التطاول على بعض اختصاصات رئاسة الحكومة في تسيير بعض المؤسسات التابعة له، كان من بينها صندوق تجهيز المشاريع الفلاحية. وعموما، فكل هذه العوامل الهيكلية التي تتحكم في المشهد السياسي تعكس أن التعثر في عملية تشكيل الحكومة لا يرجع إلى اختلاف في البرامج والتصورات الحزبية، بل إلى طبيعة المشهد السياسي الذي تتصدره المؤسسة الملكية بكل ثقلها، التي لا تترك لمكوناته الفرعية إلا هامشا سياسيا تتم هندسته بإحكام وسط عزوف انتخابي شعبي يتزايد باستمرار بسبب المقاطعة والإقصاء.