يندلع فجأة حريق في منزل من دوار "حاحا المعصرة" بحي المحاميد بمراكش، فتتم المناداة على رجال المطافئ؛ لكنهم بعد حضورهم يجدون صعوبة في إنقاذ من ابتلعته النيران، بسبب ضيق الأزقة، ما يجعل حمل مريض كهل أو من لا يقوى على المشي إلى مشارف شارع النخيل، حيث تنتظر سيارة الإسعاف، مأساة أخرى تضاف إلى معاناة متكررة. شريط أخضر يمتد على طول شارع محمد السادس بحي جليز الراقي يصاحبك وأنت تعبر حدائق المنارة، لتتناثر أمامك عمارات وفيلات، بعدها ترتمي في أحضان حي المحاميد بمقاطعة المنارة، بمنازله وأسواقه ومرافقه، التي تخفي منطقة عشوائية نشأت بأراض زراعية من لدن الفلاحين؛ لكنها ظلت نقطة سوداء منذ توقفت عملية إعادة الهيكلة، التي انطلقت سنة 2011. أزقة ضيقة ومنازل أضيق معظمها من الطوب وأسقفها ونوافذها متهالكة، صيانتها متوقفة بسبب حرمان أهلها من إعادة الهيكلة المتوقفة إلى زمن غير معلوم؛ لكن بالرغم من ذلك تم ربطها بشبكات مياه الشرب والصرف والكهرباء، بالإكراه والقوة لفرض الأمر الواقع على السكان. "سئمنا الوعود المتكررة بالتعويض التي انطلقت منذ زمان من لدن السلطة المحلية والمنتخبة"، يقول إسماعيل الفارسي عن جمعية الأمة للتنمية لهسبريس، وزاد محملا الجهات السابق ذكرها مسؤولية تكاثر وتناسل المنازل التي انتقلت سنة 2004 من 300 إلى 600 دار، تفتقر لكل الخدمات الاجتماعية. و"عادت المؤامرة من جديد سنة 2011"، يورد الفاعل الجمعوي ذاته وملامح وجهه تعكس بركانا من الحزن؛ لأن المشروع، الذي خصص له ما يقارب مليار و800 مليون درهم، أعطى الأولوية للواجهة، ما دفعنا إلى رفع شكايات "نطعن في ما نسميه بالتلاعب في التعويض حيث استفاد من لا علاقة لهم بالمنطقة". ويضيف الشاب وعيناه تنطق معاناة وألما: "كل الأبواب صدت في وجهنا حين كنا نبحث عن حل جديد للسكان الذين حرموا من الاستفادة من عملية إعادة الهيكلة، فقمنا بوقفات احتجاجية سنة 2014، دفعت المسؤولين إلى إحياء ملف أقبر منذ سنوات خلت". قاطعنا شاب كان ينصت لسرد القاسمي للمعاناة المؤلمة التي يعيشها سكان الدوار نفسه، ليقول: "إن السلطة، بعد تورطها في جريمة التلاعب بدوارنا، تعمل الآن على تسييجه، بالترخيص لبناء منازل حتى تخفي مأساتنا، التي عايشتها منذ نعومة أظافري"، يحكي امبارك المرابط ابن الحي نفسه لهسبريس. وتابع الشاب الجامعي مبرزا "أن بالدوار قنوات تجمع الماء الصالح للشرب والقاذورات"، مؤكدا أن "أشغال الربط فرضت قسرا على السكان، الذين يطالبون بهدم الحي"، حسب تعبير المرابط، الذي يشير إلى أن السلطة تعمل على تزويد الحي بالكهرباء مجانا لشراء صمت السكان. وطالب عبد الغفور حلاك، رئيس جمعية الراية للتنمية المحلية، بالتدخل العاجل لإعادة النظر في ما وصفه ب"إعادة الجريمة" التي تطلق عليها السلطات المحلية إعادة الهيكلة بدوار "حاحا المعصرة"، فيما هي تحافظ على منطقة عشوائية، وفق قوله. وتابع المتحدث عينه، متهما الجهات المعنية بتشجيع السكن العشوائي، ثم طالب ب"فتح تحقيق في الخروقات التي عرفها الملف، وتمكين السكان من مبادرة تضمن لهم العيش الكريم"، يختم حلاك. وبغية الوقوف على أسباب تعثر مشروع إعادة هيكلة دوار "حاحا المعصرة"، نقلت هسبريس شكوى المتضررين إلى إدارة مجموعة العمران، فعقدت لقاء مع مسؤول بوكالة منطقة جليز، طلب عدم الكشف عن هويته. المسؤول حمل عبر هسبريس بشرى للمتضررين بأن مشكلتهم تم حلها أخيرا، بعد مصادقة لجنة مكونة من ممثلين عن المجلس الجماعي وقسم التعمير بعمالة مراكش وعن وزارة الإسكان على تصميم تعديلي طرحته مؤسسة العمران. "لقد صادقت كذلك كل من الوكالة الحضرية والوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء على حل مشكلة الدوار المذكور"، يضيف مسؤول عينه، موضحا أن الأخيرة ستتكلف بتجهيز المنطقة بقنوات للصرف الصحي والماء الصالح للشرب، مؤكدا أن أشغال إعادة الهيكلة ستنطلق مع نهاية السنة الحالية تقريبا، وفق قوله. وأرجع المصدر تأخر حل مشكلة دوار "حاحا المعصرة"، من جهة، إلى إنجاز طريق النخيل في إطار مشروع مراكش الحاضرة المتجددة، ما استدعى إلغاء بعض البقع، ومن ناحية ثانية إلى أن أحد المستفيدين كان يعرقل الأشغال، موردا أن "قضيته عرفت حلا قضائيا"، حسب تعبيره.