أزيد من خمسين يوما مرت على تعيين عبدالإله بنكيران رئيسا للحكومة بناء على تصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية ل7 أكتوبر 2016. ولحد الآن ما زالت المشاورات والمفاوضات مع أمناء الأحزاب المعنية مستمرة من أجل تشكيل الأغلبية البرلمانية التي ستنبثق منها الحكومة الثانية بعد دستور 2011. لقد أصبح من المحتمل أن تتشكل الأغلبية الحكومية التي لم تر النور بعد من ستة أحزاب. حيث بالإضافة إلى العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والتجمع الوطني للأحرار المحسوبين على الحكومة المنتهية ولايتها، من المرجح أن تنضم إلى الفريق الحكومي المقبل ثلاثة أحزاب من المعارضة السابقة : حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري الذي أصبح يكون مع التجمع الوطني للأحرار فريقا برلمانيا مشتركا من ستة وخمسين عضوا. وبالتالي فإن الحقائب الوزارية للحكومة المنتظرة ستوزع على سبع مكونات في حالة اعتبار ما يسمى بوزارات السيادة إحدى المكونات الأساسية للأغلبية الحكومية والتي تشمل الدفاع والأمانة العامة للحكومة والداخلية والتعليم... وبارتباط مع ما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الواحدة والأربعين للمسيرة الخضراء وخاصة الجزء المتعلق بالحكومة المقبلة التي يشترط أن تكون "جادة ومسؤولة" ومستوفية لمعايير محددة مسبقا حيث أصبح واجبا عليها : 1. أن تتجنب" إرضاء رغبات الأحزاب السياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية"؛ 2. أن تكون "قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، في ما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه"؛ 3. أن تكون ذات "هيكلة فعالة ومنسجمة" 4. أن تتوفر على "كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة". ومراعاة لحرص صاحب الجلالة شخصيا على "تشكيل الحكومة المقبلة، طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة"، سيكون، في اعتقادي، من الصعب على عبدالإله بنكيران أن يحقق الهدف المتوخى إذا ما احتفظ بالمكونات السبع المذكورة أعلاه، علما أن الفعالية والانسجام لوحدهما يقتضيان إلزاميا تقليص عدد الحقائب الوزارية وإن تأتى ذلك لما لا تقليص المكونات الحزبية للحكومة المنتظر تشكيلها عما قريب، مقارنة مع الحكومة المنتهية ولايتها. هذا وفي حالة ما إذا اكتفى رئيس الحكومة المعين بإضافة أحزاب الكتلة فقط إلى حزبه المتصدر للانتخابات التشريعية لأكتوبر الماضي في أفق تشكيل الأغلبية الحكومية المنتظرة، لا يجوز تقليص الحقائب التي كانت في حوزة التقدم والاشتراكية، الحليف الوفي للعدالة والتنمية، كما لا يبدو منطقياالإستغناء كليا عن التجمع الوطني للأحرار المحسوب على الأغلبية السابقة الذي يرجع له الفضل في إنقاذ حكومة بنكيران الأولى بعدما غادرها حزب الاستقلال آنذاك مفضلا الالتحاق بالمعارضة. المنطق يقتضي أن الفرقاء السياسيين الذين تمرنوا طيلة الزمن الحكومي الذي تقاسمه حزب العدالة والتنمية مع التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية مند البداية ومع التجمع الوطني للأحرار خلال ما يزيد عن الثلاثة سنوات الأخيرة من عمر الحكومة السابقة، قد يتمكنون من العمل في انسجام أحسن وقد يشتغلون بفعالية أكثر إن هم واصلوا تدبير الشأن الحكومي وخاصة الإصلاحات التي أنجزوها معا والأوراش التي اشتغلوا عليها سويا. إن السيناريو الذي يبدو قابلا للتنفيذ في احترام تام للمعايير التي حددها الخطاب الملكي وعملا بنصيحة عامة الناس"صاحبك ما تبدلو غي بما عر منو" هو أن يواصل عبدالإله بنكيران الطريق مع فريق العمل الذي يرجع له الفضل في إنجاز العديد من الإصلاحات على مستوى عدة قطاعات حكومية وخاصة تلك التي أشرف عليها وزراء جادون ووزيرات جادات منتمون للأحزاب الأربعة للأغلبية الحكومية المنتهية ولايتها. إن الحصيلة الحكومية خير دليل على أن أحزاب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية إظافة إلى ما يصطلح عليه بوزارات السيادة قد يصيبون الأهداف المنشودة في حالة اتفاقهم من جديد على مواصلة التجربة الحكومية السابقة بإرادة سياسية وأخلاقية أقوى وأمتن وأنجع شريطة أن يتخلوا نهائيا عن كل ما من شأنه فرملة أو تعطيل الأداء الحكومي خلال الولاية المقبلة وتعكير الأجواء بين مكونات الحكومة المنتظرة من جهة ومكونات المعارضة من جهة أخرى تحت الرعاية السامية لملك البلاد الساهر على "احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة". * صحافي سابق وفاعل سياسي.