مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    النقيب الجامعي يكتب: على الرباط أن تسارع نحو الاعتراف بنظام روما لحماية المغرب من الإرهاب الصهيوني    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.بلعيد: ترسيم الأمازيغية يعني بناء دولة عصرية
نشر في هسبريس يوم 16 - 06 - 2011

يعتبر الدكتور بودريس بلعيد من مؤسسي الحركة الثقافية الأمازيغية سواء باعتباره أحد مؤسسي جمعية أسنفلول الثقافية بمكناس أو أحد مؤسسي أول مجلس للتنسيق الوطني بين الجمعيات الأمازيغية أو أحد مؤسسي الكونغرس العالمي الأمازيغي. وهو بالإضافة إلى ذلك أحد الفاعلين الحقوقيين الذي تحمل مسؤوليات وطنية متعددة في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان . كما أنه أول مدير لمركز البحث الديداكتيكي والبرامج التربوية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وهو حاصل على دكتوراه الدولة في علم النفس المعرفي. وأول رئيس لشعبة الفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس. له عدة بحوث في مجال حقوق الإنسان وديداكتيك الفلسفة والأمازيغية.
شكل مطلب ترسيم الأمازيغية أهم مطلب رفعته الحركة الأمازيغية خلال العقدين الأخيرين، بعد خطاب 9 مارس قال الكثيرون بأن الدسترة قيد التحقق، خاصة وان العديد من الأحزاب والمنظمات الحقوقية دافعت عن هذا المطلب كيف ترى ذلك؟
د. بلعيد: من الناحية الحقوقية، وانطلاقا من مبدأ المساواة بين جميع بني البشر، ودون استثناء، وحقهم غير القابل للتصرف في جميع الحقوق دون ميز مهما كانت تبريراته، فإن ترسيم الأمازيغية يأتي في سياق إحقاق الحق في المواطنة والتنمية. وكانت الحركة الأمازيغية والحركة الحقوقية المغربية أول من دشن هذا المطلب قبل بداية الحديث عن الانتقال الديمقراطي وأثناءه.
ومن الناحية السياسية، يعني ترسيم الأمازيغية بناء دولة عصرية تستمد مشروعيتها من مكونات وطموحات المغاربة. وبذلك تكون مناسبة تعديل الدستور فرصة للرقي بالفكر السياسي المغربي والانتقال به من منظومة الظلم والجور والانحياز إلى منظومة دولة الحق والقانون التي تعني، أول ما تعنيه، تمتع المواطنين بجميع حقوقهم، ومنها الحقوق اللغوية والثقافية التي تنفتح تتمفصل تفاعليا وجدليا على كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
إن انخراط العديد من الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني في الدفاع عن دسترة الأمازيغية يعني التحام هذه الهيئات مع عمق انشغالات الشعب المغربي وتحديدها لهويتها باعتبارها غير سابقة عن المجتمع بل ممكنة لهمومه وآماله من التعبير عن نفسها والسيادة في بلدها. وهذا يعكس الانتقال من مفهوم السياسة، الذي كان يعني (لخواض) إلى مفهوم السياسة الذي يعني تدبير الشأن العام بتفويض من الشعب وتحت رقابته وسلطته وفق مصلحته التي لا يحددها أحد سواه.
تتفاوت مقترحات الأحزاب والمنظمات وجمعيات المجتمع المدني بشأن الأمازيغية بين منادي لجعلها لغة رسمية إلى جانب العربية، ومن يرى الاقتصار على تضمين النص الدستوري الاعتراف بالأمازيغية مكونا من مكونات الهوية المغربية والاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية كيف تحلل هذا التباين في المواقف بين القوى السياسية؟
د. بلعيد: يجب الاعتراف بأن الفكر السياسي في المغرب (وبالخصوص في علاقته بالتدبير الموضوعي للشأن العام) لم يشهد ديناميكية فكرية وعملية إلا منذ فترة وجيزة. إذ أن الكثير من المواضيع التي يناقشها الفكر السياسي ويمارسها السياسيون في الدول الديمقراطية كانت بمثابة أشياء خارج التداول، إن لم نقل طابوهات. كما أن "النقاشات" المسلحة التي تلت الإعلان عن استقلال المغرب لم تمكن السياسيين من النجاة من العديد من الأفكار الخاطئة التي لم تقع فيها العديد من الدول التي أحرزت عن استقلالها بعد المغرب، كما هو الحال مع مفهومي الثقافة واللغة. حيث سادت فيهما مفاهيم مفارقة لحياة الشعب المغربي، وكأن الأمر كان يتعلق بإنكار وتنكر لواقع المغاربة اللغوي والثقافي والعمل الحثيث على نقلهم من هذا الواقع إلى واقع لا يهم إلا بعض السياسيين المفارقين لحياة المغربيات والمغاربة.
وعلى هذا الأساس يمكن فهم التباينات في المواقف، رغم أن أغلبية الهيئات السياسية والنقابية والمدنية، أكدت، في مذكراتها، أنها قد انخرطت فعلا في الانتقال من الركون إلى "المسلمات" (الخاطئة) إلى إعادة بناء مفاهيم العمل السياسي بمضامينه الوطنية الديمقراطية والإنسانية، والتي تتلخص في إقرار حقوق الإنسان والحكامة في تدبير الشأن العام (دون حيف) والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
رغم الإجماع بين مكونات الحركة الأمازيغية على أهمية المرحلة إلا أن هناك غياب لإجماع على اتخاذ المبادرة الموحدة، فهناك من استجاب لدعوة لجنة المنوني وهناك من تخندق في صف الرافضين لهذه اللجنة ألا يضعف ذلك المطالب الأمازيغية في رأيك؟
د. بلعيد: إن أساس الدولة الديمقراطية هو الاتفاق على إقرار الحقوق وعدم جواز نفيها أو تأجيلها كيفما كانت المبررات. أما ما يتلو ذلك، من مواقف، فتتدخل فيه الحرية في النظر إلى أنجع السبل لتفعيل هذه الحقوق. واللجنة التي ذكرتم هي اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور، وهي تضم العديد من الكفاءات المتنوعة والمتعددة التخصصات، التي تشتغل في تشاور مع مختلف الهيئات السياسية والنقابية والمدنية والعلمية. وهي بذلك، في تقديري، تشكل مناسبة غير مسبوقة في التعامل مع مهمة بناء الدستور الديمقراطي الذي يحب أن يجد فيه جميع المواطنين (أي المتعاقدين) كينوناتهم وتطلعاتهم.
والرأي الذي لا يرى ضرورة لتقديم مقترحاته لهذه اللجنة رأي حر لا يمكن سلبه تحت أي طائل كان. صحيح أن الذي تقدم بالمذكرة أنجز أمرين في غاية الأهمية، وهما: بذل المجهود التشاركي اللازم من أجل إعطاء مضمون ديمقراطي للمرحلة التي يمر منها المغرب. وهذا المضمون ناتج عن مجهود في التفكير الجماعي وفي التفاعل (الداخلي) بين مختلف مكونات الهيئات التي تقدمت بمذكرات في موضوع تعديل الدستور من جهة، كما ساهم هذا المجهود في تقعيد وتأسيس المطالب اللغوية والثقافية الأمازيغية في وثائق مكتوبة بحيثيات وحجج تتناسب مع مصلحة الوطن والمعايير الدولية. أي أنه مجهود يصب في بناء سياسة ديمقراطية لتدبير الشأن العام من جهة ثانية.
ماذا يعني في رأيك، تصريح بعض الفعاليات الحقوقية باستحالة ترسيم اللغة الأمازيغية الآن؟
د. بلعيد: نحن نميز بين السياسيين الديمقراطيين الذين يدبرون الشأن العام من أجل تحقيق النمو والازدهار للجميع وأولئك الذين يهدفون إلى إماتة مكونات الشعب اللغوية والثقافية، وهو الفرق الذي يوجد بين السياسات الوطنية وبين السياسات الاستعمارية التي تهدف إلى الإبادة والتقتيل. لذلك نجد أن كل السياسيين الديمقراطيين يبادرون إلى ترسيم لغاتهم الوطنية ليضمنوا لها فرص الحماية والتطور.
أما بالنسبة للفاعلين الحقوقيين فلا مجال لوجود الفرق بينهم، لأن الفاعل إما أن يكون حقوقيا ويعمل (وليس فقط يعبر) على تسييد جميع الحقوق للجميع وإما أن يكون مناهضا لحقوق الناس في العيش في مجتمع ديمقراطي تسوده المساواة بين الجميع ذكورا وإناثا ناطقين بالأمازيغية أو بالعربية... إن الفرق بين المدافع عن حقوق الإنسان والمستخدم في سلبها كبير ولا لبس فيه. فالأول يدافع عن الحق للجميع والثاني يكرسه لفئة ويخدم كي لا يتمتع به غيره. ويمكن حصر كل الصيغ في الاحتمالات التالية:
- الذي يدافع عن حقه وحق الغير، وهو المدافع عن حقوق الإنسان بالمعايير الكونية؛
- الذي يدافع عن حقه دون حق الغير، وهو السياسي الذي يدبر الشأن العام بالإقصاء؛
- الذي لا يدافع عن حقه ويدافع عن حق الغير، وهو الذي لا قضية ذاتية له؛
- الذي لا يدافع عن حقه ولا عن حق الغير، وهو المنعدم.
وواضح أن النموذج الأول هو إلي ينطبق على المدافعين عن حقوق الإنسان، وفي هذا المعنى يفهم التضامن بين المدافعين عن حقوق الإنسان والشعوب. أما النموذج الذي تحدثت عنه فهو لا يصنف في أي صنف من الأصناف السابقة؛ لأنه يدافع عن حقه ويحاول أن يسلب من الغير تمتعه بحقوقه. وهذه مناهضة واضحة وجلية لمناهضة حقوق الإنسان؛ سواء عبرت عنها المؤسسة أو الفرد. وفي ما يتعلق بمناهضة حقوق الناس، فقد تبين من خلال التفاعلات والتبادلات الدولية أن نفس التبريرات التي تلجأ لها بعض "الأصوات" في المغرب من أجل سلب الناس حقوقهم هي نفسها التي نجدها في مختلف الدول التي لا تعترف بالحقوق اللغوية والثقافية للشعوب التي تجثم عليها كتركيا وإيران وسوريا. وهذه التبريرات لا تختلف عن ما كان آباؤنا وأجدادنا يسمعونه من الاستعمار الفرنسي أو الاسباني أو البيزنطي أو الروماني، رغم اختلاف التكييفات، لأنها تستمد أساسها من مآل التدمير والإماتة الذي تصبو إليه. وواضح أن حقوق الإنسان حركة إنسانية تتجه نحو البناء والتشييد بالحرية والكرامة والمساواة للجميع.
هل اللغة الامازيغية المعيارية شرط أساسي لدسترة الأمازيغية؟
د. بلعيد: ليست هناك أية علاقة بين ترسيم اللغة من طرف الدولة الديمقراطية وبين حالة هذه اللغة من حيث المعيارية أو الجاهزية أو ما إلى ذلك من المبررات التي يروج لها بعض دعاة التأجيل، أي التقتيل. فالعلاقة الوحيدة هي علاقة الترسيم التي تؤدي إلى التأهيل وليس العكس. لأن شرط الجاهزية هو قلب لمفهوم الديمقراطية التي تعني تمتع المواطن(ة) بحقوقه لأنه إنسان دون قيد أو شرط. إن جنوب إفريقيا، على سبيل الأمثلة، رسمت لغاتها مباشرة بعد إعلان الاستقلال وفي أول دستور، لأن الدولة تعتبر أنها ناضلت من أجل الاستقلال الذي يعني حقوق جميع لغات الوطن في المساواة وفي التهيئة والنمو والتطور.
إن ترسيم اللغة الأمازيغية يعني أولا وقبل كل شيء إعلان الدولة أن هدف وجودها هو الحياة والازدهار وليس التقتيل. وتقتضي حياة اللغة الأمازيغية توفير كل الظروف (وبالخصوص المادية، لأن الدولة لا تتصدق على أحد بل تدبر مالية تتكون من ضرائب الشعب وموارده الطبيعية) من أجل تجاوز الأمازيغية للهشاشة التي قادتها إليها أزمنة التهميش والاستعداء بمختلف أشكاله وتجلياته.
إن معيار الاستقلال السياسي يتجلى في المقارنة بين حالة اللغة أثناء الاستعمار وحالتها بعد الاستقلال؛ إذ أن كل تطور ونمو يعني الاستفادة من الاستقلال وكل تدهور يعني استمرار المعاناة من أساليب الاستعمار.
هذا من حيث المبدأ والمعنى والدلالة السياسية، أما من حيث الواقع فلا بد من القول أن المجهودات التي بذلها العديد من الباحثين والكتاب والفنانين جعلتنا في أقل من عقد من الزمن نعايش تقدما مهما في تهيئة اللغة الأمازيغية وفي بناء مناهج تدريسها وطرقها البيدغوجية ودعاماتها الديداكتيكية، في مراكز البحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ثم مختلف مراكز تكوين الأساتذة، بمجهودات مغربية وبنكران للذات عز نظيره منذ عقود في المغرب.
ماذا يعني ترسيم الأمازيغية الآن؟
د. بلعيد: ماذا يعني الآن أولا؟ "الآن" هو لحظة نقاش وتبادل فكري وسياسي ينخرط فيه كل المغاربة بشكل غير مسبوق من أجل بناء دستور ديمقراطي، تسعفهم في ذلك مختلف أساليب التواصل والتعبير الورقية والسمعية البصرية والافتراضية. ويتميز هذا الإسعاف بوجود المغربيات والمغاربة (ككل ساكنة المعمور) في بؤرة تحولات عالمية لا ترضى عن الديمقراطية والمساواة بديلا. وبذلك يكون "الآن" هو مخاض سياسي تتشكل فيه الدولة المغربية المدنية والديمقراطية والحداثية.
وماذا يعني ترسيم الأمازيغية الآن؟ هذا يعني أن هذه الدولة تجيب بشكل صادق ودون رياء، على السؤال: من هم المغاربة؟ وماذا تخطط لهم كمصير؟ وهكذا، وعندما نتابع الخريطة اللغوية للمغرب من طنجة إلى الكويرة، أن نعترف كدولة، تدبر الشأن العام في هذه الرقعة السياسية، بأننا قررنا أن نعمل على تنمية هذه الخريطة بكل ما تفرضه المساواة والإنصاف وعدم التمييز بين المغاربة وحقهم في النمو والازدهار.
ماهو الفارق بين الأمازيغية لغة وطنية والأمازيغية لغة رسمية؟
د. بلعيد: إن الفرق بينهما، في السياق الحالي والملموس، هو أن الحديث عن الأمازيغية كلغة وطنية في الدستور لا يترتب عليه أي التزام من طرف الدولة. وهذا يعني أمرين على الأقل: أولا تحصيل حاصل يؤول إلى ممارسة سياسية إقصائية لا تنتظر إلا إبادة الأمازيغية. وثانيا هو بمثابة تحضير لطقوس وأد الأمازيغية ب"ابتسامة" لا يمكن أن تقنع لا ماضي الأمازيغية ولا مستقبلها.
أما دلالة دسترة الأمازيغية كلغة رسمية فتعني تحمل الدولة لمسؤولياتها في التعامل مع المغاربة بلغتهم. وهذا يعني انتقال الدولة من التعالي على الشعب إلى تماهيها معه عبر تكريس هويته والامتناع عن إبادتها والعمل على تطويرها، لأنها تعلن رسميا أنها تتعامل مع مكونات الشعب المغربي الناطق بالأمازيغية بلغته مع كل ما يترتب عن ذلك من حماية ونهوض.
إن التدهور الذي لحق بالأمازيغية منذ 1956 إلى الآن يعتبر، بغض النظر عن النوايا وباعتبار الوقائع فقط، نتيجة لسياسة المفارقة عن الشعب التي كانت الدولة في المغرب تمارسها وتعرف بها نفسها في أشكال التعامل مع المواطنين. حيث كانت مشاعر الغرابة والغيرية هي ما يميز علاقة المواطن المغربي مع كل المرافق الرسمية، مع كل ما يصاحب ذلك من خرق للحقوق في الاستفادة من خدمات الإدارة الثقافة والمحاكمة العادلة والتنمية .
إن دسترة الأمازيغية لغة رسمية يعني قلب مفهوم الدولة الذي كان سائدا؛ من الدولة المستبدة إلى الدولة الناتجة عن تعاقد يكفل مصالح الجميع في جميع الحقوق. من الدولة التي تطلب من المواطنات والمواطنين أن يكونوا ما تريد إلى الدولة التي تكون حسب ما يريد الشعب.
ما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذ بعد الاستجابة لمطلب دسترة الأمازيغية؟
إن عدم ترسيم الأمازيغية في الدستور المرتقب يعني حق المغاربة الديمقراطيين في البحث، بالطرق السلمية وهذا حق مشروع بكل الأعراف الكونية، عن بناء الدولة التي يمكن أن تتماهى مع تطلعاتهم في الحفاظ على هويتهم اللغوية والثقافية وتطويرها. وتتميز هذه الدولة بضمان حقوق الناطقين بالعربية بالتمتع بحقوقهم اللغوية والثقافية كاملة وغير منقوصة. وتمكن، في نفس الوقت وبنفس المعايير، الناطقين بالأمازيغية من نفس الحقوق، أي الحماية الضرورية والتطور الممكن لهويتهم اللغوية والثقافية.
أما ترسيم الأمازيغية في الدستور فيعني تدشين مرحلة الدولة المتماهية مع الشعب المغربي. وهذا يعني أن تتوفر للمواطن الناطق بالأمازيغية (بالمساواة مع الناطق بالعربية وكغيره من الناس في الدول الديمقراطية) إمكانية الشعور بأن هناك تغييرا جذريا قد تم في علاقته مع المؤسسات الرسمية؛ وعلى هذا التغيير أن يتجلى في الانتقال من الدولة البرانية إلى الدولة المستمدة لمشروعيتها السياسية من الشعب المغربي.
أما ما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذ؟ فهذا موضوع تنافس بين مختلف الأحزاب والهيئات التي تطمح إلى نيل ثقة الشعب قصد تدبير شؤونه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية. وبذلك ترتبط هذه الإجراءات بقواعد الديمقراطية وديناميكيتها المتمثلة أساسا في بناء البرامج التنموية والتقدم بها أمام الناخبين والحكامة في تنفيذها ومراقبة أشكال تطبيقها ومحاسبة منجزيها وعدم إفلات مفسدي الشأن اللغوي والثقافي المغربي من العقاب.
أما على المستوى الإجرائي، فالأمر لا يعدو أن يتعلق (وفي ذلك فليتنافس السياسيون المتنافسون) باستكمال سيرورة تمكين الأمازيغية من نفس الفرص الممنوحة للعربية وترشيد التعليم والتربية والإعلام بها وتأهيل الإدارة لتكون في خدمة المواطنين؛ أي تدشين عملية تطور الإنسان المغربي ورقيه في وطنه من داخل ذاته وليس بتخليه عن هويته المثرية للإنسانية.
أسئلة سريعة
المغرب بلغتين رسميتين؟
د. بلعيد: إحقاق للحقوق ووضع الأساس السليم لدولة الحق والقانون ومناسبة سانحة لنبذ الشوفينية واستبدالها بتربية التسامح والتعدد والمرونة في التفكير المؤدية إلى الحيوية والتطور للجميع.
الأمازيغ ما بعد دسترة الأمازيغية؟
د. بلعيد: سيشعر الأمازيغ، لأول مرة منذ أمد بعيد، أنهم في بلدهم يدبرون شؤونهم العامة (دون تمييز) كما تدبر في كل الدول الديمقراطية. وعلى النخب الفكرية المغربية المهتمة بحقوق المغاربة اللغوية والثقافية (دون تمييز) أن يشتغلوا بسرعات أكثر من تلك التي كانت تسيرهم بها "الأقدار" المبيتة.
المعهد الملكي أي تحول؟
د. بلعيد: تبعا للمؤشرات المتوفرة الآن، سيتعلق الأمر بسيناريو أكثر تقدما في تجسيد مبادئ باريس الأممية.
الحركة الأمازيغية بعد الدسترة؟
د. بلعيد: مهام أكثر لحماية الأمازيغية والنهوض بها وبالخصوص مساهمة دالة في بناء المغرب الديمقراطي المتعدد في إطار وحدة (بالحقوق) نصبو أن تشمل إفريقيا الشمالية برمتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.