حكومة 2017 بين بنكيران وأخنوش : تحالف أم تعايش ( 2/2) أين السيد إلياس العماري و"البام" من كل هذا؟ لست مقتنعا بأن حزب الأصالة والمعاصرة دخل انتخابات 7 أكتوبر للفوز بالرتبة الأولى وتكليف السيد إلياس العماري بتشكيل الحكومة؛ بل أرى في الواقع أن الأمور تركت لتأخذ مجراها الطبيعي والعادي، وكل مهمة "البام" كانت تتجلى وتقتصر في فرملة حزب العدالة والتنمية من الحصول على أزيد من 90 مقعدا بمجلس النواب. هذا هو رهان "البام" في انتخابات 7 أكتوبر، وليس الوصول إلى السلطة التنفيذية. ولبلوغ هذا الهدف البسيط- المعقد، يكفي "منع ومحاصرة" حزب العدالة والتنمية من تعزيز وتأكيد حضوره في كبريات المدن المغربية؛ وعلى رأسها: مراكش، الرباط، البيضاء، فاس، طنجة، أكادير، ووو. وإن منع حصول "البيجيدي" على مقعدين في انتخابات 7 أكتوبر بكبريات المدن يعني أتوماتيكيا تراجع "البيجيدي" عدديا والذي في نهاية المطاف لن يصل إلى 105 أصوات التي حازها في سنة 2011، علما أن الصراع حول في اللوائح الانتخابية وخفض العتبة (من 6 إلى 3 في المائة) كان يخدم هذا المخطط. فماذا كانت النتيجة؟ حزب المصباح فاجأ الجميع بتعضيد مقاعده، وهنا انتهت المعركة بانتصار بيّن للمصباح على الجرار، وكانت المعركة شرسة من كلا الطرفين واستعملت فيها كل الأسلحة الشرعية للتنافس الحزبي والمحظورة انتخابيا ومن الطرفين. في جملة وخلافا لكل ما يسوّق، فإن "البام" لم يدخل غمار انتخابات 7 أكتوبر للفوز بها؛ بل فقط للجم اكتساح انتخابي لحزب العدالة والتنمية وخفض رقم 105 إلى 90 أو أدنى قليل، وهو رهان فشل فيه حزب الجرار وربحه المصباح الذي لعب جيدا ورقت إعداد المرشحين سرا والإعلان عنها في يوم اجتماع المجلس الوطني ل"البام" المقرر فيه إعلان اللوائح والبرنامج الانتخابي وهو ما أربك كثيرا "البام". وفي هذا السياق، نتذكر ونفهم جيدا قصة مرشحي: الرباط، مراكش، فاس، تطوان، العرائش، طنجة والحسيمة وغيرها من الدوائر الانتخابية. حزب الأصالة والمعاصرة استنفد مهامه الإستراتيجية وعبّر عن عجزه الانتخابي في فرملة اكتساح حزب العدالة والتنمية، وكل ما نجح فيه "البام" منذ نشأته إلى اليوم يتمثل في إنهاء أسطورة أحزاب الكتلة والفتك بها وإنهاكها وإنهائها مجتمعة، ولا يواجهه في الساحة سوى حزب العدالة والتنمية . "البام" أدى أقصى ما هو مطلوب منه، بالرغم من أنه استفاد كثيرا من حيث عدد المقاعد وأصبح قوة مؤثرة في البرلمان بغرفتيه والعديد من المجالس المنتخبة إلاّ أنه لم يستطع بعد أن يتحوّل إلى حزب "عادي"، وهذا عطبه المزمن. في هذا الإطار، تراجع مؤقتا السيد إلياس العماري إلى خلف الستار، وتمت المناداة على السيد عزيز أخنوش في باعتباره "جوكير" المرحلة. هي، إذن، عملية استبدال لاعب بآخر، ومن الثابت أن السيد أخنوش سيكون لاعبا وازنا في المشهد السياسي المغربي مستقبلا وصراع الأمس بين (بنكيران – إلياس) سيتغير كليا مع (بنكيران – أخنوش). فللسيد أخنوش حظوة وإمكانات وأوراق لا يتوفر عليها السيد إلياس العماري، كما أنه يتمتع أيضا بمكانة خاصة عند السيد بنكيران وهو ما كان يفتقده السيد إلياس العماري. والمثير فعلا في حكاية السيد إلياس العماري والتي تلخص انتكاسة المشهد الحزبي المغربي هو اختزال الشجاعة السياسية وممارسة فعل المعارضة في شيطنة السيد إلياس العماري كفاعل سياسي واتهامه بكل التهم والأوصاف القدحية؛ وهو ما ينطوي على تحامل كبير في حق الرجل. يسجّل ل"البام" وضوح موقفه منذ إعلان النتائج الانتخابية، واختار صف المعارضة وهو وضوح يحسب له وهو اليوم منكب على عملية ترميم البيت الداخلي للحزب أملا في مصداقية مفتقدة. وسيسعى دون شك إلى الحفاظ على موقعه في المشهد الحزبي المغربي، خصوصا أن حزب الأحرار أقرب إلى الأصالة والمعاصرة منه إلى حزب العدالة والتنمية. وعليه، فإن تراجع "البام" وأمينه العام إلى الخلف أملته ظروف مرحلية وتكتيكية، فكل المؤشرات تدفع في اتجاه تحالف على أعلى مستوى بين السيدين أخنوش والعماري وتشكيل جبهة بين الحزبين في مستقبل الأيام (تنظيميا ونيابيا)، سواء شارك الأحرار في الحكومة أم لم يشاركوا فيها. "هناك الفصل 47 من الدستور وهناك أيضا الفصل 42" وإذا كان تشكيل الحكومة المقبلة بيد السيد بنكيران بقوة القانون والدستور والمنطق، فإنه بالمقابل يعلم يقينا بأن دور القصر فاعل وحاسم؛ وهو أساسي ورئيسي بقوة القانون والدستور كذلك. وبصرف النظر عن مكونات الحكومة المقبلة، فإن السيد بنكيران لن تطلق يداه في عدد الحقائب الوزارية وحتى الأسماء الوزارية لغرض جبر الخواطر (الحزبية والعائلية). وهذا جوهر الخلاف ومربط الفرس، وخطاب الملك محمد السادس الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء كان واضحا للغاية. كما أن الاتجاه العام يذهب في اتجاه إعادة النظر كليا في الهيكلة الحكومية، وخفض عدد الحقائب الوزارية إلى أقل من 28 حقيبة وزارية، مع تجميع العديد من القطاعات الوزارية على شكل أقطاب. وسيكون أمام السيد بنكيران سنتان أو سنة ونصف لإبراز نجاعته التدبيرية لمشكلات عويصة تستلزم حلولا سريعة وناجعة، لا سيما معضلة التشغيل والتعليم والمديونية والأمن الطاقي وإنعاش الاستثمارات والحد من الفوارق والهشاشة وغيرها من المشكلات الحساسة بعيدا عن لعبة إنتاج خطابات شعبوية وقفشات لإلهاء الناس والهروب من المساءلة والمحاسبة الجدية. في حالة العكس وفشل الحكومة الجديدة في إحداث التغيير المطلوب والوصول إلى الأهداف الإسترتيجية الكبرى سيكون حينها أمر إجراء انتخابات سابقة لأوانها مقبولا ومنطقيا أو حتى تحريك ملتمس الرقابة داخل المؤسسة التشريعية. وهذا ما يحسب له السيد بنكيران ألف حساب، خصوصا أن سنة 2017 ستكون سنة المؤتمرات الحزبية والتي ستعرف زلازل تنظيمية كبيرة للغاية، والتخلص من قيادات حزبية والإتيان بأخرى. وعلى هذا المستوى ولغاية إعادتهما على رأس حزبيهما، يراهن السيدان إدريس لشكر وحميد شباط أكثر من رهانهما على حقائب وزارية، خصوصا بعد الاجتياح الكبير لما يسمى بالأعيان للأحزاب السياسية وإحكام السيطرة عليها تنظيميا ومؤسساتيا، ويتعلق الأمر هنا ب: أحزاب "التقدم والاشتراكية" و"الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، أما باقي الأحزاب الممثلة في البرلمان فهي طبّعت مع هذه "البدعة الحزبية" من زمان إن لم تكن أصل نشأتها. ختاما، فإن المشكلة اليوم والتي وجب الانكباب عليها في ما يستقبل من الأيام (بعد تشكيل الحكومة طبعا) من لدن المعنيين المباشرين بالموضوع هو تنقية الوثيقة الدستورية من الأخطاء وملء البياضات المتروكة لتأمين عمل ومناعة سير المؤسسات إلى جانب مراجعة المنظومة الانتخابية، ولكم فقط أن تتصوروا لو أن مصالح وزارة الداخلية سايرت أهواء السيدين شباط ولشكر وتم رفع العتبة إلى 10 أو 8 في المائة؟ أكيد أن "إرهاق" السيد بنكيران عملية متواصلة إلى أمد معلوم أملا في حد أدنى من التوافق الضامن للتعايش. وهذا ما يدركه السيد بنكيران جيدا، خصوصا بعد المتغيرات الإقليمية وحتى الدولية. فالأرقام والإحصائيات الحقيقية والنتائج التفصيلية لانتخابات 7 أكتوبر لا تسع أي حزب سياسي ليشكل قوة ضغط وازنة ومؤثرة وكل القيادات الحزبية تعرف حقيقة وزنها في الشارع. ويكفي أن نعلم أن من أصل حوالي 30 حزبا شارك في الانتخابات الأخيرة فإن أزيد من 15 منها لا يتعدى نسبة (صفر فاصلة) من حيث عدد الأصوات المعبر عنها. وفي خضم هذه الأجواء المفعمة بالانتظارية والتأويلات والتأويلات المغرضة والشائعات لا بد من استحضار الذاكرة والتأكيد على أن السيد بنكيران ما انفك يقول مرارا جهارا لسنوات: "لن اصطدم مع جلالة الملك أبدا – الملك هو رئيسي وهو الذي يحكم- علاقتنا مع سيدنا شرعية ودينية- أنا غير كنعاونو – أنا قلت ليه واحد النهار أنا معاك واخا تديني للسجن..." وغيرها من العبارات الصريحة والواضحة في الاتجاه نفسه... ففي الافتتاح الرسمي للحملة الانتخابية لحزب المصباح بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط نهاية شتنبر الماضي قال السيد بنكيران أثناء إلقاء كلمته التوجيهية جملة بليغة بالدارجة المغربية أجدها تختزل كل ما يجري اليوم وسيجري غدا حيث قال: "راه خاصكم أووف ديال لملعم ". وعليه، فالجميع في انتظار . Un offf.. de soulagement أنقر هنا لقراءة الجزء الأول (*) صحافي-كاتب ومحلل سياسي