بخلاف الاهتمام الشعبي الذي حظيت به الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011، بسبب ظرفية إقليمية تميزت بتهاوي أنظمة سلطوية، كأنظمة بنعلي ومبارك والقذافي، ومواجهات عسكرية دامية بين أنظمة شمولية ومعارضات مسلحة، كما في سوريا واليمن، وتداعيات حركية سياسية داخلية تميزت بظهور حركة 20 فبراير، كان من أبرز نتائجها وضع دستور جديد... يتابع الرأي العام مجريات الانتخابات التشريعية ل7 أكتوبر2016 بتثاؤب سياسي واضح. فعلى الرغم من أن هذه الانتخابات تعد ثاني استحقاقات تشريعية في ظل أول دستور ممنوح في عهد الملك محمد السادس، وستسفر نتائجها النهائية عن تحديد تشكيلة حكومية جديدة، إلا أن ملابساتها لا تشد على ما يبدو إلا اهتمام الجهات العليا المشرفة على التحكم في الخريطة السياسية والأطراف الحزبية المكونة لهذه الخريطة.. وتنطلق كل جهة من رهانات سياسية خاصة، مطبوعة بتقاطبات انتخابية غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات بالمغرب. 1- الرهانات السياسية نظرا لحساسية الفترة السياسية الملتهبة التي أحاطت بإجراء انتخابات 25 نونبر 2012، والتي اتسمت على الخصوص بضرورة احتواء التداعيات السياسية والمطلبية لحركية 20 فبراير، تركزت رهانات النظام، بعدما ربح الجولة الأولى في احتواء هذه الحركية عبر التصويت بكثافة على الدستور الممنوح من طرف الملك، على توسيع نسبة المشاركة في هذه الانتخابات التي كانت تشكل محكا سياسيا لتفعيل وتنزيل مقتضيات الدستور الممنوح الجديد.. ولعل هذا ما حول المشاركة في هذه الانتخابات، السابقة لأوانها، إلى رهان سياسي بين النظام ومكوناته التي عبأت كل إمكانياتها وجهودها لحث عموم الناخبين على التصويت بكثافة في هذه الانتخابات، وبين مكونات المعارضة السياسية المتمثلة في تعبيرات حركة 20 فبراير بمختلف أطيافها الأصولية والراديكالية التي دعت إلى المقاطعة المكثفة. وبالتالي، فقد ركزت وزارة الداخلية جهودها على ضمان أكبر مشاركة شعبية في هذه الانتخابات، لاسيما أن شبح نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 بقي يؤرق السلطات العليا في البلاد، التي كانت تتخوف أن تتكرر التجربة نفسها في هذه الانتخابات. وهكذا عبأت وزارة الداخلية كل مواردها البشرية واللوجيستكية لتسجيل أكبر عدد ممكن من الناخبين، خاصة من الشرائح الشابة، وقامت بعدة حملات دعائية وإشهارية لحمل المواطنين على التسجيل في اللوائح الانتخابية، كما مددت فترات التسجيل لهذا الغرض، فأثمرت هذه العملية عن تسجيل ما يقارب 13 مليون ناخب. لكن يبدو أن امتصاص النظام لتداعيات حركية 20 فبراير على الصعيد الداخلي، وتحديات الوضع الإقليمي غير المستقر، جعل تدبير السلطة لهذه الانتخابات يتمحور بالأساس على ثلاثة رهانات سياسية، تتمثل في الحفاظ على توازنات المشهد السياسي، وتكريس مصداقية النموذج السياسي المغربي، والعمل على ضمان شفافية العملية الانتخابية - تكريس توازنات المشهد السياسي حرصت السلطة منذ تصدر حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2012، وترؤسه للحكومة بزعامة أمينه العام، عبد الإله بنكيران، على تحجيم دور هذا الأخير وفرملة تحركاته، من خلال هيمنة وزراء السيادة وتغليب الجانب التقنوقراطي على الجانب السياسي في هذه الحكومة. وهكذا ضمت حكومة بنكيران، إلى جانب وزير الأوقاف المعين من طرف الملك، وإدريس الضحاك، الأمين العام للحكومة، والوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، شخصيات أخرى كيوسف العمراني، الكاتب العام السابق لوزارة الشؤون الخارجية، الذي عين وزير منتدبا لهذه الوزارة، والشرقي الضريس، المدير العام السابق للأمن الوطني، الذي عين وزيرا منتدبا بالداخلية، بالإضافة إلى عزيز أخنوش، الذي عين وزيرا للفلاحة. وبالإضافة إلى هذا التحجيم، سعت السلطة إلى إرباك قيادة بنكيران للحكومة من خلال توظيف صعود شباط لرئاسة حزب الاستقلال، الحليف الأساسي لحزب العدالة والتنمية، الذي ضغط من أجل انسحاب الوزراء الاستقلاليين من الحكومة، وإرغام بنكيران للحفاظ على ائتلافه الحكومي على التفاوض مع رئيس التجمع الوطني للأحرار، الذي استطاع أن ينتزع منه مجموعة من الحقائب الوزارية الوازنة، كوزارة الاقتصاد والمالية، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون، والوزارة المكلفة بالجالية المغربية، التي أصبحت تعتبر من بين الوزارات الحساسة، نظرا لإشرافها، إلى جانب القنصليات والسفارات، على خزان بشري واقتصادي وسياسي وانتخابي مهم. ولعل ما دفع وزارة الداخلية إلى إقصاء أكثر من 6 ملايين مهاجر من إمكانية التصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة، رغم التنصيص الدستوري على حقوق هذه الفئة في المشاركة في الحياة السياسية الداخلية، إدراك مهندسي الخريطة السياسية المقبلة أن السماح لها قد يخلخل تحكمهم في مكونات هذه الخريطة. وإلى جانب هذا التحجيم، شكل تحديد العتبة الانتخابية آلية من آليات الحفاظ على توازنات المشهد السياسي. فخلال الاجتماعات التي أشرفت عليها وزارة الداخلية، احتدم الجدل بين الأحزاب الكبرى والصغرى بشأن تحديد سقف العتبة، الذي كان محددا في 6 في المائة، فتباينت مواقف الأحزاب السياسية، إذ طالبت الأحزاب الكبيرة برفع العتبة الانتخابية لتصل إلى 8 في المائة من الأصوات المضمونة، على اعتبار أنّ ذلك سيمنع ما تسميه هذه الأحزاب "توسيع رقعة المشهد السياسي" في البلاد؛ وفي المقابل، اعتبرت أحزاب صغيرة أن تخفيض أو إلغاء "العتبة الانتخابية" يعدّ مطلباً ضرورياً وملحّاً، لأن ذلك من صلب الديمقراطية الحزبية في البلاد، التي تتيح لجميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية من دون سقف محدد أو عتبة تضع شروطاً للمشاركة وقبول الأصوات. وهكذا دافع حزب "العدالة والتنمية" على إبقاء العتبة الانتخابية في حدود 6 في المائة أو رفعها، بدعوى أنّ تخفيضها أو التراجع عنها يؤدي إلى التقسيم والغموض داخل المشهد الحزبي والسياسي بالبلاد؛ فيما اقترح حزب "الاستقلال" المعارض رفع العتبة الانتخابية إلى 10 في المائة؛ بينما دعا حزب "التقدم والاشتراكية"، المشارك في الحكومة، إلى تخفيض العتبة إلى حدود 3 في المائة، وطالب كل من حزب "الاتحاد الاشتراكي" المعارض، و"اليسار الاشتراكي الموحد"، غير الممثل في البرلمان، إلى إلغائها. وأرجع بعض المتتبعين تشبث الأحزاب الكبرى، كحزب العدالة والتنمية وحزب "الاستقلال"، وحزب "الأصالة والمعاصرة"، بالرفع من سقف العتبة الانتخابية، أو على الأقل الإبقاء عليها، إلى أن أي تخفيض سيؤدي إلى تشتيت الأصوات الانتخابية. وبالتالي سيصل إلى البرلمان أكبر عدد من الأحزاب، ما سيفضي إلى تعقيد التحالفات الحكومية، ويفرز أغلبية حكومية غير مريحة تفتقد للانسجام، ولعل هذا ما دفع وزارة الداخلية إلى الحسم في تخفيض العتبة الانتخابية من 6 إلى 3 في المائة؛ إذ إن ذلك سيسمح بتسهيل عملية التحكم في الائتلافات الحكومية المقبلة، بغض النظر عن الحزب الذي سيتصدر انتخابات 7 أكتوبر، والذي سيجد نفسه مرغما على الدخول في مفاوضات مع عدة أطراف وتقديم عدة تنازلات لتشكيل الحكومة المقبلة. - تكريس مصداقية العملية الانتخابية رغم أن الانتخابات التشريعية ل7 أكتوبر 2016 تعتبر ثاني انتخابات تشريعية في ظل دستور فاتح يوليوز 2011، فإن أهميتها تكمن بالأساس في أنها تشكل إحدى الآليات السياسية التي يستند عليها النظام لتكريس ما أصبح يطلق عليه بالنموذج السياسي المغربي، الذي يقوم على الإصلاح في إطار الاستمرارية. ففي خضم محيط إقليمي متقلب تتجاذبه الصراعات الطائفية، والتفجيرات الإرهابية، والمواجهات العسكرية، والتدخلات الأجنبية، يحرص النظام على تسويق نموذج سياسي خاص ذي أبعاد دينية وسطية، ومقاربات أمنية استباقية، وانفتاح اقتصادي متعدد، وآلية انتخابية تعكس إدماج الأطياف الدينية الأصولية من خلال مشاركة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الدينية، الذي ينافس أطيافا سياسية أخرى من مختلف الحساسيات الإيديولوجية، بما فيها بعض الوجوه السلفية التي ستشارك في هذه الانتخابات باسم أحزاب مختلفة؛ إذ ترشح أبو حفص، الذي يعتبر أحد شيوخ السلفية بالمغرب باسم الاستقلال، بعدما انفصل عن حزب الفضيلة والعدالة، في وقت رشح "حزب المصباح" الداعية السلفي حماد القباج على رأس لائحة الحزب بدائرة كيليز النخيل بمراكش، العاصمة السياحية المغربية بامتياز، وفي أحد أرقى الأحياء؛ لكن والي الجهة منع ترشح الأخير؛ ما أثار عدة تساؤلات حول أسباب هذا المنع الذي يمكن إرجاعه إلى أسباب ثلاثة: - الأول سياسي، ويتمثل في أن اختيار القباج، المعروف بمرجعيته السلفية، يعكس رغبة "البيجيدي" في الانخراط في عملية دمج أحد الرموز السلفية في الحياة السياسية المغربية.. وتبني "المصباح" لهذه العملية باستقلال عن أجهزة السلطة اعتبر قفزا على المخطط السياسي الذي تتبناه بشكل تدريجي لإدماج التيار السلفي، واستباقا من الحزب الذي يريد بعث رسائل إلى من يهمه الأمر، مفادها أن السلفية قد تكون حليفا جديدا لضمان انخراطها في العمل السياسي وحصد أكبر عدد من الأصوات. - الثاني شخصي، ويتجلى في التقارب الفكري والسياسي بين القباج و"المصباح"؛ إذ كان الأول دائما داعما للثاني من خلال مشاركته في الحوار الوطني مع المجتمع المدني، الذي نظمه الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان السابق، كما سانده عندما انتقده محمد بن عبد الرحمن المغراوي، أحد شيوخ السلفية في المنطقة، وانسحب من جمعيته على خلفية هذا الانتقاد. -الثالث انتخابي، يتمثل في القدرة الاستقطابية لهذه الشخصية، التي يمكن أن تجتذب أصوات عدة شرائح من الهيئة الناخبة، من خلال ترشيح شخص في وضعية إعاقة على رأس إحدى اللوائح الانتخابية، وما قد تعنيه هذه الخطوة من محاولة الحزب إدماج هذه الفئة داخليا والانفتاح عليها في الآن ذاته. بالإضافة إلى أن "القباج يعتبر شخصية معروفة، واستطاع أن يبني نفسه رغم أنه مقعد، وكان اليد اليمنى للمغراوي، وعرف بدبلوماسيته وميوله إلى الحوار، وليست له الحدة نفسها التي توجد عند الخط السلفي بأجمعه"، يقول أبو اللوز في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، مردفا بأن ترؤسه جمعية الدفاع على دور القرآن بالمغرب سنة 2011 مكنه من فتح قنوات الاتصال مع نواب من العدالة والتنمية بالبرلمان، كما تمكن من الانفتاح على وسائل الإعلام التي انفتحت بدورها عليها، ما جعل له شرعية في الظهور. "بالإضافة إلى مراهنة هذا الحزب على هذه الشخصية السلفية لاجتذاب الأصوات السلفية والمتعاطفين معه في هذه المنطقة، ولعل هذا ما أدركته مختلف الأحزاب في المنطقة، بما فيها حزب الأصالة والمعاصرة، الذي حاول استمالته لكنه رفض، وهذا ما يدل على مكانة الرجل. ورغم الواجهة العصرية والسياحية لمراكش، فإن عمقها المحافظ بمكونيه السلفي والإسلامي، قد يسهل مهمة القباج في حصد "نتائج ايجابية بكل سهولة". وبالتالي يدخل التنافس بين الأحزاب على ضم ممثلي بعض التيارات السلفية، في سياق وضعية دولية وإقليمية تتبنى فيها السلفية الجهادية بزعامة كل من تنظيمي القاعدة وداعش عمليات إرهابية في دول أوربا، والولايات المتحدة، وفي كل من العراقوسوريا واليمن، إلى جانب ليبيا، وتونس، إضافة إلى بعض الدول الإفريقية والآسيوية، (يدخل) بلا شك ضمن إستراتيجية تسويق هذا النموذج السياسي المغربي، الذي تشكل فيه انتخابات 7 أكتوبر 2016 محطة سياسية هامة في نظر النظام، لتأكيد وتجسيد هذا النموذج، خاصة وهذه الانتخابات ستنظم قبيل بضعة أسابيع عن تظاهرة منتدى المناخ كوب 22، التي ستستضيف فيها مراكش كل الفعاليات الدولية والإقليمية بمختلف أطيافها. - ضمان شفافية العملية الانتخابية لدعم مصداقية هذه الانتخابات التشريعية التي ستعلن نتائجها قبيل أول دورة لمجلس النواب الجديد، التي ستفتح من طرف عاهل البلاد في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر 2016، حرصت السلطة على ضرورة إحاطة هذه الاستحقاقات بكل الآليات التي تضمن شروط شفافيتها ونزاهتها لتفادي أهم الاختلالات التي كانت تعاني منها العملية الانتخابية بالمغرب طيلة عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وبهذا الصدد، أكدت وزارة الداخلية ضرورة أن تتم عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية وفق الضوابط الإدارية التي حددتها، رافضة إشراك أي مكون حزبي في هذه العملية.. وهكذا عملت على تشديد إجراءات "التسجيل الإلكتروني للناخبين في اللوائح الانتخابية"، خاصة بعد مطالبة حزبي ''الأصالة والمعاصرة''، و''الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية''، وزارة الداخلية ب''التشطيب على آلاف الناخبين بدعوى أنهم سجلوا من طرف شبيبة العدالة والتنمية''، ما يمكن أن يستغل من طرف منافسهم لجلب وحشد أصوات انتخابية لصالحه. وقد قوبل هذا التشدد من طرف وزارة الداخلية بردود فعل عنيفة من طرف قياديي حزب العدالة والتنمية، إذ تدخل رئيس فريق حزب ''العدالة والتنمية'' داخل مجلس النواب، عبد الله بوانو، من خلال في سؤال شفوي إلى كل من وزير الداخلية محمد حصاد، والوزير المنتدب في الداخلية الشرقي اضريس، بالقول: ''حزبنا غير مستعد للدخول في الانتخابات بالطريقة التي تريدها الداخلية"، مضيفا: ''لا يمكن التراجع عن منح الهيئات الحزبية أحقية تسجيل الناخبين إلكترونيا، فقد تم الاتفاق على هذا الأمر سنة 2014 وجرى التعامل به سنة 2015.. واليوم تأتون لتطلبوا التراجع.. هذا غير مفهوم''. وزاد: ''لا يمكن توقيف التسجيل في اللوائح الانتخابية لأحزاب تعمل وتجتهد لكون أحزاب كسولة لا تريد نسب مشاركة عالية''؛ كما تساءل عن مدى "دستورية مثل هذه القرارات التي تصدرها الداخلية''، ملوحا بورقة مقاطعة الانتخابات التشريعية المقررة في 7 أكتوبر. وأكد بوانو أن حزبه "سيقاطع الانتخابات المقبلة في حال لم تتراجع وزارة الداخلية عن قرارها القاضي بالتشطيب على المسجلين باللوائح الانتخابية إلكترونيا بأثر رجعي''؛ لكن ردود الفعل هذه لم تمنع هذه الوزارة من إلغاء أزيد من 130 ألف مسجل في اللوائح الانتخابية. وإلى جانب بيان وزارة الداخلية بإمكانية تجريم كل الفاعلين الحزبيين الذين يشككون في نزاهة العملية الانتخابية القادمة، أصدرت هذه الوزارة، في سابقة من نوعها، بيانا أعلنت فيه حظر استطلاعات الرأي حول اتجاهات التصويت، حتى لا يتم استغلال نتائج هذه الاستطلاعات في توجيه الرأي العام. بالإضافة إلى ذلك، قامت الوزارة ذاتها بعملية واسعة لتنقيل رجال السلطة في مختلف أقاليم المملكة، لضمان أجواء سليمة للانتخابات المقبلة؛ في حين أوصت بضرورة وقف تنفيذ كل المشاريع المحلية، وكذا أنشطة الجمعيات الخيرية والإحسانية التي تنشط عادة في المناسبات الدينية، كعمليات الإفطار في رمضان، والتبرع بشراء الأضاحي بمناسبة عيد الأضحى، حتى لا يستغل ذلك في حملات انتخابية سابقة لأوانها. في حين صدرت مذكرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تمنع على القيمين الدينيين من أئمة ووعاظ المشاركة من خلال الخطب أو الدروس الدينية للدعاية لصالح أحد الأحزاب المتنافسة. 2 – التقاطبات الانتخابية تميزت هذه الانتخابات بخلاف سابقاتها بتقاطب حاد، يتمثل في مواجهة شبه ثنائية بين حزب العدالة والتنمية المتصدر للحكومة، وحزب الأصالة والمعاصرة المتزعم للمعارضة. - خلفية التقاطب الحزبي ويمكن أن نرجع هذا التقاطب غير المسبوق إلى مجموعة من العوامل، من أهمها: المعطى الأول سياسي، يتجلى في أن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة قام بالأساس على احتواء توسع حزب العدالة والتنمية داخل الرقعة السياسية؛ وبالتالي العمل على تقليص اتساع نفوذه السياسي من خلال التشويش على تحالفاته المحلية بعد الانتخابات الجماعية ل2009، أو منافسته على الدور الذي لعبه داخل البرلمان من موقعه في المعارضة؛ بالإضافة إلى تشكيل مجموعة الثمانية لمنافسته انتخابيا. لكن يبدو أن نزول حركة 20 فبراير إلى الشارع وتنظيمها لمسيرات رفعت شعار إبعاد عراب هذا الحزب، وصديق الملك، السيد فؤاد عالي الهمة، لعب دورا حاسما في تواري الأخير إلى الوراء، ولجم الاندفاع السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي اكتسح مختلف مكونات المشهد الحزبي. المعطى الثاني هيكلي، ويرجع إلى تراجع مكونات الحركة الوطنية، كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي فقد امتداده الشعبي والنقابي وانسجامه الداخلي نتيجة تداعيات تجربته الحكومية التي أدى ثمنها السياسي غاليا؛ وكذا حزب الاستقلال، وإن كان حافظ على تماسكه الداخلي، فقد ضعفت قوته الاستقطابية نتيجة مساهمته في تسيير الشأن الحكومي، وكذا التغير الذي عرفته تركيبته القيادية التي تحولت إلى قيادة افتقدت الكثير من الكاريزما التي كان يحظى بها زعماء الحزب السابقون، أمثال بالفريج، وعلال الفاسي، وبوستة. بالإضافة إلى أن الصراع الداخلي الذي احتدم بعد تولي حميد شباط لقيادة الحزب، وكذا الخطأ القاتل الذي ارتكبه بإجبار الوزراء الاستقلاليين على الانسحاب من حكومة بنكيران، أدى إلى التأثير على مصداقية الحزب وتأثيره. المعطى الثالث يتمثل في الشخصيتين اللتين تقودان كلا من حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة؛ فالطابع الشعبوي الذي يميز كلا من بنكيران، الذي فضل حزبه التمديد في فترة ولايته، في خرق سافر لآلية الديمقراطية التي ينتهجها، وإلياس العمري، الذي صعد إلى قيادة الحزب بدلا من الباكوري، زاد من حدة هذا التقاطب وأدى إلى شخصنته. حدة التقاطب الحزبي ما زاد من حدة هذا التقاطب بين الحزبين المسار السياسي الذي اتخذه الانتخابات الجماعية والجهوية ل4 شتنبر2015. فعلى الرغم من الطابع المحلي لهذه الانتخابات ومشاركة عدة أحزاب فيها، إلا أن المعركة بالأساس كانت بين حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الحكومة، وحزب الأصالة والمعاصرة. واعتبر حزب العدالة والتنمية هذه الانتخابات المحلية انتخابات سياسية، استغل حملتها للدفاع عن تجربته الحكومية وللبرهنة على أنه لازال يحظى بالثقة والشعبية لدى الناخب رغم ادعاءات واتهامات أحزاب المعارضة؛ وبالتالي نزل بكل ثقله السياسي والانتخابي، الذي انعكس من خلال تقديم 16 ألفا و310 ترشيحات، أي بنسبة 12.46 بالمائة، محتلا بذلك الرتبة الثالثة بالنسبة للانتخابات الجماعية، و678 ترشيحا، أي بنسبة تغطية تبلغ 100 بالمائة بالنسبة للانتخابات الجهوية، محتلا بذلك المرتبة الأولى إلى جانب حزب الاستقلال؛ في حين انتقى خمسة وزراء، هم: عبد العزيز العماري وادريس الازمي وعبد العزيز الرباح وبسيمة الحقاوي والحسين الداودي وكلاء لوائح عدة جهات، رغبة منه في ظهوره كقوة سياسية أولى على الأقل في المجال الحضري، سواء بالجماعات، وبالأخص الجهات التي تعتبر بمثابة أول تجربة انتخابية أفرزها دستور فاتح يوليوز 2011، الذي منح صلاحيات جديدة، خاصة لرؤساء الجهات في إطار منظومة الجهوية الموسعة. أما حزب الأصالة والمعاصرة، فبعد فوزه الساحق في انتخابات الغرف، نزل بكل ثقله في الانتخابات الجماعية والجهوية ب18 ألفا و227 ترشيحا، أي بنسبة 13.92 بالمائة بالنسبة للانتخابات الجماعية، محتلا بذلك المرتبة الأولى، وب673 ترشيحا، أي بنسبة تغطية تبلغ 99.26 بالمائة بالنسبة للانتخابات الجهوية، محتلا المرتبة الثالثة.. كما رشح كل أعضاء مكتبه السياسي كوكلاء لوائح. أما للانتخابات الجماعية أو الجهوية، فترشح نائب رئيس الحزب إلياس العماري بالحسيمة، ورئيس مجلس المستشارين بيد الله بالسمارة، واحمد اخشيشن، وزير التربية والتعليم السابق، بقلعة السراغنة، ورئيس الحزب مصطفى الباكوري بالمحمدية. انعكاسات التقاطب الحزبي أدت حدة هذا التقاطب غير المسبوق إلى نقل الحزبين لصراعاتهما من المجال الانتخابي إلى المجال السياسي بمختلف مستوياته. -فعلى مستوى المؤسسة الملكية، رفع حزب العدالة والتنمية شعار التحكم في مواجهة خصمه، معتبرا أن قوته يستمدها من محيط الملك. وصرح بنكيران بأن المغرب تتقاسمه دولتان، دولة يحكمها الملك، ودولة لا يدري من يحكمها؛ في وقت تحين حزب الأصالة والمعاصرة فرصة انعقاد المؤتمر المتوسطي للبيئة بطنجة، الذي نظم تحت (الرعاية الملكية السامية) بحضور أخ الملك، وقراءة الرسالة الملكية، ليسجل غياب رئيس الحكومة، ما اعتبر إخلالا بمظاهر التوقير الملكي. كما استغلت صورة وزير التجهيز، المنتمي إلى حزب بنكيران للتأكيد على هذا الإخلال. هذا بالطبع ما دفع الملك في أحد خطبه إلى الإشارة إلى عدم إقحام المؤسسة الملكية في أتون الصراع الانتخابي. - على مستوى المشهد الحزبي، أدى هذا التقاطب إلى اصطفاف حزبي، انقسمت فيه الأحزاب الكبرى إلى معسكرين، اصطف الأول وراء حزب العدالة والتنمية، كحزب التقدم والاشتراكية، الذي تحول إلى حليف إستراتيجي، وحزب الاستقلال بعد الصفعة السياسية التي تلقاها أمينه العام حميد شباط بفقدانه معقله الانتخابي بفاس في الانتخابات الجماعية الأخيرة، في حين اصطف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتجمع الوطني للأحرار وراء حزب الأصالة والمعاصرة. وقد أدى هذا الاصطفاف إلى احتراب سياسي جعل الديوان الملكي يصدر بلاغا قويا ضد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بعد استجواب صحافي ربط فيه بين حزب الأصالة والمعاصرة وبين أحد مستشاري الملك، ما خلق ضجة إعلامية وصحافية استهدفت شخصيا الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ما اعتبر كنوع من التشويش السياسي على التحالف بين نبيل بن عبدالله وبنكيران، والبحث عن فك الارتباط بينهما، في عملية إضعاف لبنكيران وحزبه. - ويبدو أن هذا التقاطب لم يقتصر فقط على المستويين الأوليين، بل انتقل إلى الشارع العام، من خلال المسيرة الشعبية التي نظمت بالدارالبيضاء، والتي رفعت فيها شعارات ضد رئيس الحكومة وبعض قيادييه وحلفائه، مما جعل حزب العدالة والتنمية يتهم بعض أجهزة وزارة الداخلية بمساندة حزب الأصالة والمعاصرة، وهو نفاه وزير الداخلية؛ في حين صرح وزير العدل المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية وأحد أعضاء اللجنة المركزية المشرفة على الانتخابات بأنه كثيرا ما لا تتم استشارته في الشؤون المتعلقة بالانتخابات. وعموما، يبدو أن هذا التقاطب الانتخابي سينعكس بشكل جلي على نتائج الانتخابات التشريعية ل7 أكتوبر 2016، وسيؤدي لا محالة إلى تصدر أحد هذين الحزبين لنتائج هذه الانتخابات: إذ إن نزول حزب العدالة والتنمية إلى المعترك الانتخابي بثقله السياسي من خلال ترشيح معظم قياداته ووزرائه بزعامة بنكيران، الذي غامر بترشيح نفسه بمعقله الانتخابي بسلا، قد يمكنه، إذا ما أحسن استغلال مظلوميته السياسية وخطابه الأخلاقي، من الفوز بمقاعد نيابية مهمة، لكن لن تساوي أو تقارب عدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات التشريعية السالفة، بسبب تآكل نسبي في شعبيته نتيجة السلبيات التي اعترت تجربته الحكومية، وتحول بعض أصوات الفئات المتوسطة من موظفين ومأجورين الذين تضرروا من سياسته إلى حزب الاستقلال أو حزب التقدم والاشتراكية. في حين يمكن لحزب الأصالة والمعاصرة، إذا ما أحسن استقطاب الأصوات الناقمة على سياسة بنكيران، وعبأ الأعيان لاستقطاب أصوات الدوائر في بعض المدن، وخاصة في القرى، أن يتقدم أو يقارب عدد المقاعد التي سيحصل عليها غريمه الحزبي. وبالتالي لن يسفر هذا الوضع الانتخابي إلا عن إعادة تكريس توازنات المشهد الحزبي بمكوناته الكبرى، مع دخول بعض الأحزاب الصغرى إلى مجلس النواب، ما لن يسهل تبلور أي قطبية حزبية واضحة المعالم ومنسجمة الأهداف؛ في حين سيضطر كل من الحزبين، في حالة فوز أي واحد منهما، إلى الدخول في مفاوضات عسيرة لتشكيل حكومة ائتلافية يتكون عمودها الفقري من مجموعة من تقنوقراط القصر. أما على الصعيد السياسي، فإن هذا التقاطب، وكيفما كانت نتائجه، لن يقنع فئات واسعة من الهيئة الناخبة للذهاب إلى التصويت، خاصة بعد الممارسات التي مازالت معششة في السلوك السياسي للنخب الحزبية، من ترحال حزبي، وضعف الخطاب السياسي، وشخصنة التدافع السياسي، واللجوء إلى الإثارة الفضائحية، في غياب أي رهانات سياسية تهم التعليم، والصحة، والتشغيل والسكن.