أموال كثيرة تُصرف بشكل يومي في تدبير النفايات بالمدن المغربية، عمال بالمئات، ومُعدات وتجهيزات كثيرة تُسَخر للغرض ذاته...تدبير النفايات في أكادير مثلا يكلف 236 درهما للطن الواحد، وهي تكلفة تشمل الكنس والجمع والنقل والغسل، وإذا أضفنا إليها تكلفة المطرح التي تساوي 93 درهما للطن الواحد، تصبح التكلفة 333 درهما للطن، وهي تكلفة أقل من المتوسط الوطني، الذي بلغ 400 درهم للطن الواحد. أما إذا عرفنا أن جماعة أكادير تنتج 140 ألف طن سنويا من الأزبال، فسنستنتج أن القطاع يكلفها ما مجموعه 42 مليونا و620 ألف درهم سنويا، مع العلم أنها تكلف أزيد من 100 سائق و103 من مرافقي الشاحنات، وأزيد من 220 عامل كنس؛ ومع كل ذلك فالمواطنون يشتكون دائما من تناثر الأزبال في كل مكان، وانبعاث الروائح الكريهة، وانتشار النقط السوداء، والتوزيع غير العادل للنظافة؛ ويعزون في غالب الأوقات انتشار المزابل في شوارعهم وأزقتهم إلى تقصير عمال الجماعة، وعدم قيام المصالح التي فُوّض لها تدبير هذه النفايات بدورها. حملنا هذه الانتقادات إلى المهندس الشيخ الخرشي، رئيس "قسم البيئة وجودة الحياة" بجماعة أكادير، الذي وضّح، في حديث لهسبريس، الأسباب التي تساهم في عدم نجاعة عمل المصالح المكلفة في تدبير النفايات بأكادير وبعموم التراب الوطني. المواطن لا يريد حاويات بجواره حسب الخرشي، فالمواطنون لا يقبلون وجود الحاويات قرب منازلهم، ولا أمام محلاتهم التجارية، وفي الوقت نفسه يحتجون على غيابها بوضع الأزبال في أي مكان، فلا يبقى من مكان لها سوى الأماكن المهجورة، أو الأراضي غير المبنية، أو قرب الحدائق والساحات والملاعب. من جهة أخرى يضيف الخرشي فإن الموطنين ليس لديهم وقت محدد وقار لإخراج النفايات المنزلية، إذ يتخلصون منها على مدار اليوم، وليس صباحا مثلا، أو كل مساء. هذا الإخراج المستمر للنفايات نحو الحاويات يعيق عمل العمال المكلفين بغسلها، الذين يمرون مرة في الشهر، لأنهم يجدونها ممتلئة، ما يجعل مهمتهم مستحيلة، خاصة أنهم يتعمدون المرور مباشرة بعد مرور شاحنات الأزبال، حسب المتحدث ذاته، الذي زاد مستدركا: "لكن المسؤولية عن هذه النقطة يتقاسمها المواطن والبلديات؛ لأن أغلب الجماعات ليس لديها مخطط جماعي يحدد مواقيت مرور شاحنات الأزبال ومسارها كل يوم. وبالنسبة لأكادير يتعذر وضع هذا المخطط في غياب مخطط ولائي أو عَمالي". لا أحد يبذل مجهودا يسجل المتحدث نفسه تغييرا في سلوك المواطنين تجاه نظافة أزقتهم وعموم الأماكن المشتركة. قديما يورد الخرشي كانت أمهاتنا يقمن بكنس الفضاء أمام المنازل ورشه بالماء، بل يمتد عملهن أحيانا ليشمل باب جارة مريضة أو غير حاضرة..والآن لم يعد هذا السلوك قائما، ولم يعد أحد يبذل ولو جهدا بسيطا لنظافة الفضاء المشترك من أزقة وشوارع، في حين أن الجميع يشيرون بالأصابع إلى عمال النظافة، زاعمين أنهم لا يقومون بدورهم، على حد تعبيره. ويضيف المتحدث ذاته أن الجميع يتخلصون من أزبالهم في أي مكان، في الأزقة والأسواق وأمام البيوت والمؤسسات؛ في حين أنهم لو اقتنعوا بأن الشارع يصبح نظيفا إذا نظف كل منا أمام باب بيته لسهلوا مأمورية عمال النظافة في ما يخص جمع النفايات وإفراغ الحاويات؛ إذ لا يمكن أن تخصص الجماعة لكل زقاق عاملا، حسب تعبيره. التوزيع غير العادل للنظافة يعبر مجموعة من المواطنين عن ملاحظات بخصوص التفاوت الحاصل بين نظافة الأحياء، مشيرين إلى أن الأزقة والشوارع في الأحياء الشعبية التي تعيش فيها تجمعات سكانية كبيرة تعرف اتساخا كبيرا، وانتشارا واسعا للنقط السوداء وللحاويات المتسخة والأزبال المُتكدسة، في حين أن الأحياء السياحية، ولاسيما المدارات القريبة من البحر، يلاحظ المار منها نظافتها بشكل كبير مقارنة بغيرها، إلا أن الشيخ الخرشي لا يعتبر ذلك توزيعا غير عادل للاهتمام، وإنما يرجع إلى "التفاوت في تجهيز الأحياء"، إذ إن "هناك أحياء مجهزة بشكل يساعد عمال النظافة على أداء مهمتهم، وهو ما لا يُتاح في أحياء بنيت بشكل عشوائي أو لم يكتمل تجهيزها، إذ تضم أزقة ضيّقة لا تسمح بمرور الشاحنات، ومواطنين يتخلصون من أزبالهم في أي مكان، ويدفعون الحاويات بعيدا عن منازلهم؛ بل منهم من يقوم بحرقها"، على حد قوله. في مقابل ذلك، يؤكد المصدر نفسه أن الفنادق والمقاهي في المناطق السياحية ملزمة بجمع أزبالها في حاوياتها الخاصة، على أن يتم جمعها من طرف العمال بشكل يومي في وقت محدد مرة واحدة في اليوم، في حين يبدأ الكنس من الخامسة صباحا إلى التاسعة. وأضاف المتحدث ذاته أن المواطن نفسه الذي يرمي أزباله في أي مكان في حيه الشعبي تجده حذرا ويبحث عن صُندوق القمامة عندما يتجول في الأماكن السياحية، مشيرا إلى أن "الأماكن النظيفة تفرض على الناس الاحترام، بينما الأزبال لا تجلب إليها سوى الأزبال"، حسب تعبيره. النقط السوداء وفي ما يتعلق بانتشار النقط السوداء في المدينة، يؤكد رئيس مصلحة البيئة وجودة الحياة بجماعة أكادير أنه، بصفته مسؤولا عن قطاع النظافة في أكادير، "لا يقتصر عمله على المكتب، بل يتجاوزه في غالب الأحيان نحو الأزقة والشوارع والأسواق، للوقوف على سير عملية تنظيف المدينة"، مضيفا: "أجد ركاما من الأزبال في مكان ما، فألتقط له صورة، وأعود في الغد إلى المكان نفسه لأقارن صورة الأمس مع الأزبال المتراكمة، لأتأكد أن العمال مروا من هناك". ويزيد الخرشي: "إذا كانت الأزبال نفسها، أتأكد أنه تقصير منا ومن العمال، أما إذا وجدت أزبالا أخرى، فهو سلوك سيئ من مواطن غير واع، لا تهمه نظافة مدينته، فيتخلص من أكياسه قرب أكياس أخرى، خاصة أن الأزبال تجلب إليها أزبالا أخرى". ويلح الخرشي على وجوب توعية المواطنين في المدارس، وعلى تدخل جمعيات المجتمع المدني لتوعية الكبار بأن النظافة لا تشمل فقط داخل المنازل، بل خارجها، مضيفا: "يجب أن نشرح للبسطاء أين وكيف يجب التخلص من النفايات..بدون ذلك لا يمكن أن تكون مدننا نظيفة كما يجب"، وزاد: "قبيل عيد الأضحى وزعنا ما يزيد عن 66 ألف كيس بلاستيكي على قرابة 400 جمعية على مستوى جماعة أكادير، كي تقوم بإعادة توزيعها على المواطنين الذين تحتك بهم بشكل يومي..فلماذا لا تساهم هذه الجمعيات في توعية هؤلاء المواطنين؟". نفايات البناء والحدائق بخصوص نفايات البناء والحدائق وغيرها، يؤكد المتحدث نفسه، لهسبريس، أن "الجماعة مسؤولة فقط عن النفايات المنزلية وما شابهها، وأن نفايات المستشفيات والنفايات الطبية غير الخطيرة، والنفايات الفلاحية والنفايات الصيدلانية، ونفايات المساحات الخضراء والبناء، الجهة هي المسؤولة عنها قانونا"؛ وزاد مستدركا: "غياب مخطط جهوي لتدبير هذه النفايات جعل المصالح البلدية تتكلف بذلك، مع تشريع إتاوة على هذه الخدمات المقدمة، من جمع ونقل ومعالجة المخلفات، تم العمل بها منذ سنة 2013"؛ إلا أنه أقر في الوقت ذاته بضعف المراقبة، مضيفا: "لا يجب أن تمنح رخصة السكن حتى يقوم صاحب المنزل بالتخلص من نفايات البناء في المكان المخصص لها". وأضاف المتحدث نفسه: "يجب أن يعلم المواطنون أن شاحنة جمع النفايات لا يسمح لها بجمع نفايات الحدائق.. والمواطن الذين يضبط وهو يتخلص من نفايات حدائقه أو نفايات بناء في مكان غير مخصص لها يدفع غرامة مالية". قوانين زجرية تعُج الأزقة والجدران في مدينة أكادير بعبارات تفرض غرامات على "كل من يرمي الأزبال هنا".. ويتفاوت المبلغ حسب اطلاع كاتب العبارة على القانون، وحسب رغبته في تخويف المواطنين الذين يتخلصون من نفاياتهم المنزلية قرب بنايات الآخرين، أو أمام محلاتهم التجارية. إلا أن القانون 00 28، المنظم لهذا المجال، وخاصة الفصل 70 منه، يعاقب "كل من وضع أو طمر، أو عالج أو أحرق، نفايات منزلية أو ما شابهها: "نفايات صناعية غير خطيرة، نفايات فلاحية"، خارج الأماكن المخصص لها، بغرامة من 200 درهم إلى 10 آلاف درهم". أما بالنسبة للنفايات الخطيرة، فيعاقب الفصل نفسه من القانون الفاعل بغرامة تبدأ من 10 آلاف درهم إلى مليوني درهم، أو بعقوبة حبسية من 6 أشهر إلى عامين، أو بالعقوبتين معا.