لم يدر في خلد سعيد الحمدوشي، البالغ من العمر 54 سنة، أن انتقاله إلى السكن في مشروع الأمل السكني بمنطقة الرحامنة في دار بوعزة التابعة لعمالة النواصر، سيتسبب له في أضرار صحية بليغة حد إصابته بحالة ربو متقدم، جعلت من حياته جحيما يوميا، بسبب انبعاث روائح كريهة من حوض مخصص لاستقبال مياه الأمطار، قبل أن تحوله شركة "ليديك"، بمعرفة من المسؤولين بالجماعة الحضرية دار بوعزة، إلى حوض لاستقبال المياه العادمة الآتية من قنوات الصرف الصحي للمجمعات السكنية التابعة لمجموعتي "أليانس" و"أنوار المستقبل". روائح كريهة بجانب الحوض الذي يستقبل المياه العادمة، ووسط الروائح الكريهة، يقف سعيد الحمدوشي، متحدثا بصعوبة بالغة للجميع، مشيرا إلى أنه يضطر إلى حمل "البخاخ" المخفف لأعراض عسر التنفس في كل وقت وحين، ومؤكدا أنه منذ أن حل بهذا الحي أصيب بأزمات حادة متتالية في التنفس، وفي ظل الغياب التام لأي مركز صحي بالمنطقة، وانعدام وسائل النقل الحضرية، لا يجد أمامه سوى الأصدقاء الذين يتوجهون به إلى مستشفى ابن رشد البعيد عن حي الرحمة بأزيد من 17 كيلومترا، من أجل الحصول على حصة من التنفس بواسطة جهاز الأوكسجين. لا ينسى الحمدوشي، الذي صب جام غضبه على برلمانيي المنطقة والمسؤولين الترابيين، بسبب التجاهل الغريب الذي يواجهون به معاناة أزيد من 8000 نسمة مع التلوث الذي يتسبب فيه هذا الحوض لهم، سرد معاناة الأطفال مع أسراب البعوض الآتية من المياه الآسنة ليلا ونهارا، والروائح الكريهة المنبعثة منها، والتي لا يطيقها الكبير قبل الصغير. تقاسم المعاناة المعاناة نفسها تتقاسمها ابنة هشام مشدي مع الحمدوشي، والتي تبلغ من العمر خمس سنوات، إذ أصيبت بالربو منذ سنتين..ويقول والدها: "أصيبت ابنتي بالربو قبل 24 شهرا، أي منذ أن جئنا إلى هذا المكان.. منذ ذلك الحين ونحن نعاني كلما أصيبت بأزمة حادة، آخرها قبل أيام، إذ وجدت نفسي مضطرا إلى التوجه بها نحو مستشفى ابن رشد لإنقاذها". ويثير هشام مشدي الانتباه إلى أن "سكان الرحمة يعانون من غياب تام للأمن، الذي يشرف عليه أقل من 17 من عناصر الدرك الملكي"، مسجلا العديد من حالات السطو المسلح، خاصة عندما يتوجه السكان إلى محطة الحافلات التي تبعد بكيلومتر كامل عن هذه المدينة، التي تفتقر إلى باقي المرافق الاجتماعية، كدار الشباب والمسجد والمدارس العمومية، باستثناء مدرسة ابتدائية واحدة تعاني من الاكتظاظ بمعدل 50 تلميذا في القسم الواحد، وفق تأكيدات المتحدث ذاته وباقي السكان الذين التقت بهم هسبريس بالمكان عينه. تقاذف المسؤوليات السكان ووفق تأكيدات سعيد الخياطي، المقيم في إقامة الأمل بحي الرحمة، قاموا بتأسيس جمعية "وطني أنا...أنا وطني"، وشرعوا في مراسلة الجهات المسؤولة عدة مرات بشأن مشكل الروائح الكريهة المنبعثة من حوض المياه العادمة.. "لكن المسؤولية بدأت تتقاذفها كل من شركة "ليديك" وجماعة دار بوعزة"، وفق تأكيدات السكان الذين يواجهون لوحدهم جحافل البعوض والروائح الكريهة التي جعلتهم يضطرون إلى إقفال نوافذ بيوتهم ليل نهار، في الوقت أقفل مسؤولو المنطقة أبواب مصالحهم الإدارية الترابية والمنتخبة أمامهم.