في المغرب تعمل الدولة منذ مدّة على جعل الخدمات الأساسية غير مجانية. وأتحدث هنا خصوصاً عن الصحة والتعليم، القطاعين اللذين فشلت كلّ المخططات في إيجاد حلول جذرية لهما وتطويرهما، حتى وصلا إلى مرحلة رفع اليد وفتحا أمام الخوصصة والرأسمالية المتوحشة..وهو ما يعني أن المواطن المغربي، البسيط والمتوسط خصوصاً، سيكون مضطراً لصرف ثروة حياته من أجل ضمان تعليم في المستوى المقبول لأبنائه ولتمكينهم من الاستفادة من خدمات طبية وصحية في جودة معقولة أيضاً.. ولا أقول جيدة ولا ممتازة، فحتى في القطاع الخاص التعليم والصحة يتخبطان في مشاكل عديدة. أمّا في تركيا، التي تعيش نهضة اقتصادية واجتماعية وتنموية خارقة، تعتمد فيها أساساً على الحكامة الجيّدة ومحاربة الفساد، فقد أعلن الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، الاثنين، ثورة اجتماعية جديدة سترفع من أسهمه بشكل كبير جدّاً لدى الأتراك؛ وذلك باتخاذه لقرار سياسي بسيط بجرّة قلم، وبجملة واحدة، معلنا في حفل افتتاح المستشفى الأكاديمي بمدينة إسطنبول أن "الشعب التركي لن يضطر بعد اليوم إلى دفع ثروات كبيرة للعلاج في المستشفيات الخاصة، وأن يبقى رهينة في المستشفيات كي يدفع أجورها..". وصرّح أردوغان بأنه أصدر تعليمات لوزارة الصحة بجعل الأدوية، بما فيها أدوية السرطان، مجانية ومتاحة لعموم المواطنين دون مقابل. أردوغان قال أيضاً إنه "لا يجب أخذ أجرة من المرضى للعلاج، حتى وإن كان علاجا للسرطان". وتعمل تركيا اليوم على إنشاء 29 مستشفى في عدة مدن مختلفة، ستزيد جودة الخدمة التي تقدمها لمواطنيها وستحولها إلى مركز صحي عالمي. أمّا عندنا في المغرب، فإنهم يغلقون المدارس أو يبيعونها، ويهملون المستشفيات ولا يطوّرونها، لكنهم يجتهدون الآن من أجل بناء سجون جديدة. كلّ ما يستحقّه الشعب في نظرهم هو السجن إن لم يقبل العيشة التعيسة التي يقدمونها له. عندنا في المغرب، عاهل البلاد ورئيسها، أطال الله في عمره ووفّقه إلى ما فيه خير البلاد والعباد وإقامة العدل بين الناس وتوفير شروط العيش الكريم، وجد نفسه ربّما يصبّ الماء في الرّمل وهو يحاول عبثاً إصلاح التعليم والصحة، حتى وصل به الأمر ليسأل المواطنين والمسؤولين ذات يوم في خطاب ملكي رسمي: "أين الثروة؟". قبل أن يعود بعدها ويفتح النار على الإدارة العمومية، التي هي أصل الكثير من التخلف في البلاد. أمّا "السي" عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية في السنوات الخمس الماضية والخمس القادمة، فقد فشل فشلاً ذريعاً في تطوير هذين القطاعين خصوصاً، وعوض إصلاح التعليم والصحة أصلح "بيت النعاس والصالون والكوزينة". والحصيلة أنّ تركيا اليوم قوّة اقتصادية عالمية، وتستقطب مئات الآلاف من العالم كلّه، يبحثون عن العلاج في مستشفياتها، ما يدرّ عليها ثروة حقيقية من العملة الصعبة عبر السياحة العلاجية، ومواطنوها يعالجون من كلّ الأمراض، حتّى الأشدّ فتكاً والمزمنة، ويحصلون على كلّ الأدوية، الغالية قبل الرخيصة، دون أن يضعوا أيدهم في جيوبهم. أمّا عندنا فالحكومة ووزراؤها قالوها لنا صراحة: "اللي بغا يقرّي ولادو يدير يدّو فجيبو... واللّي بغى يدّاوى يمشي لكلينيك بريفي...واللي جاه ليصانص غالي يحطّ الطوموبيل ويمشي على رجليه، منها اقتصاد ومنها رياضة... واللي جاه دانون غالي يصاوب الرايب فدارو... واللي بغا يخدم أرض الله واسعة والوظيف خايبة والتجارة مزيانة.. وسيرو قلبو على راسكم فالقطاع الخاص.. واللي جاه الخبز غالي يصيب الملاوي... واللّي.. واللّي.. واللّي.. واللّي بغا حقّو يقولو ليه حقّك فالجنة !". لماذا لنا حكومة ووزراء ومسؤولون كبار أصلاً، إن كانوا عاجزين عن الإصلاح والتطوير، رغم أنهم يتقاضون الملايير كلّ سنة مما تقتطعه الدولة كلّ يوم من عرق المواطنين وكدّهم، وهي لا توفّر لهم حتى أبسط الخدمات اليومية، "واللي قال العكس يمشي يسمع خطاب الملك في افتتاح البرلمان هذا العام". والمصيبة أنّه بعد أكثر من شهر على الانتخابات التشريعية مازالت الحكومة الجديدة لم تر النور، فلا نعرف تحالفاتها ولا نعرف وزراءها، ومصالح البلاد متوقفة في انتظار السادة المبجلين زعماء الأحزاب، وما هم بزعماء، أن يتقاسموا الغنيمة بمنطق "الوزيعة". وهان نحن منتظرون، وفي انتظار أن تكون لنا حكومة معقولة ومسؤولة، لا يسعنا إلاّ الدعاء: "الله يجيب لينا اللي يحكمنا ويهفمنا..ويفكنا من الوزراء اللي ما فاهمينا ما عاطيينّا.. وشعارهم أحبّوا الوزير اللي يفهمكم وما يعطيكم والو". - صحافي مغربي