هنيئا أردوغان.. انتصار تاريخي حققه الرئيس التركي أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية، في الانتخابات المبكرة التي أجريت يوم الأحد 24 يونيو 2018، معية حليفه حزب الحركة القومية، حيث بلغت نسبة المشاركة 88% ، وهي نسبة لم تعد تعرفها حتى الدول الأوربية العريقة في الديمقراطية. انتصار أردوغان ما هو إلا تتويج لعقدين من الانتصارات، انطلقت برئاسته لبلدية إسطنبول التي حولها من مدينة أزبال وعنف ومافيات، إلى مدينة الأزهار والأمن والاستثمارات، ليُسلِّمهُ الشعب رئاسة تركيا التي أنقذها من الفساد والاستبداد والتبعية والمديونية، إلى دولة قوية في مختلف المجالات الصناعية والعسكرية والخدماتية والاقتصادية، بل إن الاقتصاد التركي من بين أقوى الاقتصاديات عالميا، خصوصا بعدما أصبحت تركيا تقدم القروض للعديد من الدول والمؤسسات المالية بما فيها صندوق النقد الدولي. من مواطن فقير يبيع الكعك والعصير، ويستشعر ألم الفقراء والمحرومين والمعذبين في الأرض إلى زعيم سياسي لم يُراكم من الممارسة السياسية ثروة واستكبارا، لكنه راكم ثروة أغلى بكثير هي حب الأتراك له، وهذا مغزى تصريحه بُعيْدَ فوزه بنسبة 52% "الشعب التركي يحبني لأنه يؤمن بأنني خادم الشعب ولست سيدا" مما حوّل أردوغان إلى قامةٍ ساسية وإنسانية عملاقة. يدافع بهدوء وجرأة عن قناعاته، وكلما دخل معركة إلا وازداد تألقا وشهرة، وزاد تركيا تموقعا واحتراما، كلنا نتذكر بطولة أردوغان في ملتقى دافوس بسويسرا سنة 2009، حين احتجَّ بشدة على تصفيقات الحضور على الكلمة التضليلية المُطوّلة لرئيس الكيان الإسرائيلي شيمون بيريز، مطالبا بضرورة الرد على بيريز في دقيقة واحدة، ورغم أن رئيس الجلسة حاول منع أردوغان من الكلام، إلا أنه تكلم عن الجرائم الهمجية البربرية للقتلة الصهاينة في أرض فلسطينالمحتلة، والتي تستوجب الإدانة لا المغازلة، لِيغادر أردوغان قاعة الاجتماعات مرفوع الرأس منتصِب القامة، حاصِدا تصفيقات الجماهير، مُهدّدا بعدم حضوره مرة أخرى لملتقيات تُصفِّق لقتلة الفلسطينيين.. هذا ما جعل أردوغان يحظى باحترام الكثير من شعوب العالم الإسلامي وليس فقط الشعب التركي.. ولا داعي أن أذكر بموقف أردوغان الشجاع من إبادة مسلمي ميانمار.. - هنيئا تُركيا.. إسرائيل وأذنابُها سيُرتِّبان خطة انقلابية للتخلص من "المزعج أردوغان" وإرساله إلى حبل المشنقة، والتهمة جاهزة "التخابر مع حماس" والإساءة للقيم العلمانية، بمباركة من الاتحاد الأوربي (الاستعماري) الذي جعلته القوة الاقتصادية التركية يتخبَّطُ في الكثير من المشاكل المالية والاجتماعية، أخطرها عدم قدرة الكثير من الدول الغربية مجاراة التنافسية الصناعية لتركيا في الصناعات الخفيفة والثقيلة، إن على مستوى جودة المنتجات وانخفاض السعر، وإغلاق الكثير من المصانع في أوربا وارتفاع معدل البطالة. أوربا التي مازالت تمتص ثروات الكثير من الدول التي كانت تحتلها، بشكل مباشر أو عبر اتفاقيات اقتصادية استنزافية.. هكذا تم إعطاء الضوء الأخضر لبعض الفاسدين في الجيش التركي للإطاحة برأس أردوغان في محاولة انقلابية بئيسة فاشلة يوم 15 يونيو 2016، ردّ عليها الشعب التركي باحتجاجات تندِدُ بالانقلاب مردِّدين "وفي الليلة الظلماء ينتصِر الشعب.. وفي الليلة الظلماء أردوغان هو البدر".. ليشرع أروغان في تطهير مؤسسات الدولة من المفسدين والعملاء. حزب العدالة والتنمية التركي كرّس نفسه لخدمة الشعب التركي، وحول تركيا من قِبلة للسياحة الجنسية وماخور يُعربد فيه العسكر ومن في فلكهم من المرتزقة الذي يتاجرون بمصير الوطن لخدمة نزواتهم الدنيئة، إلى دولة تشكل رقما صعبا في نادي الكبار، دولة قوية اقتصاديا، وصناعيا، متطورة في قطاع التعليم الفعال، متقدمة في مجال الصحة ويكفي أن نعرف مداخيل السياحة الصحية في تركيا، وتحويل تركيا إلى حديقة كبيرة، مع الدكاء المرِن في مواجهة التحديات، وآخرها استهداف الليرة التركية... الامتحان الذي خرج منه أردوغان ناجحا، وهو ما يعزّزُ الأمن الاقتصادي والثقة في حزب المصباح التركي الذي أضاء فعلا حياة الأتراك. وداعا بنكيران.. حزب المصباح المغربي الذي وعد المغاربة بمحاربة الفساد والاستبداد، وصوّت له الكثير من المغاربة تصديقا لوعوده المعسولة، وعقابا للأحزاب المخزنية التي فقدت مصداقيتها، وراكمت تاريخا من الضحك على المواطنين، واستغلال الحقل السياسي لقطف ما لذ وطاب من الثروات والامتيازات، وإغراق معظم المغاربة في الفقر والأمية والمرض والهشاشة.. فساد شامل في كل القطاعات، اقتصاد الريع والولاءات، تعليم عمومي فاشل باعتراف المجلس الأعلى للتعليم، خدمات صحة مشلولة، في حين أن النافذين يعالجون خارج المغرب، (رحم الله أمي المقاومة عيشة الشاوني التي قاومت الاستعمار رفقة والدي والتي أصيبت بشلل نصفي وماتت ونحن نتنقل بها من مستشفى إلى مصحة فر رحلة للعلاج المفقود) ، مغرب عميق بلا طرق بلا خدمات، جيوش العاطلين تحتج في واد سحيق. بنكيران الذي لم يستطع النجاح أمام أبسط امتحان "ربطة العنق" التي زيَّن بها عنقه بمجرد ما أصبح رئيسا للحكومة، في الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون منه أن يضع "ربطة عُنُقٍ" على الفساد لخنقه ووضع حدٍّ لتدميره للمؤسسات المغربية، سيما وأن النسق أصبح فاشلا تعطلت وظائفه لاستفحال سرطان الفساد في مختلف مفاصل الوطن، غير أن بنكيران قال في تصريحه الشهير: لن أحارب العفاريت والتماسيح "وعفا الله عما سلف". "عفا الله عما سلف" تعني منح "العفو الرئاسي" للمفسدين وناهبي المال العام، واستمرار مسلسل الفساد، وإفراغ الكثير من الصناديق، كصندوق التقاعد، ولجوء بنكيران إلى جيوب المواطنين لملء هذه الصناديق، اللجوء المُتكرِّر لركوب الحلول السهلة، على غِرار رفع سن التقاعد (65سنة) غير مدرك عواقب ومآلات هذا القرار الخطير في رفع معدل البطالة، وإطالة معاناة المرضى الذين تخلَّتْ عنهم مؤسساتهم بسبب حوادث الشغل أو أمراض مزمنة كالعمى السكري، وعجزهم عن إعالة أسرهم، وانتظارهم المرير بلوغ خريف العمر "ستين سنة" للحصول هلى معاش هزيل، فإذا بهم يُصْعقون بأنه عليهم الانتظار خمس سنوات إضافية، والحالات كثيرة من بؤساء التقاعد، عِلما أن رفع الرئيس الروسي بوتين سن التقاعد هو أكبر سبب في انخفاض شعبيته، رغم إنجازاته الكثيرة للشعب الروسي. توالت القرارات الخاطئة للسيد بنكيران، من بينها الرفع في ثمن المحروقات وما صاحبه في ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات، وكلما وُجّه إليه انتقاد شعبي (مع نقطة موضوعية تكمن في رحابة صدره وعدم تهديد خصومه بالمتابعة القضائية، وعدم تضييقه على الحريات)، أُكرٍّرُ كلما اتخذ بنكيران قرارا غير شعبي إلا وتقلصت قاعدته الجماهيرية، متعلّلا بأنه مجرد خادم للملك، في تخلٍّ غير مفهومٍ عن صلاحياته الدستورية. كان بإمكان السيد بنكيران وهو الوطني الغيور والسياسي العاثر لا الثائر، أن يُقدم استقالته باكرا من الحكومة، مع عقْد ندوة صحفية يُصرّح عبرها بالضغوطات الممارسة عليه وتسمية الأشياء بمسمياتها، والرجوع إلى صف المعارضة، خصوصا في مرحلة "البلوكاج" حيث نال تعاطف معظم المغاربة، أمام رغبة بعض الأحزاب الضعيفة فرض سيطرتها على الحكومة الثانية الناشئة، حينها سيكسب احترام الشعب المغربي، وستزداد شعبيته، ويكون جديرا بالاحترام. أما التنازلات بعد التنازلات تلو التنازلات، هي التي جعلت حزب "العدالة والتنمية" المغربي مجرد نسخة مزيفة باهتة لحزب العدالة والتنمية التركي، ومع قرارات بنكيران السياسية الخاطئة أصبحت "ربطة العنق" تضيق الخناق على رقبتِة ، وتخلى عنه أقرب الأصدقاء، لقد أضاع "ثقة الجماهير" حين كسر "جوزة الشعب" بأسنانه ليتناول لُبَّ السلطة، لكنه كسر أسنانه لأن "جوزة الشعب" أكثر صلابة، وصلابتها تزداد في الكثير من المواقف أكثرها إشراقا "المُقاطعة" المتمدّنة، كاحتجاج سلمي ضد الاستنزاف والاستخفاف..والمطالبة بالعيش الكريم.. لأن الشعوب لا تموت بالجوع وإنما بالذل والهوان.. أليس ذُلاًّ وهوانا أن ينفي وزير الشغل عن حزب العدالة والتنمية السيد يتيم تعرض العاملات المغربيات للتحرش والاغتصاب الجنسي والعبودية في حقول الفراولة بإسبانيا، في الوقت الذي شجبت منظمات وجمعيات حقوقية إسبانيا انتهاك حقوق العاملات المغربيات واستعبادهن، والتغني بمخطط المغرب الأخضر!؟ لقد أخطأ السيد بنكيران في اختيار حلفائه السياسيين، وانضم لحزب العدالة والتنمية الكثير من الانتهازيين على غرار كل حزب يحصد نجاحا، وغابت عن الحزب الديمقراطية الداخلية بإقصائه للكثير من الكفاءات الصادقة، كل هذه الأخطاء وقعت شهادة موت حزب العدالة والتنمية، أما الذين يقولون إنه مازال يُشكّل رقما مهما في المشهد السياسي المغربي، فربما أنهم بعيدون عن الشعب المغربي ومآسيه، أو أنهم سيكولوجية الجماهير من خلف مكاتبهم المكيفة، متجاهلين تفاقم أزمات الفقر والقهر والهشاشة. هنيئا أردوغان.. هنيئا تركيا.. وداعا بنكيران.