من يتقن اللعبة ومن يظل دوما في حالة شرود يعيش المغرب على إيقاع التوقع وتناسل التكهنات وسيل التحليلات والتحليلات المضادة بشأن الحكومة القادمة، وقد ترددت –بعد جولة المشاورات الأولى التي أجراها رئيس الحكومة المكلف أن هناك سعيا إلى المزايدة وهرولة إلى المشاركة وتصاعدت بعض روائح " مصالحة " هنا ومساومة هناك ... حتى أن بعض الأخبار المتواترة صارت تطرح بقوة فرضية الفشل في تشكيل حكومة دستورية منبثقة من صناديق الاقتراع ليوم سابع أكتوبر وانتصبت أسئلة بعنوان : ماذا لو....؟؟ وما الحل إذا ..؟؟؟ خاصة وأن هناك فراغا دستوريا في علاج الحال لو حصل الفشل وكان ذاك هو المآل . ولكن جلالة الملك قطع شكا بيقين لما حدد نوعية وطبيعة الحكومة المنتظرة حين قال بالصريح الفصيح إن تشكيل الحكومة لا ينبغي أن يكون لإرضاء أحزاب وبأغلبية عددية وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنائم؛ فالقصد الظاهر أولا أن عدد الحقائب الوزارية المخصصة لكل حزب مشارك لا ينبغي أن يكون مرادفا لنسب المقاعد المحصل عليها في الانتخابات ، والمعنى الواضح ثانيا أن تشكيلة بنكيران لا يجب بالضرورة أن تحتضن عددا من الأحزاب أكثر من اللزوم بهاجس تحصيل الأغلبية المريحة . هما سؤالان جوهريان تنطوي عليهما الرسالة الملكية في خطاب دكار لاسيما وأن الملك حدد أيضا نوعية الحكومة التي يحتاجها المغرب : جادة ومسؤولة وذات برنامج واضح وأولويات محددة في القضايا الداخلية والخارجية وسياسة مستقبلية شاملة ومتكاملة تجاه إفريقيا . يحمل خطاب دكار رسالة قوية أخرى مستندة لمنطوق الفصلين 42 و47 من الدستور فالملك بصفته الساهر على حسن سير المؤسسات الدستورية وعلى صيانة الاختيار الديموقراطي وباختصاصه في تعيين أعضاء الحكومة الذين يقترحهم رئيسها يمارس صلاحيته الدستورية التامة في شأن تعيين الوزراء وكما هو معلوم لا يتعلق الأمر باختصاص مصادقة على مقترحات الرئيس المكلف بل باختصاص موافقة ؛ ولذلك يقول الملك في خطاب الذكرى 41 للمسيرة الخضراء الذي يصادف مشاورات تشكيل حكومة جديدة إنه سيحرص على تشكيل الحكومة طبقا للمعايير التي حددها في نفس الخطاب مشددا أنه ان يتسامح مع أي محاولة للخروج عنها : (1/الأغلبية ليست بالضرورة نتاج عملية حسابية عددية 2/الحقائب الوزارية ليست غنائم للتوزيع 3/حكومة جادة ومسؤولة 4/برنامج واضح وأولويات محددة 5/ سياسة متميزة نحو إفريقيا موسومة بالشمول والتكامل . الآن يبدو أن بنكيران وحلفاؤه الذين سيقترحهم على الملك مطالبون - بعد أن تأخروا في القيام بذلك من تلقاء مسؤوليتهم – بالاعتكاف أولا على شحن ( الكانفا Caneva) المرسومة لهم بالعناصر المطلوبة وفق المعايير المسطرة ... الكرة في ملعب الرئيس المكلف منذ تعيينه غداة اقتراع سابع أكتوبر وهي أيضا في مربع العمليات بالنسبة للمتبارين على ولوج الحكومة ، وستبدي لنا الأشواط الإضافية الممنوحة ، من يحسن اللعبة ومن يظل دوما في حالة شرود لا يرعوي أمام صفارات الحكم المتكررة . "طلقونا للفراجة " لا نريد اللجوء لضربات الترجيح ..فغالبا ما تكون ضربات حظ ظالمة ..