هناء شابة مغربية، نشأت في بيئة ما حرمتها نِعمة، ولا عزَّت عليها حاجة من حوائج الدنيا .. لكنها اليومَ تتصدرُ المسيرات والوقفات الاحتجاجية المُطالبة بالتغيير. ما سِرُّ هذا التحول؟ ما حاجةُ هناء إلى التغيير؟ هناء "المواطنة الصالحة": هناء مثالٌ لفئة من الشباب المغربي الذي نشأ في النعيم الاقتصادي. فلا هي لَبستْ ثوبا مرقعاً كباقي المغاربة، ولا قطعت المسافة التي تفصلها عن المدرسة مشياً على قدمين مشقوقتين، ولا استقلت " طوبيساً " قط، - اللهم مرةً واحدةً من باب التجربة – ولا هي وقفت يوماً في طابور التدافع و "الحُكرة" من أجل فُتاةِ مِنحةٍ دراسية .. وبالمقابل، قيَم المواطنة "الصالحة" المتشبثة "بثوابت" البلاد و"مقدساتها" مغروسة منذ نُعومة الأظافر، فالنشيدُ الوطني إلزامي في مدرستها الخصوصية، تماما كما صورة الملك والتربية الوطنية والأناشيد الوطنية والحماسية من قبيل: " صوت الحسن ينادي .. " وإذا ما أغفلت المدرسةُ بعض "الحُقن" لم تحقنها، قامتِ الأسرةُ ب"اللازم". تسأل هناءُ يوما: " أبي، هل أخطأ الملكُ في شيءٍ يوماً؟". " لا يا بُنيَّتي، فالملك شخصٌ مُقدس، لا يُخطئُ أبدا". علقمُ الواقعِ يمحو "حُقَنَ" الصِّبا: من قمةِ الرَّغَدِ، تنقُلُ الأقدار هناءَ إلى أطراف الصحراء، حيثُ عُيِّنَتْ معلِّمةً.. فتستفيقٌ من أحلامها الوردية على واقع المُعاناة الذي يتجرَّعُه السَّوادُ الأعظمُ من المغاربة. لا ماء، لا كهرباء، لا وسيلة نقل، لا وسائل تعليمية، لا حركة انتقالية، لا،لا،لا. نعم لِلَسَعَات العقارب، نعم للثعابين، نعم لنوبات المرض المتكررة، نعم لقلة الزاد، نعم للتهميش... لم تكن هناء تتصور – حتى في أبشع كوابيسها – أن هناك مغربياً واحداً يعيشُ عيشةً كهاته. "ما هذا؟ هل أنا فعلا في أجمل بلد في العالم؟ ألا تعلمُ الدولةُ بحالي وحال هؤلاء؟" ولكي تكتملَ الصورةُ، تتزوجُ هناء، وتحمل، ويأتيها المخاضُ وهي في "الدوار". فيُكتَبُ لها أن تلمسَ جانباً آخر من واقع "الحُكرة" الذي تعيشه القروياتُ دونَ أن يُسمع لهن صوتٌ: ساعاتٌ من البحثِ عن وسيلةِ نقلٍ توصلُ إلى المستوصف "قبل فوات الأوان"، لكن هيهات، فالمولودُ ما كان لينتظرَ العمر كله، إذ صرَخَ "صرخة الشعب" في منتصف الطريق، داخل سيارة النقل. بعدَ الولادة تلتمس الرعاية الطبية لدى المستوصف، تلك "الغابة الموحشة"، لكن لا رحمة، لا شفقة، لا إنسانية... والتبرير: "الجميعُ مشغولٌ بزيارة "الشخص المُقدس" التي زامنت نفس اليوم". هناء تريد التغيير: هناء اليوم شابة في 29 من عمرها، انخرطت بجدية في الحِراك الشعبي الذي تقوده حركة 20 فبراير. تجِدُها في مقدمة المسيرات تهتفُ بحماسٍ صادقٍ: "المغرب الله كريم، لا صحة لا تعليم". فهي خَبرتْ عن كثبٍ الواقع المزري لمنظومتنا التعليمية، واكتوتْ – كما باقي المغربيات – بنارِ رداءةِ الخدمات العمومية، لذا تراها – ولا عجب – تدعو من لم تلتحق بعدُ من شقيقاتها إلى الانخراط الفاعل في حملةِ "إسقاط الفساد" هذه. تمُرُّ بإزاء محلات المواطنين والمرافق العمومية، فتجدها تُبادر إلى حمايتها مُردِّدَةً : " سِلمية سلمية". وتتذكرُ "حُقَنَ" أمسِ الصِّبا فتنطلقُ مع الجماهير" سبحان الله سبحان الله ... لا مُقدس إلا الله". هناء، تلك الشابة المغربية التي نشأت منذ نعومة أظافرها على الاهتمام بشأنها الخاص والابتعاد عن "طابوهات المقدسات"، تقفُ اليوم بجوارِ أختها الفلاحة والأمية والعاملة و... تهتفنَ بصوتٍ واحد: " الشعب يريد ... "